أحمد خليل
منذ انطلاقتها في 15 آذار عام 2011، مرت الثورة السورية بالعديد من المخـ ـاض، فخرجت عن مسارها وتحوّل من يدّعون الثورية إلى مرتـ ـزقة يقـ ـاتلـ ـون من أجل تركيا، في وقت لا زالت الحكومة السورية متمسكة بذهنيتها في إقـ ـصاء السوريين، ولذلك لم يبقى للسوريين أي أمل سوى ما يتطور في شمال وشرق سوريا من نظـ ـام إداري يستطيع أن يحقق العدالة والحرية والكرامة للسوريين.
مع بدء ربيع الشعوب في المنطقة عام 2010، تأثرت معظم البلدان التي كانت سلطاتها تحكم على أنفاس شعوبها بهذا الربيع، فبدأت الانتفاضة من تونس والتي أشعلها محمد بوعزيزي بإضرام النار بجسده، ما أدى إلى موجة عارمة من الاحتجاجات في مختلف أنحاء تونس لتنتشر بعدها إلى مصر، ليبيا، واليمن.
وكان لسوريا نصيب من هذا الربيع، إذ كانت محافظة درعا أول منطقة انتفضت في وجه الحكومة السورية، وجاءت جمعة الكرامة في 18 آذار/مارس 2011 بمثابة الشرارة الأولى والأهم للثورة السورية التي شهدت مدنها تظاهرات عارمة بعد أن كتب أطفال على الجدران عبارات طالبوا فيها بـ “إسقاط النظام”.
قوبلت الاحتجاجات برد فعل عنيف من قبل حكومة حزب البعث التي واجهت المتظاهرين بالسلاح، ما فتح الباب أمام عسكرة الثورة بعد تدخل القوى الإقليمية والدولية على الخط وخصوصاً تركيا وقطر اللتان دعمتا الإخوان المسلمين وحاولتا السيطرة على الثورة عبرها.
ودخل الحراك الشعبي مرحلة جديدة تلوح بالدموية، بعد أن أصبحت البلاد مسرحاً للصراع العسكري والسياسي وتصفية الحسابات بين القوى العالمية والإقليمية، حيث تحولت سوريا لأرض مستباحة من قبل دول العالم، في الوقت الذي كان يرحل عنها جزء كبير من أهلها، فكان التحول الكبير للتظاهرات السلمية بعد إدخال الأسلحة إلى الأراضي السورية بمساعدة تركيا لمحاربة الحكومة السوري لتبدأ في سوريا حرب الصراع على السلطة.
فتركيا هي أولى الدول التي تدخلت في سوريا مع حدوث انشقاقات في صفوف قوات الحكومة السورية، إذ دربت تركيا بعض المنشقين على أراضيها ليتشكل ما يسمى “الجيش السوري الحر” تحت رعاية الاستخبارات العسكرية التركية.
وفي تموز/يوليو 2011 بدأت تركيا بتقديم الدعم والسلاح لما يسمى “الجيش الحر” بالاشتراك مع قطر.
وكان الدور التركي هو الأوضح في سوريا حيث فتحت الحدود على مصراعيها أمام آلاف المسلحين الأجانب إلى الداخل السوري في عام 2011, كما أنها أنشأت مخيمات لجوء مبكراً على أراضيها قبل أن يلجأ إليها أحد وتحدثت عن المنطقة العازلة حينها.
وكشف مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري، في 2 آب/أغسطس 2019 عدد القوات التركية في سوريا وقال “النظام التركي ينشر داخل الأراضي السورية 10655 عسكرياً بين ضابط وصف ضابط وجندي وأدخل إلى الأراضي السورية 166 دبابة و278 عربة مدرعة و18 راجمة صواريخ و173 مدفع هاون و73 سيارة مزودة برشاش ثقيل و41 قاعدة صواريخ مضادة للدبابات”.
وفي الطرف الآخر أعلنت المملكة العربية السعودية ودولة قطر في ربيع عام 2012 عن قيامهما بدعم ما تسمى “المعارضة السورية” بالسلاح والأموال، وفي شهر أيار/مايو 2013 أشار تقرير لصحيفة فاينانشال تايمز أن هاتين الدولتين زودتا المسلحين بالرشاشات والجنود والأسلحة المضادة للدبابات القادمة من كرواتيا عبر الأردن.
ولم يتوقف التدخل على الدول التي تدعم المسلحين لإسقاط الحكومة، بل تدخلت الأطراف الداعمة للحكومة أيضاً، حيث تدخلت إيران مباشرة اعتباراً من عام 2011، ومع هذا التدخل الإيراني، تدخلت أمريكا لدعم المسلحين، وفي البداية اقتصر الدعم على تقديم أدوات غير قتالية من أطعمة وعربات النقل، ولاحقاً دربت الاستخبارات الأمريكية مجموعات مسلحة داخل الأراضي التركية.
وفي حزيران/يونيو 2013 أصدر الرئيس الأمريكي قرارًا بتقديم دعم قتالي مباشر للمسلحين ممثلة في المجلس العسكري الأعلى لما يسمى المعارضة، وهو ما بدأ بالفعل على أرض الواقع منذ شهر أيلول/سبتمبر التالي حيث تم رصد دخول أسلحة خفيفة وصواريخ مضادة للدبابات، وبلغت قيمة إمدادات الولايات المتحدة للمسلحين بحوالي 15 مليون دولار أمريكي.
وفي شهر تموز/يوليو عام 2014، قامت الولايات المتحدة بالترخيص لمنظمة غير حكومية تسمى “مجموعة الدعم السورية” من أجل جمع الأموال لما كان يسمى بالجيش السوري الحر.
إلا أن الدعم الأميركي للمسلحين تعرض لضربة كبيرة عندما سقطت شحنة أسلحة بأيدي جبهة النصرة المصنفة أمريكياً على أنها إرهابية في عام 2015, فقررت بعدها واشنطن وقف هذا الدعم.
ومن جانبها، أعلنت روسيا ومنذ بداية الأزمة السورية دعمها للحكومة لكن بعد إسقاط نظام معمر القذافي في ليبيا من قبل الدول الغربية شعرت روسيا بالخطر على مصالحها في سوريا فقررت زيادة دعم للحكومة، وفي شهر أيلول/سبتمبر 2015 تدخلت عسكرياً بشكل مباشر في سوريا عبر تنفيذ ضربات جوية على مواقع المسلحين.
وعلى الرغم من أن روسيا أعلنت أن الضربات سيتم توجيهها ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) إلا إن الضربات تم توجيهها للمسلحين المدعومين من تركيا وقطر، وخصوصًا جبهة النصرة وأحرار الشام.
وأدى اختلاف مصالح الدول الإقليمية والدولية المتدخلة في سوريا إلى تشكيل مجموعات مسلحة بلغ تعدادها المئات باتت تُعرف الجهة الداعمة لها من خلال الأسماء التي أطلقتها، مثل السلطان مراد وسليمان شاه وهي أسماء سلاطين عثمانيين.
كما تشكلت كيانات سياسية مختلفة باتت تعرف بأسماء داعميها مثل مجلس اسطنبول، ائتلاف الرياض، منصة موسكو وغيرها.
وتقاتلت هذه المجموعات المسلحة والكيانات وتناحرت فيما بينها لتحقيق أهداف الأطراف التي تدعمها، فتحولت الأزمة السورية إلى حرب بالوكالة بين المتدخلين، وقضت على آمال السوريين الذين خرجوا إلى الشوارع مطالبين بحقوقهم والعيش بكرامة على أرضهم.
التدخلات الخارجية والصراع على السلطة أدى إلى تدمير سوريا بشكل شبه تام، ففي الشأن الإنساني قتل ما يزيد عن نصف مليون شخص منذ بداية الثورة التي تحولت إلى أزمة، فيما هجر ملايين السوريين البلاد نحو الخارج، ونزح الملايين داخلياً نتيجة الصراع، كما تسببت الهجمات التركية داخل الأراضي السورية إلى نزوح مئات الآلاف من عفرين ورأس العين وتل أبيض، وتحول المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى ملاذ آمن لقيادات تنظيم الدولة الإسلامية، حيث قتل أبو بكر البغدادي وخليفته في تلك الأراضي الخاضعة لسيطرة تركيا.
وإلى جانب ذلك تدمر الاقتصاد السوري، فمدينة حلب التي كانت أكبر المدن الصناعية تحولت إلى مدينة منكوبة بعد أن قامت المجموعات المدعومة من تركيا بفك معاملها ونقلها إلى تركيا وبيعها هناك.
وكذلك سيطرت المجموعات التابعة لتركيا على الطرق الاستراتيجية في سوريا كطريقي M4 و M5 فتوقفت حركة النقل بين المدن السورية، ما أدى لانهيار الاقتصاد السوري بشكل كامل دفع الشعب ثمنه.
وبعد ازدياد وتيرة التدخل الدولي أصبحت جنيف أحد أبرز المحطات الخارجية لحل الأزمة السورية بعيداً عن رغبة شعبها وتحقيق لمصالح المتدخلين، حيث بدأت أولى جولات جنيف في 30 حزيران 2012 بناء على دعوة المبعوث الأممي إلى سوريا آنذاك كوفي عنان، ولكنها لم تحقق أي تغيير مع استمرار عقدها وتغيير المبعوثين الأمميين إلى سوريا.
وبالتزامن مع الفشل الذي شهدته جولات جنيف ومعها المنظومة الدولية التي تحكمت فيها ثنائية القطبين واستخدام الفيتو، بدأ التقارب الروسي التركي الإيراني لينطلق على إثرها مسار أستانا كاجتماع موازٍ لجنيف يحقق أهداف هذه الأطراف الثلاث في سوريا.
وبدأت سلسلة أستانا في 30 كانون الثاني/يناير عام 2017، وعقدت حتى الآن 21 جولة منها لم تحقق شيئاً للسوريين سوى تكريس تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ بين الأطراف الثلاثة ووضع المخططات ومقايضة الأراضي السورية.
والملفت للانتباه أن روسيا سعت بمساعدة تركيا وإيران إلى حصر الأزمة السورية في موضوع اللجنة الدستورية التي اعتمدها مجلس الأمن في كانون الأول/ديسمبر عام 2015 في القرار 2252 بعنوان “خارطة الطريق لعمليات الانتقال السياسي في سوريا” التي تضمنت 4 سلال بينها اللجنة الدستورية.
وتضم اللجنة 50 ممثلاً عن الحكومة السورية و50 عن المجموعات التابعة لتركيا تختارهم الأخيرة و50 من المجتمع المدني يتم اختيارهم من قبل روسيا وتركيا وإيران.
وأقصيت من هذه اللجنة المكونات الأساسية السورية وخصوصاً ممثلي شمال وشرق سوريا التي يعيش فيها ما يزيد عن 5 مليون نسمة.
ولم تحقق جولات التفاوض بين ممثلين عن الحكومة والمعارضة في جنيف منذ انطلاقها عام 2014 أي تقدم، وبعدما كانت المعارضة تفاوض النظام على مرحلة انتقالية بعد تنحي الرئيس بشار الأسد، تمهيداً لتسوية سياسية، اقتصرت المحادثات في السنوات الأخيرة على اجتماعات اللجنة الدستورية؛ لبحث تعديل أو وضع دستور جديد، لكنّها لم تحقق تقدماً بغياب «نية للتسوية» باعتراف الأمم المتحدة.
ورغم الحرب والدمار الذي حل بسوريا حافظت مناطق شمال وشرق سوريا على حيادها، وبنت إدارة ذاتية تقوم عبرها بإدارة المنطقة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً. ورغم محاولات الأطراف المتدخلة في الأزمة السورية، القضاء على هذه التجربة، إلا أن القوى السياسية في شمال وشرق سوريا مصرة على توحيد المعارضة الوطنية وتحقيق التغيير المنشود.
وفي السياق، أكد مجلس سوريا الديمقراطية عبر بيان أصدره بالتزامن مع الذكرى السنوية للأزمة السورية، في الـ 15 من آذار العام الجاري، مواصلته العمل من أجل “تحقيق التحول الديمقراطي مع مختلف القوى والأحزاب الوطنية الديمقراطية السورية بهدف تشكيل جبهة عريضة هدفها قيادة الثورة السورية”.
وأعلن مسد في عدّة مناسبات عن مسعى لعقد مؤتمر وطني سوري بين القوى والشخصيات الوطنية الديمقراطية السورية؛ للوصول إلى توافقات مشتركة بغية دفع الأزمة السورية باتجاه الحل.
ونظم المجلس عدداً من اللقاءات مع الأطراف السورية في الداخل والخارج، مثل مؤتمرات عين عيسى والرقة، وكذلك في فيينا وستوكهولم السويدية، كما وقع وثيقة تفاهم مع حزب الإرادة الشعبية وهيئة التنسيق الوطنية، ويستعد حالياً لعقد مؤتمر للقوى الوطنية خلال العام الجاري.
ليس بالضرورة أن يعبر المقال عن رأي الموقع.