مؤخراً بدأت إيران تتعـ ـرض لضـ ـغوط كبيرة داخـ ـل الأراضي السورية، عبر استـ ـهـ ـدافـ ـها جـ ـواً من قبل إسرائيل، وعلى الأرض من قبل المجمـ ـوعات التي شكـ ـلتها الحكومة السورية بتـ ـعاون وتخـ ـطيط من روسيا التي تربطها عـ ـلاقـ ـات وثيقة مع تركيا، فضلاً عن الضغـ ـوط التركية السـ ـاعية لمسـ ـاعدة إسرائيل في إخـ ـراج إيران من الأراضي السورية.
منذ أن دخلت سوريا منذ مطلع العام 2011 في أزمة كبيرة، تدخلت إيران مباشرة لدعم الحكومة السورية ضد معارضيها، فالتواجد الإيراني في سوريا كان يعود لأعوام الثمانينيات من القرن الماضي، وازداد التأثير الإيراني بعد وصول بشار الأسد إلى سدة الحكم عام 2000، حيث كانت إيران تعمل بشكل خفي على نشر التشيّع في سوريا وخصوصاً في المناطق الحدودية مع العراق وكذلك مع تركيا وأيضاً مع لبنان والأردن، وذلك من أجل استكمال مخططها في الهلال الشيعي الواصل من إيران عبر العراق وسوريا إلى لبنان والأردن.
ومع تحول الثورة السورية إلى حرب طاحنة بين الحكومة السورية والساعين إلى الوصول للسلطة بدلاً عنها والذين كانوا يتلقون الدعم بشكل خاص من تركيا وقطر (جماعات الإسلام السياسي)، تدخلت إيران عسكرياً إلى جانب الحكومة السورية وأرسلت الشيعة من إيران والعراق وأفغانستان للقتال إلى جانب قوات الحكومة، وضخت الأموال من أجل منع تهاوي العملة السورية وهذا ما أدى لتراكم الديون الإيرانية على الحكومة السورية.
ومنذ اندلاع الأزمة السورية لم يتم التوافق على حل مستدام للخروج منها بعد 15 عاماً. وانعقدت بهذا الصدد مفاوضات جنيف 1 و2 واجتماعات أصدقاء سوريا في فيينا انتهت إلى إصدار قرار ٢٢٥٤ في مجلس الأمن الدولي، وبالمقابل، انعقدت منذ بداية عام 2017 جولات استانا بين إيران وروسيا وتركيا وهي الأطراف المتدخلة مباشرة في الأزمة السورية، ولكنها لم تأتي هي الأخرى بحل رغم أنها أطلقت ما تسمى لجنة الدستور في سوريا عام 2019 والتي لم تحقق أي تغيير ولم يتفق وفدا الحكومة السورية والأطراف الموالية لتركيا لأي اتفاق حول أي موضوع.
وبعد أن استعادت قوات الحكومة السورية السيطرة على درعا منتصف عام 2018، سارعت المجموعات الموالية لإيران للتموضع في الجنوب السوري، ولكن بعد الاجتماع الثلاثي بين مستشاري الأمن القومي لدى كل من إسرائيل والولايات المتحدة وروسيا يوم (24 يونيو/ حزيران 2019) في القدس، اتفقت الأطراف الثلاثة ضد إيران وإبعادها عن الجنوب السوري (حدود إسرائيل)، ولذلك شكلت روسيا مجموعات موالية لها وأبعدت إيران عن الحدود الإسرائيلية مسافة أكثر من 80 كم.
ومع بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في 24 شباط 2022، انخفض التركيز العسكري الروسي على التطورات الميدانية في سوريا كما انخفض الدعم الروسي للحكومة السورية فيما يتعلق بتوفير المستلزمات الاقتصادية بخاصة القمح والحبوب. وحاولت إيران الاستفادة من هذه الأوضاع لوضع يدها على سوريا والانفراد بالكعكة السورية، ولذلك انتشرت قواتها في المناطق التي انسحبت منها القوات الروسية التي تم سحبها للمشاركة في الحرب الأوكرانية، وبذلك باتت إيران تزاحم روسيا في السيطرة على حقول النفط والغاز، إلى جانب حقول الفوسفات وميناء اللاذقية إلى جانب أراضي قرب ميناء طرطوس.
التبادل التجاري بين إيران والحكومة السورية ينخفض عاماً بعد عام
وفي تقرير لها تحت عنوان “العلاقات السورية الإيرانية.. أبعادها الإستراتيجية”، قالت وكالة أنباء “إرنا” الإيرانية الرسمية، أن طهران استثمرت في 4 مشاريع اقتصادية بسوريا منذ 1991 إلى 2005، بتكلفة بلغت أكثر من 5 مليارات ليرة سورية (ما يعادل مليارا و990 مليون دولار).
وخلال الفترة الممتدة بين عامي 2006 و2010، استثمرت إيران في 7 مشاريع بتكلفة استثمارية بلغت أكثر من 20 مليار ليرة سورية (ما يعادل 7 مليارات و960 مليون دولار)، كما أعلن مسؤولو الدولتين عام 2006 عن خطط لتوسيع مشاريع إيرانية في سوريا بقيمة 10 مليارات دولار على مدى السنوات الست التالية.
ووفقاً لتقرير وكالة أنباء “إرنا” الرسمية، فإنه “بعد اندلاع الأزمة في سورية وقعت طهران ودمشق عام 2019، 11 اتفاقية تعاون في المجالات الاقتصادية والعلمية والثقافية والاستثمار والإسكان”، لكن دون الإشارة إلى حجم الاستثمارات في الوقت الراهن، ولا سيما الاستثمارات السورية في إيران.
والملفت للانتباه، أنه بلغت صادرات إيران إلى سوريا عام 2022، نحو 244 مليون دولار، بحسب مدير عام غرب آسيا لمنظمة تنمية التجارة الإيرانية، عبدالأمير ربيهاوي.
وأشار أن صادرات طهران إلى دمشق انخفضت بنسبة 50 بالمائة رغم تصريحات المسؤولين الإيرانيين بشأن عودة الأموال التي أنفقتها إيران في سوريا، خلال السنوات الماضية، وقال ربيهاوي، إن الصادرات إلى دمشق انخفضت إلى 120 مليون دولار عام 2023، معتبراً أن “هذه ليست إحصائية بمستوى التعاون الاقتصادي بين البلدين”.
فيما اعتبر رئيس مكتب سوريا في وزارة الخارجية الإيرانية، شاه حسيني، إن هذا “رقم منخفض”، وطالب التجار الإيرانيين بإيجاد طريقة للتعاون مع دمشق بأنفسهم في ظل تأكيد التقارير والوثائق المنشورة، بأنه لم يتم تنفيذ معظم الاتفاقيات الاقتصادية بين الطرفين.
وسبق أن قال يحيى رحيم صفوي، المساعد الخاص للمرشد الإيراني للشؤون العسكرية، في فبراير (شباط) 2017، إن على إيران إعادة” النفقات التي أنفقتها في سوريا من خلال “النفط والغاز ومناجم الفوسفات” التابعة لدمشق.
وأشارت وكالة “مهر” للأنباء، في تقرير لها، نُشر في ديسمبر (كانون الأول) 2020، إلى الاتفاقيات المبرمة بين طهران ودمشق عام 2019 وأكدت أنه “حتى الآن، لم تتخذ أي من الاتفاقات المهمة بين السلطات السياسية لدى الطرفين جانبًا اقتصاديًا”.
وبحسب وثيقة سرية تم تسريبها من الرئاسة الإيرانية في مايو (أيار) من العام الماضي، والتي نشرتها جماعة “انتفاضة حتى إسقاط النظام”، المقربة من منظمة “مجاهدي خلق” الإيرانية، فقد التزمت الحكومة السورية بسداد نحو 18 مليار دولار فقط، من أصل 50 مليار دولار أنفقتها إيران في دعم الحكومة السورية خلال الحرب، وذلك ليس على شكل أموال نقدية، بل بمشاريع وخطط غير مجدية فنيًا واقتصاديًا، وليس لها ضمانات للتنفيذ.
