عبدالله سعيد
تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد المتعلقة بالدعوة إلى لقاء بينه وبين الرئيس التركي في إطار مساعي التطبيع وإعادة العلاقات، والشروط الهشة نوعاً ما التي وضعها الأسد، لم تنهي ولم تزل مخاوف السوريين المرتهنين إلى السياسة التركية.
وعندما نقول السوريين المرتهنين إلى السياسة التركية فإننا نعني بهم أولاً ملايين الناس ممن يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها القوات التركية والفصائل الموالية لها في شمال سوريا وتحديداً في ريفي إدلب وحلب. وأيضاً نعني بهم آلاف اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا والذين يعيشون الآن بين نارين، نار الترحيل القسري ونار الاعتداءات والهجمات العنصرية.
أما الفئة الأخرى التي يسيطر عليها الخوف من عودة العلاقات بين دمشق وأنقرة فتتمثل بالمعارضة السورية بشقيها المسلح والسياسي، فالشق المسلح والمتمثل بالفصائل المسلحة المنضوية في الجيش الوطني السوري والموالية لتركيا، أصبحت كمن “العدو من أمامكم والبحر من ورئكم، فأين المفر”. وكذلك الأمر أيضاً بالنسبة للشق السياسي المتمثل بالائتلاف الوطني ومكوناته والحكومة المؤقتة ومكوناتها.
بالعودة إلى تصريحات الأسد، فهي لم تنهي ولم توقف أو تلغي مساعي التطبيع، بل على العكس فالأسد بدأ جولة من فرض الشروط والأولويات، والتي على رأسها خروج القوات التركية من سوريا، وهي القشة التي ستقصم ظهر المعارضة السورية، خاصة أن هذا الشرط تحديداً ينسجم بشكل كبير مع المطالب الروسية وكذلك الإيرانية.
مؤخراً يجري الحديث بشكل كبير عن مساعي تركية لإعادة تنظيم وتشكيل وترتيب الفصائل المسلحة الموالية لها، إلا أن مساعي إعادة الترتيب تصب على الأغلب في خانة توجيه غالبية الفصائل إلى باصات خضراء نحو حضن الحكومة السورية، خاصة أن السلطات التركية بدأت منذ الآن بتفضيل وترجيح كفة فصائل معينة على حساب أخرى، وتحديداً الإبقاء على الفصائل التركمانية على حساب العربية السنية.
ملايين الناس الذين يعيشون في إدلب وريفها وكذلك في بعض مناطق ريف حلب، ووصولاً إلى مناطق في ريف الحسكة التي تسيطر عليها القوات التركية، يعيشون حالة خوف وترقب مما سيؤول إليه مصيرهم في حال نجحت مساعي التقارب والتطبيع بين دمشق وأنقرة. معظم هؤلاء الناس هو أصلاً ضحايا صفقات سابقة بين تركيا وروسيا والحكومة السورية، وهم من ركاب الباصات الخضراء التي خرجت من الغوطة والفوعة ومناطق أخرى سلمتها تركيا للحكومة مقابل الإبقاء على إدلب والسيطرة على عفرين.
الأمر ينسحب أيضاً على مئات الآلاف من اللاجئين السوريين في تركيا، والذين لطالما كانوا ورقة بيد تركيا ضد دول الاتحاد الأوربي للحصول على تنازلات فيما يتعلق بالمشاريع التركية في سوريا، وكذلك ابتزاز المزيد من الأموال من الاتحاد الأوروبي.
وداخلياً تحول اللاجئون السوريين إلى ورقة تتلاعب بها الحكومة والمعارضة في الانتخابات، الأمر الذي أدى إلى تصاعد الميول العنصرية والمعادية للسوريين في تركيا. وحالياً تنفذ تركيا سياسة الترحيل القسري للاجئين رغم أن العديد من التقارير تؤكد عدم وجود ظروف مهيأة في سوريا لعودة اللاجئين.
في البداية بدا أن المرحلين قسراً سيكونون بأمان طالما لا يتم ترحيلهم إلى مناطق سيطرة الحكومة، بل إلى مناطق تسيطر عليها المعارضة “الثورية” (بين قوسين)، إلا أنباء مؤسفة ويومية تتوارد عن اعتقال فصائل موالية لتركيا لسوريين مرحلين قسراً إلى مناطق المعارضة، والاعتداء عليهم وابتزازهم ونهب أموالهم ومطالبة ذويهم بالفدية مقابل إطلاق سراحهم.
التمهيد لمرحلة ما بعد التطبيع بين أنقرة ودمشق جارية على قدم وساق، ويبدو أن أولى ضحايا هذا التمهيد سيكون المعارضة المسلحة أولاً. وطبعاً تركيا سبق وأن أحرقت سفن المعارضة، ولم يبقي لها سوى خيارين “العدو من أمامكم والبحر من ورائكم”، ويبدو أن الخيار الوحيد الذي سيكون متاحاً أمها هو العودة إلى حضن “الوطن”، أي حضن حكومة دمشق.
المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع