مؤخراً بدأ بعض الأفـ ـراد وأصـ ـحاب المحال التجارية، بالتحـ ـوّل إلى صـ ـرافـ ـين ومحـ ـولـ ـين للعـ ـملة بين مناطق شمال وشرق سوريا ومناطق سورية أخرى وخصوصاً المناطق الخـ ـاضـ ـعة لسـ ـيـ ـطرة تركيا وكذلك دول الجوار كتركيا والعراق بالإضافة إلى بلدانٍ أوروبية، دون أن يمـ ـتلـ ـكوا رخـ ـصة رسمية ما يثـ ـير الكثير الشـ ـكـ ـوك حول عملهم ومصـ ـادر تلك الأمـ ـوال والغاية التي تسـ ـتـ ـخدم من أجلها في ظل انـ ـتـ ـشـ ـار الخـ ـلايـ ـا المختلفة الارتـ ـبـ ـاطـ ـات بالمنطقة.
منذ أن بدأت هجرة السوريين إلى دول الجوار والدول الغربية بعد الأزمة التي اندلعت فيها عام 2011، انتشرت ظاهرة إرسال الحوالات المالية من الخارج إلى داخل البلاد، وعليه بدأ العديد من الأشخاص بافتتاح مكاتب للصيرفة وتحويل الأموال بين تلك الدول وسوريا، وتركزت هذه المكاتب في مناطق الشمال السوري سواء في شرق شمالها أو شمال غربها، في حين ظل افتتاح مكاتب الصيرفة ممنوعاً في مناطق سيطرة الحكومة السورية وانحصرت بالمكاتب الرسمية التي تتعامل بالسعر الذي تحدده الحكومة، ونظراً لوجود فارق كبير في سعر الصرف بين السعر في السوق السوداء ولدى الحكومة السورية، لعب البعض من الأشخاص والتجار في تلك المناطق دور مكاتب الصيرفة وبدأوا بإيصال أموال الحوالات إلى العوائل، ولكن أن يتحول بعض الأشخاص في شمال وشرق سوريا إلى مكاتب للصيرفة دون رخصة رسمية فهو أمر مريب!
فالمعروف أن افتتاح مكاتب الصيرفة في شمال وشرق سوريا متاح للجميع، إذ أن بإمكان أي شخص أن يفتتح محلاً للصيرفة بعد الحصول على الرخصة لمزاولة هذا العمل، كما أنه من المعروف أن تلك المكاتب تدون المعلومات التفصيلية عن الجهة التي تحول الأموال والجهة التي تستلمها والمبالغ المرسلة والمستلمة، وبالتالي يمكن متابعتها من قبل الجهات المعنية.
ولكن تحول أشخاص ومحال تجارية غير مرخصة يجعل من معرفة تلك التفاصيل أمراً مستحيلاً، خصوصاً أن هناك بعض الأشخاص والمحال على تواصل مع مناطق شمال غرب سوريا الخاضعة لسيطرة تركيا وهيئة تحرير الشام وفصائل الجيش الوطني وكذلك مع أشخاص من داخل تركيا، والمعروف أن هذه الأطراف لديها خلايا تابعة لها في مناطق شمال وشرق سوريا تعمل على نقل إحداثيات المواقع الأمنية والمنشآت الاقتصادية والخدمية للاستخبارات التركية، وخلال الفترة الماضية تعرضت الكثير من تلك المواقع للقصف. كما أن بعض تلك الخلايا تعمل لصالح تلك الأطراف وتقوم بزرع الألغام وزعزعة أمن واستقرار المنطقة، وبالتالي فأن الأطراف الداعمة لهم لا تستطيع تحويل الأموال لهم عن طريق المكاتب الرسمية لعدم وجود مكاتب صيرفة تتعامل بشكل رسمي مع تلك المناطق، وبالتالي تلجأ الجهات الداعمة لهم لأشخاص ترسل من خلالهم الأموال لخلاياها حتى لا ينفضح أمر أفراد تلك الخلايا.
ولذلك فأن الأشخاص والمحلات التجارية الذين يلعبون دور مكاتب الصيرفة قد يكونون عملاء يعملون لصالح الاستخبارات التركية والفصائل التابعة لها، أو ربما يوصلون الدعم لخلايا تلك الأطراف في تلك المنطقة من أجل الحصول على المنفعة المالية معرضين أمن واستقرار المنطقة للخطر.
كما يلجأ تنظيم داعش أيضاً إلى هذا الأسلوب في تحويل الأموال، وبالتالي، لا يمكن استبعاد أن يكون أولئك الأشخاص منتسبين للتنظيم وممولين له ويعملون في هذا المجال من أجل التغطية على عملهم ضمن هذا التنظيم الذي لا يزال يواصل شن الهجمات على المنطقة.
وأيضاً بدأت إيران والأفرع الأمنية لدى الحكومة السورية مؤخراً بمحاولات لتجنيد خلايا تابعة لها في المنطقة، ويحتمل أن تلجأ تلك الأطراف لهكذا نوع من طرق إرسال الأموال لضمان عدم فضح المتعاملين معها، خصوصاً أن المربعات الأمنية صغيرة ويعرف الجميع الداخلين والخارجين إليها، وبالتالي تكرار توجه الأفراد إليها من غير العسكريين يثير الكثير من الشكوك حولهم.
وفي الكثير من الأحيان، يقوم أولئك الأشخاص بإيصال مبالغ مالية كبيرة لأشخاص آخرين عن طريق تحديد موعد للقاء في مكان عام، وهذا أمر في غاية الخطورة، إذ أن إرسال مبالغ مالية كبيرة لشخصيات غير معروفة ولا يتم تدوين أسماءها في السجلات يثير الكثير من الشكوك حول تبعية تلك الأطراف وتمويلها للإرهاب.
وفي هذه الحالة لا يقتصر الأمر على الأشخاص الذين يزاولون هذا العمل في المنازل والمحال التجارية، بل حتى أن تحويل المبالغ المالية الكبيرة للأشخاص سواء من دول الجوار أو من الدول الغربية، يثير الشكوك، إذ أنه من المعروف أن الحوالات المالية التي يرسلها الأفراد لعوائلهم هي حوالات تكاد تكون شهرية وبمبالغ قليلة قد لا تتجاوز في حدها الأقصى 500 دولار أو يورو، ولكن إرسال مبالغ أكبر من ذلك، يستوجب التدقيق من الجهات المشرفة على مكاتب الصيرفة ومن قبل الجهات الأمنية، لمعرفة الأطراف المرسلة والجهات المرسلة إليها وخلفياتها وعلاقاتها، فالكثير من الخلايا تحصل على الأموال من خلال الأفراد وبطرق رسمية أيضاً حتى لا ينكشف أمرها.
لذا يجب على الجهات المختصة وخصوصاً الأمنية منها، عدم السماح بمزاولة مهنة الصيرفة دون الحصول على الموافقة القانونية والرخصة الرسمية لما تحمله من خطورة على السلم والأمن والاستقرار في المنطقة. كما يتوجب عليها التركيز على الأشخاص الذين يحولون الأموال وأصولهم، إذ غير من المعقول أن يتم تحويل الأموال للمنطقة من غير أبناءها، وفي حال لم يكن من أبناء المنطقة، فلماذا يرسل تلك الأموال ولمن يرسلها وماهي العلاقة التي تربطهم ببعض.
كما يجب على الجهات المختصة، أن لا تغفل عن أصحاب محال الصيرفة، فبعضهم قد لا يقوم بتدوين المبالغ الكبيرة المرسلة إلى المنطقة لقاء الحصول على أموال أكثر لقاء التحويل، إذ ممكن أن تكون تلك الأموال المرسلة هي أموال مرسلة لخلايا إرهابية وبالتالي يلعب أصحاب هذه المكاتب دوراً في تمويل الإرهاب، ولذا يجب على الجهات المعنية متابعة تلك المكاتب بشكل دوري وعدم فتح المجال لهم للقيام بتحويلات مالية غير مشروعة لا تخدم الأمن والسلم الأهليين.