أثار اللقاء الذي جمع قبل أيام زعيم هيئة تحرير الشام أبومحمد الجولاني مع قيادات جهادية كردية ضمن فصيل “أنصار الإسلام”، تساؤلات عديدة حول ما إذا كان الأمر يتعلق بترتيبات جديدة مقبلة عليها الهيئة ورعاتها الإقليميين، في علاقة بتوجه للتمدد شمال البلاد وتحديدا في المناطق ذات الغالبية الكردية.
وحرصت هيئة تحرير الشام التي تقودها جبهة فتح الشام (النصرة سابقا قبل إعلان فك الارتباط التنظيمي بالقاعدة)، على نشر صور لهذا اللقاء الذي جرى في أحد مساجد مدينة إدلب عبر حسابات تلغرام مقربة منها، مرفقة بتعليق “ظهور جديد للجولاني خلال اجتماعه مع قادة الأكراد المجاهدين في المحرر”.
وجاء اللقاء بعد أسابيع قليلة من حملة اعتقالات شنتها هيئة تحرير الشام التي تسيطر على أكثر من نصف محافظة إدلب وأرياف في حلب، واستهدفت قيادات من أنصار الإسلام، فيما بدا محاولة للضغط على هذا الفصيل المتشدد للانضمام إليها.
وعلق أبومحمود الفلسطيني، أحد منظري هيئة تحرير الشام، عن اللقاء بقوله “الشيخ الجولاني همة ونشاط عظيمين، هذه الزيارات توطد العلاقة وتفتح القلوب وتساعد على العمل المشترك واستيعاب الجميع.. لتصفير المشاكل والسعي الجدي والحقيقي للعمل المشترك وضبط الساحة”.
وترافق اللقاء مع استئناف محاولات إعادة تدوير هيئة تحرير الشام وزعيمها أبومحمد الجولاني، من خلال حملة إعلامية تقودها أطراف مقربة من محور تركيا. ويرى متابعون للشأن السوري أن اللقاء لا يمكن أن يجري بعيدا عن جهاز المخابرات التركية الذي يتحكم خلف الستار بالهيئة.
ويشير المتابعون إلى أن تركيا تسعى على ما يبدو لإعادة ترتيب الأمور في الشمال السوري من خلال المزيد من تمكين هيئة تحرير الشام في المنطقة، استعدادا لمرحلة مقبلة ستكون صعبة لاسيما على ضوء التوتر المكتوم بينها وبين روسيا، والذي لا يبدو أن هناك أفقا لاحتوائه في ظل غضب روسي من توجهات الرئيس رجب طيب أردوغان ومحاولاته تقديم خدمات لنيل رضا إدارة جو بايدن على حساب مصالح موسكو.
وقامت القوات الحكومية السورية مؤخرا بدعم من سلاح الجو الروسي بقصف أهداف لهيئة تحرير الشام، في أخطر تصعيد بين الطرفين منذ اتفاق الهدنة الذي جرى التوصل إليه بين موسكو وأنقرة في إدلب في فبراير من العام الماضي.
في المقابل يرى محللون أن عملية استيعاب الهيئة لتنظيمات وفصائل صغيرة ولاسيما قيادات كردية جهادية ينطوي على دلالات تتجاوز محافظة إدلب، وأنّ هناك توجها إلى تقوية تلك القيادات الكردية تمهيدا لمشروع التمدد شمالا وخاصة في مناطق السيطرة الكردية.
ويشير المحللون إلى أن أنقرة يبدو أنها قررت تغيير استراتيجيتها فيما تعتبره الخطر الوجودي الذي يهدد أمنها المتمثل في وحدات حماية الشعب الكردية وذراعها السياسية الاتحاد الديمقراطي.
ويقول هؤلاء إن تركيا لم تعد تراهن على العمل العسكري المباشر، حيث إن الأمر قد يقود إلى مواجهة مع إدارة بايدن لا ترغب بها، لاسيما وأن الأخيرة أبدت حرصا على زيادة دعم الوحدات من خلال قوات سوريا الديمقراطية التي تشكل عمودها الفقري، وتذهب الإدارة الأميركية حد الإشارة إلى نيتها دعم تعزيز الإدارة الذاتية القائمة.
ويوضح المحللون أن تركيا بدأت تتجه إلى العمل على ضرب المشروع الكردي من خلال محاصرته من جانب إقليم كردستان العراق، الذي أقدم مؤخرا على غلق المعابر مع مناطق السيطرة الكردية في سوريا بذريعة تعرض عناصر له للاستهداف من الداخل السوري.
ومعلوم أن إقليم كردستان على علاقة متوترة جدا مع وحدات حماية الشعب، التي ينظر إليها على أنها في خندق غريمه التاريخي حزب العمال الكردستاني.
وهذا الأمر تعمل تركيا على الاستفادة منه قدر الإمكان، لخنق الوحدات والإدارة الذاتية التي نشأت في العام 2013، وعلى الجهة المقابلة تسعى تركيا لاستيعاب الجهاديين الأكراد من خلال ضم فصيل “أنصار الإسلام” إلى الهيئة، وهي بذلك تصطاد عصفورين بحجر واحدة من خلال كسر الصورة التي طبعت الأكراد من خلال دورهم في محاربة الإرهاب، وهو ما يظهر في عرض صور للقاء قيادات كردية بالجولاني، والهدف الأهم هو محاولة التمدد شمالا وهذه المرة من خلال الرهان على وجود العنصر الكردي.
ويتشكل تنظيم “أنصار الإسلام” بشكل أساسي من عناصر كردية إيرانية وأيضا من أكراد عراقيين وسوريين، وبرز الفصيل في العام 2014، أي مع تشكل قوات سوريا الديمقراطية، وينتشر بشكل كبير في ريف اللاذقية الشمالي والمناطق الملاصقة للقطاع في ريف جسر الشغور جنوب غربي إدلب.
وانضم الفصيل في منتصف العام 2020 إلى غرفة عمليات “فاثبتوا” التي تزعمها في ذلك الوقت، المنشق عن “تحرير الشام” أبومالك التلي، قبل أن يعلن الفصيل لاحقا الانسحاب من الغرفة خشية تعرضه لردود أفعال انتقامية من الهيئة.
وفيما بدا محاولة من هيئة تحرير الشام لزيادة الضغط على “أنصار الإسلام” عمدت مؤخرا إلى شن حملة اعتقالات في صفوف قياداته ومن ضمنهم مغيرة الكردي وأبوشهاب الكردي وأبوعمار الكردي وعبدالمتين الكردي وأبوعلي القلموني وأبوعبدالرحمن الشامي، ليأتي اللقاء كتتويج لهذه الضغوط.
صحيفة العرب اللندنية