خـ ـرج المتحدث الرسمي باسم تـ ـنـ ـظـ ـيـ ـم د.ا.عـ ـش، “أبـ ـو حـ ـذيـ ـفـ ـة الأنـ ـصـ ـار.ي” في 4 كانون الثاني/ يناير 2024 بكـ ـلمة صـ ـوتية جديدة، استغرقت 33 دقيقة، في ثاني رسالة يصـ ـدرها الأنـ ـصـ ـار.ي منذ تـ ـولـ ـيه المنـ ـصب في آب/أغسطس 2023، في أعـ ـقـ ـاب مقـ ـتـ ـل ز.عـ ـيـ ـم د.ا.عـ ـش الرابع أبـ ـي الحسـ ـين الحسـ ـيني القـ ـرشـ ـي كشـ ـف خلالها اسـ ـتراتـ ـيجـ ـية د.ا.عـ ـش الجديدة.
تزامنت الرسالة مع تنامي نشاط التنظيم العملياتي مرة أخرى بشكل ملحوظ خلال الأشهر الثلاثة الماضية، في أغلب دول الارتكاز للتنظيم، وذلك بالتوازي مع استمرار الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة.
إذ اعتبرت هذه الرسالة محاولة لإحياء التنظيم ورفع مستوى عملياته الإرهابية، حيث جاءت كلمة المتحدث باسم التنظيم لتعلن عن بداية جديدة محتملة لاتساع نطاق عملياته الإرهابية خلال المرحلة المقبلة، مع التأكيد على استمرار التنظيم في تنفيذ قاعدة “أولويات الاستهداف” المرتبطة بما يطلق عليه “العدو القريب”.
إلى جانب محاولة التنظيم إحياء الخلافة المكانية واستغلال الانشغال الدولي بحروب أخرى، فمنذ أن فقد داعش آخر جزء جغرافي فيما يسمى “الخلافة المكانية” بعد الهزيمة التي تعرض لها في الباغوز السورية في آذار/مارس 2019 على يد قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي، يسعى التنظيم إلى إعادة السيطرة مره أخرى على بعض المناطق الجغرافية في سوريا؛ إذ تمكن التنظيم خلال نهاية عام 2023 من إعادة السيطرة على بعض مناطق البادية وإعادة نشاطه في البادية السورية مستفيداً من ضعف فاعلية القوات الروسية بعد أن بدأت الأخيرة حرباً ضد أوكرانيا عام 2022، وانشغال قوات الحكومة السورية والمجموعات الموالية لإيران بعمليات تهريب المخدرات وفرض الإتاوات على المواطنين على الحواجز والمعابر.
الانشغال الدولي بالأزمات والحروب في عدة مناطق من العالم وإهمال قضية محاربة الإرهاب، دفع داعش وخصوصاً منذ تولي أبي حفص الهاشمي القرشي زعامة التنظيم، إلى إعادة محاولة إحياء “الخلافة المكانية” بسوريا.
فبعد بيان أبو حذيفة الأنصاري، بدأ داعش بالتحرك وزاد نشاطه بشكل ملحوظ في سوريا والعراق ومناطق أخرى من العالم خصوصاً في أفريقيا حيث الأوضاع مواتية للتنظيم من أجل تجنيد العناصر مستغلا حالة الفقر والانقلابات العسكرية الحاصلة فيها.
وزاد تحرك عناصر التنظيم بشكل أكبر بعد أن أرسل أبي حفص الهاشمي القرشي وأبو حذيفة الأنصاري وزير الحرب لدى التنظيم، تعليمات لجميع قيادات التنظيم في سوريا والعراق بتجهيز العناصر وتسليحهم تمهيداً للمرحلة المقبلة.
وعليه، زاد نشاط عناصر تنظيم داعش في جميع المناطق التي كان قد شكل فيها ولايات، وزادت تحركات العناصر بشكل خاص على الحدود السورية – العراقية، كما بدأ التنظيم بتجهيز وإعداد خلايا مسؤولة عن التفجيرات وخلايا أخرى مسؤولة عن هجمات خاطفة وبشكل خاص الخلايا الانتحارية، تحضيراً لشن هجمات كبرى في المنطقة.
ففي سوريا، وبحسب المعلومات التي تم الحصول عليها من مصادر خاصة، فأن التنظيم قام بتجهيز عدد من الدراجات النارية المفخخة وسيارتين مفخختين تحضيراً لشن هجمات على السجون ومخيم الهول.
كما قام التنظيم خلال الفترة الماضية، بجمع معلومات عن عناصر قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي، من أجل شن هجمات تستهدفهم بشكل خاص.
وفي هذا السياق، كشفت المصادر أن تحركات عناصر التنظيم تتركز في مناطق الدشيشة وتل الجاير وصقر شرقي ومركدة في ريف الحسكة الجنوبي، ومناطق تل حميس بين القامشلي والحسكة.
وتشير المعلومات التي كشفتها المصادر أن عناصر التنظيم يحاولون استهداف سجن “الكامب الصيني”، ومخيم الهول والنقاط العسكرية في الشدادي وريفها.
ويركز التنظيم بشكل خاص على مخيم الهول، فهذا المخيم يضم في الوقت الحالي نحو 43 ألف فرد من أفراد عائلات عناصر تنظيم داعش، بينهم نحو 30 ألف طفل يعتبرهم التنظيم أشبال الخلافة، خصوصاً أن هؤلاء الأطفال لا زالوا يتلقون التعليم المتشدد على أيدي نساء عناصر التنظيم.
والمعروف أن مخيم الهول مؤلف من 6 أقسام، 3 منهم مخصصة للعراقيين، و2 للسوريين، وواحد لعوائل “داعش” من البلدان الأخرى حيث ينحدرون من نحو 40 دولة وهؤلاء يعرفون بين التنظيم باسم المهاجرين.
ويستفيد التنظيم من القبضة الأمنية الرخوة لقوات الحكومة السورية في البادية السورية، حيث حافظ على موطئ قدم له هناك في ظل ضعف قوات الحكومة السورية، وشكل معسكرات هناك مستفيداً من حرية التحرك والوفرة المالية التي يكتسبها من خلال أذرعه، سواء في العراق أو بقية دول العالم التي تمده بدعم لوجستي، سواء بالسلاح أو الوقود وكذلك التمويل.
وفي العراق أيضاً قام التنظيم بتجهيز عدد من السيارات المفخخة في سهول الأنبار والبادية العراقية من جهة مدينة القائم.
وأوضحت المصادر أن التنظيم يتجهز لشن الهجمات من هذه المناطق باتجاه بادية القائم، حيث يستفيد التنظيم من الفراغات الأمنية بين المناطق التابعة لحكومة العراق، خصوصاً كركوك، إلى جانب منطقة شمال غربي الأنبار وغرب الأنبار وحوض جبال حمرين، فهي مناطق يصعب الوصول إليها من قبل القوات الأمنية كونها تحتوي على أنفاق وجبال ومغارات، أو لاتساعها بشكل كبير في ظل وجود مساعدات أحياناً من مواطنين لعناصر “داعش” دائمي التحرك حاليا.
ووجد التنظيم من الحرب بين حماس وإسرائيل، فرصة للدعاية وكسب الحاضنة مجدداً مستفيداً من انشغال المجتمع الدولي بهذه الحرب وعدم الاكتراث بالمناطق التي كانت خاضعة سابقاً لسيطرة التنظيم، وإيقاف أو تقليل الدعم المالي المقدم لتلك المناطق، ما ساعد في تهيئة الظروف للتنظيم من جديد لتجنيد عناصر جدد مستفيداً من وفرة موارده وحصوله على دعم من قبل قوى إقليمية في مقدمتها تركيا التي تحاول إعادة إحياء داعش من جديد لتطبيق مخططاتها في المنطقة وخصوصاً سوريا والعراق والوصول إلى حدود ما تسميه الميثاق الملي.
رسالة أبو حذيفة الأنصاري، لفتت إلى استراتيجية جديدة للتنظيم للعمليات الإرهابية، حيث كشف عن تصور محدد لتحركات التنظيم، عبر ما يمكن أن يطلق عليه “استراتيجية جديدة”، وهى أقرب إلى استراتيجية “الفترات الابتدائية”، أو ما يمكن أن يسمى “فترات ما قبل التمكين”، والتي تعتمد بصورة أكبر على “الذئاب المنفردة” أو بشكل أدق “الذئاب الغاضبة”، ويمكن أن يفسر لجوء التنظيم إلى هذا التكتيك في ضوء رغبته في إثبات الوجود، مع التحايل على الحصار الأمني عبر الاعتماد على ما يوفره هذا التكتيك من صعوبة في تعقب العمليات الإرهابية أو التنبؤ بحدوثها.
باختصار، يستغل تنظيم داعش ويوظف الأحداث المتسارعة على المستويين الإقليمي والدولي، وعلى رأسها الحرب بين حماس وإسرائيل والدعم المقدم له من دول مثل تركيا، في سياق سعيه لإعادة التموضع والارتكاز مرة أخرى، وإحياء نشاطه بعد عامين من التراجع داخل دول الارتكاز القديمة (سوريا والعراق)، مع مزيد من الاستقطابات الجديدة والتجنيد.
هذا وسيطر (داعش) عام 2014 على مناطق شاسعة في سوريا والعراق، ولكن أعلن عن هزيمته في العراق أولاً عام 2017 ولاحقاً في سوريا عام 2019 على يد قوات سوريا الديمقراطية، ولكن ظل عناصر التنظيم نشطين في مناطق ريفية ونائية بالعراق وسوريا، وشن هجمات بشكل متواصل في الدولتين.
وبحسب تقارير لمجلس الأمن الدولي، يوجد نحو 10 آلاف عنصر من داعش نشطين في سوريا والعراق ويتركز معظمهم في المناطق الريفية ويقدر أن معظمهم مواطنون سوريون وعراقيون.
وعلى الرغم من القضاء على داعش جغرافياً، إلا أنه ظل نشطاً وكان هذا النشاط يزداد بعد مقتل كل خليفة له، إذ اعتقد الجميع أنه بمقتل أبو بكر البغدادي انتهى التنظيم، ولكنه بعد فترة من الزمن عاد للنشاط، وكان الأمر مشابهاً عند مقتل خليفتيه أبو إبراهيم القرشي وأبو الحسن القرشي، حيث غير التنظيم من استراتيجيته بعد أن انتهت دولته التي أعلنها، وبدأ عناصر الخلايا يتحركون كالذئاب المنفردة يشنون الهجمات هنا وهناك.