جاء إعلان تنـ ـظـ ـيم د.ا.عـ ـش- خـ ـراسـ ـان مسـ ـؤولـ ـيته عن الهجـ ـوم على قاعة احتفالات “كروكس سيتي هول” في العاصمة الروسية موسكو وسقـ ـوط أكثر من 137 قتـ ـيلاً، لكي يحـ ـيي المخـ ـاوف الغربية من خطـ ـر تنـ ـظـ ـيم الـ ـدولـ ـة الإسـ ـلامـ ـية بعد سنوات تراجع فيها هذا الخطـ ـر في أعقـ ـاب تفكـ ـيك معـ ـاقله في العراق وسوريا بشكل أساسي.
فخلال السنوات الماضية اتجهت أنظار الغرب إلى الغزو الروسي لأوكرانيا وتصاعدت التهديدات الروسية والصينية للمصالح الغربية، وتصور الغربيون أن خطر داعش أصبح من الماضي، لكن جاء هجوم موسكو الإرهابي ليقول إن التنظيم الدموي قد تحول إلى خطر جديد خبيث، بحسب تقرير لصحيفة العرب.
وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن إطلاق النار الجماعي الذي وقع يوم الجمعة الماضية في قاعة للحفلات الموسيقية بالقرب من موسكو وأدى إلى مقتل 139 شخصا.
وقبل أيام من الهجوم الذي يعد أعنف هجوم إرهابي تتعرض له روسيا منذ 2002، استبعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحذيرا علنيا صدر عن مسؤولين أميركيين من عمل إرهابي منتظر في روسيا، وقال إنه محاولة أميركية لتحويل الأنظار بعيدا عن حرب أوكرانيا.
وقال مصدر مطلع على تحذيرات الولايات المتحدة لروسيا إن واشنطن استقت ذلك من تجسس على “دردشة” بين مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان. لكن وزارة الخارجية الروسية شككت في مسؤولية التنظيم.
ونقلت وكالة بلومبرغ للأنباء عن ألكس يانجر الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني “إم 16” إن “بوتين، يغض الطرف عن خطر داعش بسبب الحرب في أوكرانيا”، مضيفا أنه في حين ما يزال الغرب محظوظا بتجنب هجمات داعش، “فإن خطره لم يتلاشى بعد”.
هذه الصورة القاتمة لخطر إرهاب داعش لا تقتصر على روسيا ولكنها تمتد إلى غرب أوروبا التي تستعد لاستضافة سلسلة من الأحداث الرياضية الكبيرة وأبرزها دورة الألعاب الأولمبية في باريس خلال صيف العام الجاري 2024. كما يمكن أن يلعب تجدد خطر الإرهاب في الغرب دورا في تأجيج معركة انتخابات الرئاسة الأميركية والتي يبدو أن قضايا السياسة الخارجية ستلعب فيها دورا أكبر من المعتاد.
ففي جلسة استماع بمجلس الشيوخ الأميركي خلال الشهر الحالي قال أفريل هاينس مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية إن داعش “مازال خطرا إرهابيا مهما”.
في الوقت نفسه جاء هجوم موسكو الأخير ليدفع الحكومات الغربية إلى إعادة تقييم مستويات التهديدات الأمنية التي تواجهها والتي كانت محل مراجعة بالفعل على خلفية الحرب الدائرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين في قطاع غزة.
ورفعت فرنسا مستوى الاستنفار الأمني إلى الدرجة القصوى وكثفت انتشار الأمن في المناطق المكتظة قبل شهور من انطلاق أولمبياد باريس. وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن هذا الاستنفار يأتي “بناء على معلومات ملموسة وذات مصداقية” وأن تنظيم داعش خرسان حاول بالفعل تنفيذ هجمات في فرنسا خلال الشهور الماضية.
كما تستعد ألمانيا لاستضافة نهائيات بطولة أمم أوروبا لكرة القدم “يورو 2024” في يونيو المقبل، وهي ترى أن خطر الإرهاب “حاد” بحسب نانسي فيزر وزيرة الداخلية.
وفي الأسبوع الماضي تم القبض على اثنين يشتبه في انتمائهما لتنظيم داعش في مدينة تورينجن شرق ألمانيا، باعتبارهما شركاء في مؤامرة لمهاجمة البرلمان السويدي.
وقال متحدث باسم وزارة الداخلية الألمانية في برلين الاثنين “التقييم كان مرتفعا بالفعل بموجب الإجراءات التي اتخذتها السلطات الأمنية في الأسابيع الأخيرة ضد مشتبه في صلتهم بالإرهاب من جماعة خراسان”، مضيفا أن جماعة خراسان هي “بحسب معلوماتنا حاليا أكثر فروع تنظيم داعش عدوانية”، ومشيرا إلى أنه كانت هناك عدة اعتقالات مرتبطة بهذه الجماعة في الأشهر الأخيرة.
في الوقت نفسه، يرى الخبير الألماني في شؤون مكافحة الإرهاب بيتر نويمان أن هناك تهديدا إرهابيا “كبيرا للغاية” في ألمانيا وغرب أوروبا.
وقال نويمان في تصريحات لمحطة “دويتشلاند فونك” الألمانية الإذاعية إنه منذ بداية حرب غزة في أكتوبر الماضي هناك “تعبئة ضخمة للإسلاميين والجهاديين في جميع أنحاء غرب أوروبا”، مضيفا أنه تم إحباط ثلاث أو أربع هجمات في ألمانيا، مشيرا إلى أن هناك الآن أيضا “(داعش خراسان) فرع تنظيم داعش في أفغانستان وآسيا الوسطى”، والذي “يحاول بشكل طموح وعنيف للغاية شن هجمات في بلدان أجنبية غير إسلامية، بما في ذلك غرب أوروبا”.
وأشار نويمان أيضا إلى أنه حدث مؤخرا تغيير في نهج الإرهابيين، حيث رُصدَ في السنوات الأخيرة تزايد في الجناة المنفردين، وهم أنصار تنظيم الدولة الذين تلقوا دعاية التنظيم على الإنترنت ثم قاموا بشيء ما بمبادرة منهم، مضيفا أن هناك خطرا تنظيميا مجددا يتمثل في جماعة خراسان، وهي “مجموعة محترفة تماما” قادرة أيضا على تنظيم شبكات، ما يزيد من مثل هذه المخاطر، بحسب نويمان.
كما حذرت بريطانيا مرارا وتكرارا من الخطر المتزايد لتنظيم داعش خراسان خلال الشهور الأخيرة بحسب مسؤول بريطاني. ورفعت هولندا مستوى التهديد الإرهابي لديها إلى “كبير” في ديسمبر الماضي وحذرت من “المخاطر التي يمثلها الأفراد المتشددون” الذين يستلهمون تحركاتهم من المنظمات الإرهابية.
وكما كان الحال في التنظيم الأم الذي ازدهر في سوريا خلال الحرب الأهلية منذ نحو 10 سنوات، ظهر تنظيم داعش خراسان كقوة في أفغانستان عقب الفوضى التي شهدتها البلاد بعد الانسحاب المفاجئ للقوات الأميركية منها عام 2021.
ولعل مما يزيد خطورة موجة إرهاب داعش الجديدة، حالة انعدام الثقة بين روسيا والدول الغربية منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، وهي الحالة التي دفعت بوتين لرفض التحذيرات الأميركية قبل أيام من وقوع هجوم قاعة الاحتفالات الموسيقية واعتبرها محاولة أميركية لتشتيت الانتباه عن أوكرانيا. كما أن غياب التنسيق بين روسيا والغرب يخلق ثغرات أمنية ستستغلها التنظيمات الإرهابية مثل داعش لاستعادة قوتها واستقطاب أعضاء جدد.
ويرى محللو السياسة الخارجية أن خطر داعش خراسان يذكر بالتداعيات غير المقصودة لقرار الرئيس الأميركي جو بايدن الانسحاب من أفغانستان وإنهاء أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة والتي استمرت 20 عاما، بهدف القضاء على خطر الإرهاب الإسلامي، وهو ما لم يحدث بالفعل.
ووفقا لتقرير لوكالة بلومبرغ للأنباء قالت كريستين أبوزيد مديرة المركز الوطني الأميركي لمكافحة الإرهاب في جلسة استماع بالكونغرس الأميركي في الأسبوع الماضي إن “داعش خراسان هو الخطر الإرهابي الأكثر إثارة لقلقي”.
وقال خبراء أمنيون إن تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان ركز اهتمامه على روسيا في العامين الماضيين وانتقد التنظيم بوتين لتغييره مسار الحرب الأهلية السورية بدعمه الرئيس بشار الأسد ضد الدولة الإسلامية.
وقال آرون زيلين، الزميل الكبير في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وهو مركز بحثي أميركي، “خطط تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان لشن هجمات داخل روسيا منذ فترة”. وأضاف أن محاولات التنظيم في الآونة الأخيرة لضرب روسيا باءت بالفشل.