قيادات دمشق ضالعة في الاستهدافات الإسرائيلية للضباط الإيرانيين
ومع تصاعد الضربات الإسرائيلية على القوات الإيرانية في سوريا والتي كانت تزور دمشق سراً، تصاعد الشك لدى لإيران بضلوع القيادات الأمنية في دمشق في إيصال معلومات عن تواجدهم لإسرائيل عن طريق روسيا، ويبدو أن شكوك إيران هي في محلها، إذ بدأت إيران مؤخراً باستقطاب عناصر غير سوريين وأبعدت السوريين عن المجموعات التابعة لها بعد أن اكتشفت أن الحكومة السورية تستخدم هؤلاء لمراقبة تحركات ضباطها والمجموعات الموالية لها.
وتحرك دمشق ضد إيران جاء بضغط وتعاون روسي، إذ تؤكد روسيا أنها تحقق الانتصارات في أوكرانيا، أما إيران فكانت عاجزة عن الدفاع عن كبار ضباطها في سوريا وكذلك كانت عاجزة عن رد مناسب على استهداف قنصليتها في دمشق، واستغلت روسيا رفض الإيرانيين طلب شراء الحكومة السورية لـ 4 آلاف برميل نفط من حقل الورد في البوكمال لتعويض النقص في المحروقات في مناطق سيطرتها وقيام إيران بمنح النفط لمجموعات الحشد الشعبي العراقي المتعاونة معها في سوريا للاستفادة منها وبيعها في السوق السوداء بأسعار عالية.
تشكيل جبهة معارضة لإيران في سوريا
وفي هذا السياق، تقول مصادر مطلعة أن الحكومة السورية وعبر تعاونها مع روسيا استطاعت صنع معارضة داخلية في مناطقها ضد التواجد الإيراني، مستغلة استهداف إسرائيل للأبنية السكنية التي تتواجد فيها القيادات الإيرانية والأضرار التي تلحق بالمواطنين، وبذلك باتت قيادات الصف الأول في الأجهزة الأمنية لدى الحكومة السورية تتأثر بالشارع الرافض للوجود الإيراني.
ومع عجز الحكومة عن إيفاء ديون إيران وتشكل جبهة معارضة داخلية، عمدت قوات الحكومة إلى تشكيل تنظيمات على الأرض لضربهم وبالتالي من أجل الضغط عليهم للانسحاب من سوريا، وما التفجير الأخير الذي وقع في المربع الأمني بمدينة الحسكة والذي استهدف شخصاً يدعى أبو حيدر الموالي لإيران إلا دليلاً على ذلك.
ولفتت المصادر، أن الحكومة السورية، شكلت مجموعة مسلحة تدعى “وحدة المهام الخاصة”، مهمتها الأساسية متابعة تحركات الإيرانيين وحزب الله اللبناني واستهدافهم باسم المعارضة السورية للتهرب من المسؤولية.
وتحاول شخصيات موالية للحكومة السورية ومقربة من روسيا الترويج لروسيا عبر انتقاد إيران بشكل مباشر مثل المدعو بشار برهوم ومطالبته علناً بطرد الإيرانيين من سوريا.
روسيا تسعى لجمع دمشق وأنقرة معاً والتخلص من إيران
وتحاول روسيا جمع الحكومة السورية مع تركيا على أرضية العداء المشترك لمناطق شمال وشرق سوريا والإدارة الذاتية، حيث يعمل الطرفان معاً وبتعاون روسي على خلق الفتن بين مكونات شمال وشرق سوريا، كما أنشأت روسيا مراكز أمنية وعسكرية للتنسيق بين الحكومة السورية وتركيا في عدد من المناطق السورية، لتقليل اعتماد دمشق على المجموعات الموالية لإيران في استهداف مناطق شمال وشرق سوريا.