سامر حسين
بينما يعيش أكثر من نص سكان سوريا خارج البلاد معظمهم في مخيمات اللجوء، وبينما فقدت الحكومة السورية السيطرة على أكثر من نصف مساحة البلاد، ووسط تردي فظيع في الأوضاع الأمنية والمعيشية للسكان في مناطق سيطرة الحكومة، تمضي الحكومة السورية في إجراء انتخابات مجلس الشعب منتصف تموز الجاري.
بغض النظر عن كل ما آلات إليه الأوضاع في البلاد خلال أكثر من عقد من عمر الأزمة السورية فإن الحياة البرلمانية ي سوريا فقدت أية قيمة سياسية وتشريعية من أكثر من ستة عقود من حكم الحزب الواحد في سوريا.
تعتبر الانتخابات التشريعية المقبلة هي الرابعة منذ بدء الأزمة السورية عام 2011، حيث شهدت سوريا انتخابات تشريعية في عام 2012 ، وانتخابات مماثلة في عام 2016 شهدت تعديلات في قانون الانتخابات سُمح بموجبها لعناصر القوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي بالتصويت، وانتخابات أخرى جرت عام 2020. وأشارت تقديرات إلى أن نسبة 10% فقط من الناخبين أدلوا بأصواتهم في انتخابات عام 2020 فيما ذكرت تقديرات الحكومة إلى نسبة 33%. وأياً كانت النسبة فإن ثلاث دورات تشريعية أفقدت ثقة الناس بأي دور لمجلس الشعب في إصدار تشريعات من شأنها تحسين أوضاع البلاد، وذهب العديد إلى تسميته بمجلس الخدمات، وآخرون بـ “مجلس التصفيق”، فيما يصفها العديد بالانتخابات الحالية بـ “المسرحية السياسية الجوفاء”.
من الواضع جداً انتفاء ظروف وعوامل إجراء انتخابات نزيهة وشاملة تعبر عن لسان حال السوريين في ظل فقدان الحكومة السورية السيطرة على أكثر من نصف مساحة البلاد. فمناطق شمال وشرق سوريا لن تشهد أي مشاركة في الانتخابات، وكذلك شطر كبير من ريف حلب وحماه بالإضافة إلى محافظة إدلب خارج سيطرة الحكومة، يضاف إليها محافظة السويداء التي تشهد احتجاجات متواصلة، ومثلها أيضاً ريف درعا. وعليه إن مناطق محددة في دمشق والساحل وجيوب أخرى قد تكون مسرحاً لوضع صناديق الاقتراع الأمر الذي فقد هذه الانتخابات أي شرعية لجهة أنها لا تمثل رأي غالبية السوريين.
وعلى الرغم من أن الحكومة ألغت في دستور عام 2012 المادة الثامنة التي تنص على أن حزب البعث هو “القائد للدولة والمجتمع”، في الدستور السابق الذي وُضع في سبعينيات القرن الماضي، إلا أن هذا الحزب هيمن على غالبية مقاعد المجلس البالغة 250 مقعداً في الدورات الثلاث الماضية، بالإضافة إلى قادة المليشيات والتجار التابعين للحكومة.
إلا أن الحكومة مصرة على إجراء الانتخابات “الباطلة” في مسعى إلى تعويم أزمتها وإضفاء المزيد من الشرعية على سلطتها والالتفاف على الاستحقاقات والقرارات الدولية الخاصة بحل الأزمة السورية. وطبعاً لا تتوانى السلطات عن استخدام أساليب الترهيب والتهديد والابتزاز لإجبار الناخبين على التوجه إلى صناديق الاقتراع، سواء بالتهديد الأمني أو الحرمان من بعض الدعم الذي تقدمة الحكومة لعدد من احتياجات الحياة الأساسية، مثل المواد التموينية والوقود وغيرها.
إلا أن نفس السلطات عارضت قبل أشهر إجراء انتخابات بلدية محلية في مناطق الإدارة الذاتية شمال وشرق سوريا، رغم أن الانتخابات البلدية كانت تستهدف تنظيم عمل البلديات لتحسين الوضع الخدمي لسكان المنطقة. علماً أنه وبحسب العديد من المراقبين فإن الظروف مهيأة ومتاحة لإجراء مثل هذه الانتخابات، فالمناطق التي تستهدفها الانتخابات هي مناطق جغرافية متصلة، كما أنها متناسقة إدارياً وفق توزيع إداري تحت سقف الإدارة الذاتية، بالإضافة إلى استتباب الأمن والاستقرار فيها ووجود الآلاف من عناصر قوى الأمن الداخلي المنضبطة للإشراف على الأوضاع الأمنية. طبعاً لا يخفى أيضاً الأوضاع المعيشة المستقرة نوعاً ما والاختلاف الكبير بين مستوى دخل الفرد وكذلك رواتب العمال والموظفين بين مناطق الإدارة ومناطق الحكومة.
وبكل الأحوال يبدو أن الحكومة السورية ماضية في إجراء الانتخابات وتشكيل مجلس شعب شكلي تتحكم في قراراته السلطات العسكرية والأمنية، إلا أنها ستبقى في نظر السوريين انتخابات “باطلة”.
المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع