أحمد عبد الرحمن
لطالما حفلت كتب التاريخ وكذلك المناهج الدراسية في البلدان العربية، وبشكل خاص في مصر وبلاد الشام ومعظم الدول العربية تقريباً، بأبحاث ودروس وعبر عن المآسي التي ألحقها العثمانيون أجداد الأتراك بالشعوب العربية على مدى 4 قرون من الاحتلال بدأت في القرن السادس عشر ولم تنتهي حتى الآن.
يدعي المؤرخون القوميون الأتراك أن العثمانيون فتحوا البلاد العربية ودخلوها لحمايتها من الحروب الصليبية أنذاك، فيما يؤكد المؤرخون العرب أن العثمانيون كانوا مسلمين واجتاحوا دول إسلامية بغية الاحتلال.
وتحفل كتب التاريخ بآلاف الأمثلة على سياسات الإبادة والتنكيل التي مارسها العثمانيون بحق الشعوب العربية في البلدان التي احتلوها وارتكب العثمانيون فظائع إنسانية، فقد قتلوا الآلاف من العرب في مذابح جماعية، وعلقوا جثث قاداتهم في الشوارع، ونهبوا المنازل والمتاجر، ومثّلوا بجثث القتلى.
والأهم من كل ذلك فقد العرب عشرات آلاف الضحايا من المجندّين فى جيش الأتراك، وعانوا من مجاعة الشام العام 1915 التى حصدت أرواح نصف مليون عربي. وهذا الأمر يشبه إلى حد كبير ما يحدث اليوم حين تستخدم تركيا العرب السوريين بشكل خاص كمرتزقة في حروبها الخارجية.
لا يقتصر الأمر على المجازر والقتل والتنكيل، بل أن العثمانيون تركوا البلاد العربية عرضة للفقر من خلال استنزاف مواردها وفرض الضرائب على شعوبها، بالإضافة إلى نقل كل الحرفيين والصناع والصناعات إلى العاصمة استانا، ولم يتركوا البلاد العربية إلى بعد أن سلموها لدول الاستعمار مثل فرنسا وبريطانيا.
قائمة السياسات التركية المعادية للعرب تطول جداً، إلا هذه السياسات استمرت في عهد الدولة التركية، ولطالما كانت العلاقات التركية مع الدول العربية قائمة على الاستغلال وعلى مبدأ الوصاية، ولم تنسى يوماً أطماعها في إعادة احتلال تلك البلدان، كما يحصل اليوم في تدخلها في سوريا وليبيا والعراق وغيرها من البلدان العربية.
يبدو أن التاريخ يعيد نفسه بطريقة ما فيما يتعلق بالسياسات التركية حيال الدول العربية، ومن ينظر إلى حملات التجنيد التي تقودها تركيا بين السوريين وإرسالهم إلى العديد من المناطق للقتال لصالح السياسات التركية يتذكر حملات السفربرلك التي قادتها تركيا حيث أجبرت الآلاف من العرب وباقي شعوب المنطقة للالتحاق بالجيش التركي والقتال لصالحه ما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من المجندين.
التدخل التركي في سوريا بعد أحداث عام 2011 يشبه إلى حد كبير دخول العثمانيين إلى الدول العربية بحجة حمايتها، وتحت ستار الدين الإسلامي.
لم تتوانى تركيا في نهب وسلب سوريا، ونقل الآلاف من الحرفيين والصناعيين، بل حتى المعامل والمصانع من حلب إلى داخل الأراضي التركية وحرمان السوريين إمكانية مواصلة نشاطهم الاقتصادي داخل البلد. كما قامت بتسليح المجموعات المسلحة في مختلف مناطق سوريا لتعزيز نفوذها ومن ثم المقايضة بهم مقابل صفقات سياسية لصالح تركيا، كما فعلت حين سلمت مناطق نفوذ المعارضة المسلحة إلى الحكومة السورية مقابل صفقات معينة، وكما يحدث اليوم أيضاً حيث تفوح رائحة صفقات مشابهة.
كل الدلائل تشير إلى تركيا قد توصلت إلى صيغة اتفاق معينة مع الحكومة السورية ومع روسيا، وأن هذه الصفقة ستكون مقابل إعادة مقايضة وبيع المجموعات والفصائل المسلحة إلى الحكومة وروسيا. أما ما تبقى منهم فمصيرهم كما هو واضح حملات تجنيد وسفربرلك جديدة إلى أقاصي الأرض للقتال نيابة عن تركيا.
المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع