مع قرب توجه الناخبين الأتراك إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات المحلية، يخـ ـشى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخسـ ـارة مجدداً أمام رئيس بلدية إسطنبول الحالي، أكرم إمام أوغلو، ويبدو أن كل محاولات أردوغان لجذب الأصوات لمرشحه جاءت عكسية، إذ ارتفع الفارق بين مرشحه وإمام أوغلو إلى 7 بالمئة وفق أحدث استطلاع للرأي.
يتوجه الناخبون الأتراك يوم غد إلى صناديق الاقتراع، للتصويت في الانتخابات المحلية. ودُعي 61 مليوناً و441 ألفاً و882 ناخباً إلى صناديق الاقتراع لاختيار رؤساء البلديات الكبرى والمدن والمقاطعات، وصولاً إلى المخاتير في الأحياء والقرى.
وقبل ساعات من الانتخابات، بدا الأتراك مجمعين على أن الانتخابات المحلية هذه المرة عنوانها “إسطنبول”، كبرى ولايات البلاد ومركزها الاقتصادي، والتي حميت المعركة حولها بسبب تركيز رئيس حزب العدالة والتنمية التركي رجب طيب أردوغان على استعادتها من يد حزب الشعب الجمهوري ورئيس بلديتها الحالي، أكرم إمام أوغلو، الذي يسعى لتكرار فوزه التاريخي في انتخابات 2019.
وكان لافتاً في مختلف الأوساط أن أردوغان وضع إسطنبول هدفاً لهذه الانتخابات، عبر حشد كل إمكانات الدولة، وتعبئة جميع وزراء حكومته لدعم مرشح حزبه الحاكم؛ مراد كوروم. وأثارت هذه التعبئة جدلاً واسعاً في مختلف الأوساط، إذ عدّ مراقبون معركة إسطنبول معركة شخصية بين أردوغان وإمام أوغلو، إذ يُنظر إلى الأخير على أنه مرشح محتمل لزعامة المعارضة، وحتى رئاسة البلاد في وقت لاحق إذا احتفظ ببلدية إسطنبول للمرة الثانية على التوالي.
وانخراط أردوغان في حملة الدعاية للانتخابات المحلية وتحويلها إلى معركة سياسية مع حزب الشعب الجمهوري، حزب المعارضة الرئيسي، جعل أحمد يلديز، أحد الناخبين الأتراك، يقول لـ«الشرق الأوسط» إن جميع الانتخابات في تركيا الآن أصبحت تجرى بين من يحبون أردوغان ومن لا يريدون بقاءه، وإنه قسّم الشعب إلى قسمين أحدهما معه والآخر ضده.
ويتسلح إمام أوغلو بالفوز التاريخي الساحق الذي حقّقه في انتخابات 2019، لتكرار فوزه بإسطنبول في مواجهة أبرز منافسيه؛ وزير البيئة السابق مراد كوروم الذي دفع به أردوغان. لكن معركة إسطنبول تبدو صعبة ومستعصية على توقع نتيجتها، في ظل وجود 49 مرشحاً من مختلف الأحزاب والمستقلين.
ودفعت نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة، التي حافظ فيها إمام أوغلو على تقدمه، أردوغان إلى تركيز كل جهوده على إسطنبول، سواء خلال مؤتمراته أو في بقية الولايات في أنحاء البلاد. كما دفع أردوغان بوزراء حكومته إلى شوارع إسطنبول لدعم كوروم. فللمرة الأولى في أي انتخابات محلية، يظهر وزراء الخارجية والداخلية والدفاع في الأسواق، ويلتقون التجار وأصحاب المحال التجارية، ويشاركون في برامج الإفطار في رمضان والمناسبات الاجتماعية يومياً، بحثاً عن الأصوات لصالح كوروم.
ويرى مدير شركة «متروبول» لاستطلاعات الرأي، أوزار سانجار، أن إدارة أردوغان للحملة الانتخابية في مواجهة إمام أوغلو، جاءت لصالح الأخير، إذ دفعت الناخبين إلى الإحساس بأنه “مظلوم، وبأنه يواجه دولة كاملة بكل إمكاناتها”.
ولفت سانجار، في هذا الصدد، إلى توظيف أردوغان الخطابات السياسية الحماسية وإثارة موضوعات مثل حرب غزة، ومواقف تركيا السياسية من القضايا الخارجية، أكثر من التركيز على الوضع الاقتصادي والخدمات، وظهور مرشحه مراد كوروم كأنه لا يدرك ما هي الملفات التي يتحدث عنها والتركيز فقط على مهاجمة إمام أوغلو.
ويذكر أنه على الرغم من فوز أردوغان بالرئاسة في مايو (أيار) الماضي، فإنه خسر في أنقرة وإسطنبول لصالح مرشح المعارضة رئيس «حزب الشعب الجمهوري»، كمال كليتشدار أوغلو، ما أرجعه محللون إلى حالة الغضب من السياسات الاقتصادية لحكومة أردوغان، حتى في أوساط المحافظين.
وسعى أردوغان إلى جمع الأصوات في إسطنبول من الولايات الأخرى، كما فعل في خطاب له بولاية توكات، (وسط تركيا)، الأسبوع الماضي، مستغلاً وجود عدد كبير من أبناء الولاية كمغتربين في إسطنبول، ليطالب أقاربهم بالاتصال بهم من أجل التصويت لمرشحه مراد كوروم.
ولفت سانجار إلى أن تحركات أردوغان أسهمت في ارتفاع الفارق بين إمام أوغلو وكوروم إلى نحو 7 في المائة، بعدما كان أقل من 3 في المائة قبل شهرين، وفق ما أظهر تقرير «نبض تركيا» في آخر استطلاع أجرته «متروبول». ورأى أن الحشد الشديد أظهر ضعف كوروم وخوف أردوغان من فقد إسطنبول للمرة الثانية على التوالي، لكنه دفع بالمقابل إلى إحساس بالمظلومية تجاه إمام أوغلو.
وتأكيداً على ذلك، أمضى أردوغان آخر يومين، الجمعة والسبت، قبل الانتخابات في عقد مؤتمرات في أحياء إسطنبول داعياً الناخبين للتصويت لصالح مرشحه.