اليوم عاد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره السعودي فيصل بن فرحان في إسطنبول، للحديث عن المصالحة مع الحكومة السورية، وقال: “ننتظر من حلفائنا في روسيا وإيران لعب دورهم وممارسة الضغط على دمشق”.
وكشف في تصريحاته بأنهم يقفون ضد كل التنظيمات الإرهابية في الأراضي السورية، وأن ملف محاربتها ستكون على طاولة المباحثات، كما كشف أن المعارضة هي أطراف سورية ومن الطبيعي أن يجلسوا إلى طاولة واحدة مع السلطة.
تصريحات فيدان هذه فيها الكثير من الرسائل لمن يفهم كواليس السياسة وكذلك السياسة البراغماتية التي يتبعها أردوغان، فالحديث عن جميع الجماعات الإرهابية في سوريا وفق منظور من، منظور تركيا أم دمشق وحلفائها الروس والإيرانيين. فوفق المنظور التركي فأن الكورد وقوات سوريا الديمقراطية هي إرهابية، ولكن وفق منظور دمشق وموسكو وإيران فإن كل المجموعات التي تدعمها أنقرة إرهابية ولابد من القضاء عليها.
والحال هذه، فأن تركيا مجبرة على التخلي عن الكثير من هذه المجموعات المنضوية في صفوف الجيش الوطني وكذلك هيئة تحرير الشام والحزب الإسلامي التركستاني وغيرها، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه من هي المجموعات التي ستتخلى عنهم تركيا ما دامت تقول إن المعارضة سوريون ومن الطبيعي أن يجلسوا إلى طاولة واحدة مع دمشق؟
من المعروف في هذا السياق، إنه عندما بدأت الأزمة السورية، شكلت تركيا العديد من الفصائل المسلحة وأطلقت عليها أسماء السلاطين العثمانيين، وعينت التركمان في قيادتها، ومع مرور السنوات زاد الدعم لهذه المجموعات ومع حصر جميع المجموعات المعارضة في الشمال السوري استمرت تركيا في تفضيل المجموعات التركمانية ودعمها وجعل البقية تابعين لها.
وتركيا خلال اجتماعات التطبيع لن تضحي بالتركمان لأنهم ورقتها الرابحة الذين ستعتمد عليهم مستقبلاً للتدخل في الشأن السوري، تماماً مثلما تفعل مع الجبهة التركمانية في كركوك، فهي ما تزال تدعم الجبهة التركمانية وتقدم لها السلاح وتستضيف قادتها ويشارك قادتها في اجتماع الدول الناطقة باللغة التركية، إذن، من هم الذين ستتخلى عنهم أنقرة؟
الجواب سهل جداً، الفصائل والعناصر العربية السنية هم سيكونون القربان والضحية، وستضحي بهم تركيا على طريق التطبيع من أجل الحفاظ على مكاسب للتركمان وضمان مقعد لهم في الحكومة السورية المقبلة، ويبدوا أن العديد من عناصر الجيش الوطني من العرب السنة أدركوا هذه الحقيقة ولذلك فهم قادوا التظاهرات التي خرجت ضد تركيا في مطلع شهر تموز الجاري، ولذلك حاولت تركيا التخلص منهم مباشرة عبر استهدافهم بشكل مباشر في كل من عفرين والباب وجرابلس، وقتلت عدداً منهم.
ورغم مرور أكثر من أسبوعين على بدء دعوات الرئيس التركي للتصالح مع نظيره السوري بشار الأسد، ما زال سكان المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا في شمال غربي سوريا، يعبرون عن رفضهم لهذه الخطوة باحتجاجات واعتصامات يومية في مدن مركزية ضمن منطقتي إدلب وريف حلب الشمالي.
المحتجّون ينددون بالتصريحات التركية ويؤكدون رفضهم للمصالحة المحتملة، إضافة إلى تعبيرهم عن غضبهم من المؤسسات السياسية والعسكرية التابعة لتركيا، وهذا ما يؤكد أن العرب السنة باتوا مدركين أن التركمان يعملون لصالح تركيا وليس صالح سوريا والسوريين، خصوصاً أن تلك المجموعات التي يقودها التركمان، شنت حملة اعتقالات بحق من قادوا الاحتجاجات في عموم المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا واعتقلوا خلالها العشرات من عناصر الفصائل العربية السنية والمدنيين على حد سواء لمنع خروج الأمور عن السيطرة.
وهذا العداء للعرب السنة يظهر أيضاً في الداخل التركي من خلال الحملات العنصرية التي يتعرض لها اللاجئون هناك، فتركيا استخدمت اللاجئين السوريين كورقة ابتزاز بوجه الغرب على مدار سنوات وهددت بهم أوروبا من أجل دعم مشاريعها في سوريا، وبعدما انتهت منهم، بدأت بمداهمة منازلهم وأماكن عملهم ونقلهم بشكل جماعي إلى مراكز احتجاز وتعمل على ترحيلهم قسراً بعد تهديدهم بالقتل في حال فكروا بالعودة، وتعمل الآن على تطبيع العلاقات مع دمشق من أجل إعادة ما تبقى منهم وتسليمهم للأجهزة الأمنية لقوات الحكومة لينكلوا بهم كيفما تشاء.
ومع ظهور الأصوات الرافضة للتطبيع مع دمشق، بدأت تركيا تروج لفتح أبواب الهجرة مجدداً أمام السوريين، فهي ما تزال رغم ذلك تستخدمهم كورقة تهديد بوجه أوروبا وأمريكا من أجل قبول مخططاتها ومشاريعها في سوريا.
ولحماية اللاجئين السوريين ومنع تركيا من استغلالهم مرة أخرى، أكدت الإدارة الذاتية الديمقراطية أن أبوابها مفتوحة أمام اللاجئين السوريين، وهذا الموقف ليس غريباً عن الإدارة الذاتية، فخلال تعرض اللاجئين السوريين للهجمات العنصرية في لبنان أعلنت الإدارة الذاتية أن أبوابها مفتوحة أمام اللاجئين واستقبلت بالفعل عدداً منهم.
إن الإدارة الذاتية تنطلق من موقف وطني، فالواجب يحتم عليها استقبال اللاجئين السوريين لمنع استغلالهم وسحب هذه الورقة من أيدي النظام التركي الذي استخدم اللاجئين السوريين ذريعة لشن الهجمات على الشمال السوري والسيطرة على عدد من مدنها بحجة إعادة اللاجئين ولكن ما حصل في تلك المناطق كان قيام تركيا وبدعم قطري وجمعيات إخوانية مصرية وفلسطينية وكويتية ببناء مستوطنات وتوطين عوائل العناصر الموالية له فيها من أجل تغيير ديمغرافية تلك المناطق تمهيداً لفصلها عن الأراضي السورية.