الأخبار سوريا شمال وشرق سوريا

الحكومة السورية تخطط لاستهـ ـداف الرقة والطبقة.. كيف وعبر منّ؟

تخطط الحكومة السورية منذ فترة لاستهـ ـداف مناطق الرقة والطبقة على غرار ما فعلته في دير الزور، ولذلك زرعت العديد من العـ ـمـ ـلاء والخـ ـلايـ ـا في المدينتين وجـ ـنـ ـدت بعض ضـ ـعـ ـاف النـ ـفـ ـوس لإحـ ـداث شـ ـرخ بين عشائر المنطقة، ولذلك لا بد على القـ ـوى الأمـ ـنـ ـيـ ـة والعسـ ـكـ ـرية في شمال وشرق سوريا، القيام بخطوة استـ ـبـ ـاقـ ـية للقـ ـضـ ـاء على خـ ـطـ ـر تلك الخـ ـلايـ ـا وقـ ـطـ ـع أيـ ـدي الحكومة السورية في المنطقة.

منذ أن وصل حزب البعث إلى السلطة في ستينيات القرن الماضي، وهو يعمل على خلق الفتن بين المكونات السورية وحتى ضمن أفراد المكون نفسه، ومع بداية الأزمة السورية، زادت مساعي خلق الفتن تلك من أجل البقاء في السلطة.

ومن المعروف أن محافظة الرقة كانت تشكل مركز ثقل لحزب البعث قبل بدء الأزمة في سوريا وقبل أن يكتشف أهلها أن الحكومة باعتهم للفصائل المسلحة وداعش وتركتهم وحيدين يواجهون الموت على أيديهم.

وتشتهر منطقتا الرقة والطبقة بأهميتها الجغرافية والثقافية، حيث تتوسط هاتان المنطقتان، مناطق الجزيرة ودير الزور وحلب وحمص.

وفي الوقت نفسه، يمر طريقان تجاريان مهمان فيهما، هما الطريق الدولي المعروف باسم (M4) وهو الطريق المار من بلدة عين عيسى وهذا الطريق يصل حلب بمعبر اليعربية/تل كوجر على الحدود العراقية، أما الطريق الآخر، فهو الطريق المار من حلب عبر ريف الرقة إلى دير الزور ومنها إلى البوكمال والعراق.

بالإضافة إلى ذلك، يوجد أكبر سد في سوريا بمدينة الطبقة، والمعروف أن هذا السد ينتج الطاقة الكهربائية وهو قادر على توفير الطاقة لنصف سوريا، وفي ذات الوقت فأن سكانها ينحدرون من مختلف القوميات الموجودة في سوريا.

وتتواجد في جغرافية محافظة الرقة، جميع القوى الموجودة حالياً في سوريا، حيث تتواجد تركيا والفصائل المدعومة من قبلها في مدينة تل أبيض/كري سبي وبلدة سلوك، وأيضاً تتواجد قوات الحكومة السورية والداعمين لها مثل القوات الروسية والإيرانية في ريف الرقة، وكذلك تتواجد قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي في الرقة، وفي بعض المناطق يتواجد تنظيم داعش مثل بادية الرصافة.

ونتيجة لهذه الأهمية الاستراتيجية، فأن جميع القوى المعادية لقوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية، تضع المخططات للسيطرة على الرقة، واختارت كل قوة من القوى السابقة مناطق محددة وفق مصالحها لتتمكن من السيطرة عليها مستقبلاً، فمثلاً تركيا وفصائل الجيش الوطني تركز على منطقة عين عيسى وتريد السيطرة عليها من أجل الاستيلاء على الطريق الدولي (M4) وإخراجه من أيدي قوات سوريا الديمقراطية.

وفي ذات الوقت، فإن الحكومة السورية وحلفائها، في خضم حِراك جدي وقد أعدوا استراتيجية واضحة لتلك المنطقة، وقد بدأ العمل بهذه الاستراتيجية منذ فترة طويلة (بدأ التنفيذ نحو سنة عندما فشلت الهجمات لأول مرة على دير الزور) وتستمر في مخططها هذا دون انقطاع، وهي تسير خطوة بخطوة في تطبيق استراتيجيتها هذه.

واتخذت الحكومة السورية من العمل الأمني أساساً لانطلاق مخططها، ولذلك عملت بشكل حثيث على إنشاء شبكة من العملاء والخلايا في المنطقة بالاستفادة من البعثيين السابقين والذين كانوا يستفيدون من هذا الحزب لفرض سطوتهم على الشعب، وتم ذلك من خلال فروعها الأمنية وغرف الواتساب التي تم تأسيسها بشكل خاص من أجل مناطق الرقة والطبقة، ونتيجة لذلك، استطاعت الحكومة السورية زرع العديد من عملائها ضمن مؤسسات الإدارة الذاتية وفي المجتمع.

ومهمة هؤلاء العملاء والخلايا هي جمع المعلومات والإحداثيات عن مواقع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ومعرفة مخططات الإدارة الذاتية، والقيام بأعمال الدعاية لصالح الحكومة السورية ضمن المجتمع والتحريض على الإدارة الذاتية وقسد، إلى جانب استهداف العاملين والمسؤولين في الإدارة الذاتية تحت مسميات مختلفة، والتسبب بفقدان عدد منهم لحياتهم.

وأيضاً بالنسبة لسد الطبقة، فمن المعروف بأن السد بحاجة إلى صيانة وكشف دوري، ولكونه منشأة وطنية تخص جميع السوريين، فان الإدارة الذاتية تسهل وصول طواقم الصيانة المختصة الموجودة في مدينة حلب إلى السد، ولكن الحكومة السورية ترسل ضمن طواقم الصيانة مسؤولين في أفرعها الأمنية إلى هناك، وبعد دخولهم إلى المنطقة يبدؤون بزيارة عملائهم والخلايا التي تم إنشائها في المنطقة دون أن يلقوا أي صعوبة في ذلك، وقد حدث هذا عدة مرات.

وبعد خطوة إنشاء شبكة العملاء والجواسيس ودسها ضمن مؤسسات الإدارة الذاتية، بدأت الحكومة السورية بتعميق الخلافات والصراعات بين القبائل والعشائر العربية بالاستناد إلى العداوات السابقة التي كانت قد أوجدتها بين تلك القبائل والعشائر قبل اندلاع الأزمة في البلاد، إلى جانب الاستفادة من أي حدث صغير يحصل بين العشائر في الوقت الحالي، واستغلال تلك الحوادث الفردية لخلق الفتن بين العشائر والقبائل.

ونتيجة لذلك قامت بافتعال عدة اقتتالات بين العشائر العربية في هذه المنطقة، وسعت إلى خطوة مشابهة لما قامت به في دير الزور من خلق فتنة، إلا أن القوى الأمنية وقوات سوريا الديمقراطية أفشلت مخططات الحكومة السورية تلك عبر إلقاء القبض على مثيري تلك الاضطرابات والفتن.

ومع فشل هذا الأسلوب، لجأت الحكومة السورية إلى اتباع طرق أخرى من خلال العمل على التحريض العنصري، واستخدمت عملائها وخلاياها عبر نشر الشائعات ضمن المجتمع من قبيل أن قوات سوريا الديمقراطية هي قوة كوردية بحتة ولا تمنح أي حقوق للمكون العربي بإدارة مناطقهم، وكذلك عبر الادعاء بأن قوات سوريا الديمقراطية تزرع الفتنة وبأنها تسعى لتقسيم سوريا، وأيضاً عبر الربط بين قسد والموساد الإسرائيلي. وتريد الحكومة السورية عبر هذه الشائعات تحريض المكون العربي ضد قوات قسد، واتخاذ ذلك منطلقاً لزرع الخلاف بينهما واتخاذ ذلك أساساً من أجل خلق صراعات في المنطقة.

ومن خلال هذا التحريض العنصري، تم إقناع بعض وجهاء وشيوخ العشائر للتوجه إلى تسوية أوضاعهم مع قوات الحكومة السورية من أجل سحب أبنائهم من ضمن صفوف قسد ومؤسسات الإدارة الذاتية، وانخدع البعض من الوجهاء والشيوخ بهذه الإشاعات بالفعل ولكن بعد أن سحبوا أبنائهم من صفوف قسد، عملت قوات الحكومة السورية على إرسالهم إلى صفوف مجموعات الدفاع الوطني والمجموعات الأخرى الموالية لإيران، وتم الزج بهم في خطوط الجبهة مع قسد للاستفادة من ذلك أيضاً في حال تعرضهم للقتل.

ولكن عندما رأت الحكومة السورية، أن هذه الخطوة أيضاً ليست كافية، بدأت بتنظيم بعض أفراد العشائر والشخصيات الموجودة ضمن المخيمات، وأرسلت لهم دعوة للمشاركة في اجتماع كبير عقدته في مناطق سيطرتها، والأفراد والشخصيات التي استهدفتها الحكومة السورية بشكل خاص كانوا ينحدرون من عشائر دير الزور.

وركزت الحكومة السورية في نشاطها العسكري على تعزيز جبهات التماس مع مناطق الإدارة الذاتية، وعلى هذا الأساس نشرت العديد من مجموعاتها المسلحة على خطوط التماس، مثل مجموعات الدفاع الوطني، حزب الله اللبناني، المجموعات الأفغانية والفرقة الرابعة. وبعد نشرها بدأت قوات الحكومة بحفر الخنادق ورفع السواتر وربط المناطق ببعضها البعض عبر سلسلة من الأنفاق وبشكل خاص ربطت نقاطها ببعضها البعض من أجل تجهيزها كي تكون جاهزة للاستخدام في المستقبل.

إلى جانب ذلك، عمدت قوات الحكومة السورية على زرع الألغام حول نقاطها وفي مناطق التماس، ووزعت خرائط لانتشار حقول الألغام تلك على نقاطها العسكرية، حتى لا يقع أعضائها والموالون لها فيها بالخطأ، كما عملت على إدخال العديد من الألغام إلى الرقة والطبقة عبر عملائها وخلاياها، إلى جانب الاستفادة من تلك العشائر عبر أفرادها الموزعين على خطوط التماس مع مناطق الإدارة الذاتية، للقيام بعمليات تهريب تلك الألغام إلى مناطق الإدارة مستغلة الحالة العشائرية في المنطقة للتكتم على عمليات التهريب تلك.

ومن الناحية السياسية، تعمل الحكومة السورية على تطوير دور حزب البعث في مدينتي الرقة والطبقة انطلاقاً من مركز حزب البعث في منطقة السبخة الواقعة تحت سيطرة الحكومة، حيث لا يزال هناك أعضاء من حزب البعث في الرقة والطبقة يعملون لصالح الأفرع الأمنية لدى الحكومة السورية ويرسلون تقارير دورية لتلك الفروع وينقلون تعليمات الأفرع الأمنية لأعضاء الحزب أيضاً.

ونتيجة للخطة، والسياسة والاستراتيجية التي تنفذها الحكومة السورية في هاتين المنطقتين، فأنها لا تريد أن تقع في الخطأ ذاته الذي وقعت فيه بمنطقة دير الزور، حيث أنها لم تستطع السيطرة على دير الزور عبر مسلحي العشائر الذين دعمتهم، ولذلك فهي تعمل في الرقة والطبقة وفق مخطط طويل الأمد ومدروس، وتعمل على تطبيقه خطوة بخطوة، ولذا فمن المتوقع عند انتهائها من مخططها هذا، شن هجمات على المنطقة مثلما فعلت في دير الزور، أو أقله إحداث فوضى في هاتين المنطقتين لوضع الأساس لشن هجمات على المنطقة مستقبلاً.

ولكن النقطة الأخطر هي أنه بعد هجمات قوات الحكومة وأعوانها على دير الزور، ستتخذ الحكومة السورية خطوات في منطقتي الرقة والطبقة، لأن هاتين المنطقتين مرتبطتان ببعضهما البعض والعشائر التي تعيش فيهما هي العشائر ذاتها، وتريد الحكومة السورية من خطواتها التي ستتخذها في هاتين المنطقتين إلى تحقيق هدفين، الأول هو تخفيف القتال عن دير الزور عبر إشغال القوات الأمنية والعسكرية في شمال وشرق سوريا بأوضاع منطقتي الرقة والطبقة، إلى جانب دير الزور وبالتالي تشتيت انتباهها، والأمر الآخر هو تحقيق اختراق في المنطقة من خلال التأثير على الرقة ومن ثم إرسال جميع القوات دفعة واحدة إلى دير الزور.

واستناداً إلى الخطوات التي تتخذها الحكومة السورية والتقييمات التي تم إجرائها، فأنه لا بد للقوى الأمنية والعسكرية في شمال وشرق سوريا القيام بحملات أمنية في منطقتي الرقة والطبقة لاستهداف العملاء والخلايا التابعة لقوات الحكومة السورية قبل خلق فتنة في المنطقة وضرب نسيجها وتلاحمها. ومن شأن مثل هذه الحملة القضاء على النشاط الأمني لتلك الخلايا، لأن اعتماد الحكومة السورية الأساسي في الرقة هو على الخلايا والعملاء وبالتالي سيتم قطع أذرعها في المنطقة.

بالإضافة إلى ذلك، يجب زيادة عدد نقاط قوات سوريا الديمقراطية في مناطق التماس مع مناطق سيطرة قوات الحكومة السورية، وعلى القوات المنتشرة هناك إجراء تدريبات عسكرية بشكل دوري لتكون في أعلى مستوى من الجاهزية كي تتصدى لأي هجوم قد تشنه قوات الحكومة السورية وعملائها على المنطقة، إلى جانب القضاء على خطوط التهريب التي تعتمد عليها قوات الحكومة في إرسال الألغام والمخدرات إلى المنطقة.

مشاركة المقال عبر