صالح عبد العزيز
هجـ ـوم دمـ ـوي آخر يهز العالم، وهذه المرة في موسكو، يؤكد فشل منظـ ـومات أمـ ـنية دولية كبرى في التنبؤ بما قد يفعله “تنـ ـظيم الدولة الإسـ ـلامية” وكذلك يؤكد إن القضـ ـاء على هذا الإرهـ ـاب لن يأتي سوى عبر جهود دولية مشتركة، وعبر القضـ ـاء على بؤر انتعاشها والتي تتمثل بالمناطق السورية الخاضـ ـعة لسيـ ـطرة القـ ـوات التركـ ـية، بل وتـ ـركيا نفـ ـسها.
في مثل هذا اليوم وتحديداً في 23 آذار عام 2019 أعلنت قوات سوريا الديمقراطية شريكة التحالف الدول لمحاربة داعش، تحرير بلدة الباغوز شرقي محافظة دير الزور السورية، آخر معاقل “تنظيم الدولة الإسلامية” بعد أن تمكنت قبل ذلك من طرد “التنظيم” من عاصمة خلافته “الرقة”.
منذ ذلك الوقت وحتى الآن كان لسان حال قوات سوريا الديمقراطية، وكذلك لسان حال الإدارة الذاتية هو أنه قد تم القضاء على وجود “تنظيم الدولة الإسلامية” جغرافياً إلا أن التنظيم لم ينتهي ويعمل في كل فرصة سانحة على إعادة تنظيم صفوفه، خاصة أن المئات من عناصر التنظيم وأطفالهم يعيشون في مخيمات في مناطق شمال شرق سوريا. وطالما اتهمت الجهات الأمنية والسياسية في الإدارة الذاتية تركيا بمواصلة دعم التنظيم ومحاولة تهيئة الظروف له لإعادة لم شمل عناصره، واتهمتها بالوقوف على محاولة الهجوم على سجن الصناعة الذي يحوي المئات من عناصر التنظيم الخطرين جداً.
ليلة أمس الجمعة استهدف هجوم مسلح قاعة للحفلات في محيط موسكو وأسفر عن مقتل 143 شخصا وإصابة نحو 150 شخصاً آخرين، فيما أعلن “تنظيم الدولة الإسلامية” مسؤوليته عن الهجوم المسلح.
ولم تمضي ساعات حتى اعترف أحد المعتقلين المشاركين في الهجوم بأنه وصل من تركيا في 4 آذار إلى روسيا.
إذاً، فهو وصل من تركيا، وهذا يطرح الكثير من الأسئلة لعل أكثرها إلحاحاً هو، أين كان؟
الشخص الذي قبض عليه مع باقي أفراد مجموعته كانوا متواجدين في المناطق التي تسيطر عليها تركيا والفصائل الموالية لها، وتلقوا التدريبات في إحدى المعسكرات التي تشرف عليها القوات التركية. طبعاً لا يخفى على أحد أن خلفاء وقائدة التنظيم قتلوا في تلك المناطق خلال عمليات نفذتها قوات التحالف الدولي بالتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية، بمن فيهم البغدادي، والهاشمي. إذا كان قادة التنظيم يختبؤون في المناطق فإن هذا يعني أن المئات من العناصر المتظرفة موجودون أيضاً وتحت حماية المخابرات التركية ويتلقون الدعم والتدريب هاك.
لطالما تهرب العالم من مسؤولياته حيال القضاء الكامل على تنظيم الدولة الإسلامية، وتركت المسؤولية على عاتق قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية، التي كانت حتى أكثر يقظة من منظومة أمنية كبيرة من منظومة دولة روسيا، ومنعت التنظيم من ارتكاب هجمات إرهابية على أهالي المنطقة. وسبق أن تمكنت من التصدي لهجمة كبيرة على سجن الصناعة في الحسكة.
العديد من دول العالم بمن فيهم روسيا لطالما اعتقدت أنها بمنأى عن خطر التنظيمات المتطرفة، بل ساهمت بطرق مختلفة في تأمين بؤرة خصبة لنموها واختبائها وتدريب عناصرها. فروسيا نفسها سمحت لتركيا بإدخال الفصائل الموالية لها إلى منطقة عفرين شمال حلب، وكذلك إلى إدلب وغيرها من المناطق التي تسيطر عليها تركيا حالياً. وغضت الطرف عن مئات التقارير التي تحدثت تحول تلك المناطق إلى بؤر للتطرف. كما أنها وباقي القوى الدولية لا زالت تغض الطرف عن اعتداءات تركية متكررة ضد مناطق شمال وشرق سوريا التي تعد بمثابة درع العالم حيال انتشار تنظيم الدولة وباقي العناصر المتطرفة. كما أن تركيا لا تنفك تهدد بتنفيذ المزيد من العمليات العسكرية مما قد يحول كامل شمال وشرق سوريا بؤرة للتنظيمات المتطرفة من مختلف أنحاء العالم.
حاولت روسيا منذ أمس أن لا تصدق أنها وقعت هدفاً سهلاً للتنظيم المتطرف، وسعت جاهدة لاستثمار الحادثة في حربها ضد أوكرانيا من خلال اتهامها واتهام الغرب بالوقوف وراء الهجوم. ربما تتجه روسيا إلى الانتقام من خلال شن غارات جوية تستهدف إدلب بشكل خاص، ولكن الأجدر بها الآن أن تنظر إلى مكان آخر. إلى تركيا، حليفها في سوريا، وإلى جميع المناطق التي تسيطر عليها تركيا والفصائل المسلحة.
ما لم يتم تجفيف منابع التنظيمات المتطرفة على الحدود السورية مع تركيا، وما لم يتم وضع حد لتركيا في سوريا، فإن هجمات داعش ستصل إلى العديد من أنحاء العالم في وقت لن ينفع فيه الندم.