جمال حسين
تنـ ـدلع الثـ ـورات ضـ ـد الظــلم والقمـ ـع عادة جراء تراكمات طويلة الأمد من القمـ ـع والظـ ـلم والاستبــداد وكبت الحريات. تنفـ ـجر هذه التراكمات في ظروف زمانية ومكانية معينة وتتحول إلى حراك شعبي جماهيري عارم يؤدي غالباً إلى إنهاء حالة الظـ ـلم والاسـ ـتبداد.
إلا أن حالة الانفجار غالباً ما تحدث جراء حدث معين، حدث يهز كيان وضمير المجتمع الرازح تحت نير الاستبداد. والأمثلة على ذلك كثيرة عبر التاريخ. إلا أن التاريخ القريب يذكرنا بجريمة مقتل الطفل السوري حمزة الخطيب على يد قوى الأمن التابعة لحكومة دمشق عام 2011 ، تلك الجريمة التي ألهبت الشارع السوري وأشعلت حراكاً جماهيراً لم يتوقف حتى الآن.
حمزة علي الخطيب طفل سوري من بلدة الجيزة في محافظة درعا، تعرض للتعذيب الجسدي وهو يبلغ 13 عاماً أثناء الاحتجاجات السورية في 2011. خرج من بلدته الجيزة التابعة لمحافظة درعا مع آخرين لفك الحصار عن أهل درعا في سياق الحراك السوري 2011 ضد الحكومة السورية، تمّ اعتقاله عند حاجز للأمن السوري قرب مساكن صيدا في حوران يوم 29 نيسان 2011. بعد مدة تم تسليم جثمانه لأهله، وبدت على جسمه آثار التعذيب والرصاص الذي تعرض له حيث تلقى رصاصة في ذراعه اليمنى وأخرى في ذراعه اليسرى وثالثة في صدره وكسرت رقبته ومثل بجثته حيث قُطع عضوه التناسلي.
صور ومشاهد جثة الطفل حمزة الخطيب ألهبت مشاعر الشارع السوري واندلعت على إثرها احتجاجات عارمة عمت العديد من المدن السورية طالبت “بتغيير النظام”.
جريمة حمزة الخطيب كسرت حاجز الخوف كما أنها شكلت نقطة انعطاف بالنسبة لفئات واسعة من المجتمع التي كانت مترددة في المشاركة في الحراك الشعبي الذي كان قد اندلع قبل ذلك بأشهر، وتحديداً في 15 آذار عام 2011.
تمر اليوم الذكرى السنوية الثالثة عشرة للحراك الشعبي في سوريا، ورغم انحراف الثورة عن مسارها في العديد من النواحي جراء تدخلات خارجية، إلا أن شرارة الثورة لا زالت مشتعلة ولا زال السوريون يأملون بغد أفضل.
ظروف مماثلة لما عاشته سوريا على مدى عقود طويلة، تشهدها اليوم مناطق مختلفة من سوريا التي تسيطر عليها القوات التركية عبر العديد من المجموعات المسلحة التي سلمت قرارها للدولة التركية وأطماعها. وعلى مدى سنوات من سيطرة تركيا على مناطق عفرين ورأس العين وتل أبيض، تراكمت الكثير من الجرائم، وأساليب القمع والاستبداد والظلم تستهدف سكان تلك المناطق وبشكل خاص الشعب الكوردي، والتي ترتكب برعاية الدولة التركية، والمعارضة السورية والفصائل المسلحة الموالية لتركيا.
قبل أيام أقدم مستوطن من ناحية سنجار التابعة لمحافظة إدلب، والمقرب من مسلحي ما يعرف بـ نور الدين زنكي – الجيش الوطني، والذي يتسولي على بيت في مدينة جندريس التابعة لعفرين، على قتل الشاب الكوردي القاصر أحمد معمو مده / 16/ عاماً، في جريمة بشعة وألقى بجثته في بئر ماء.
جريمة مقتل القاصر أحمد معمو لا تختلف في بشاعتها عن جريمة مقتل الطفل حمزة الخطيب، ودائماً المجرم واحد وهو سلطة الاستبداد والظلم والقمع على اختلاف المسميات.
المجرم في جريمة الطفل أحمد معمو هو بالدرجة الأولى الدولة التركية التي تسيطر على المنطقة، وكذلك المجموعات والفصائل المسلحة المتطرفة التي تتحكم برقاب الناس في تلك المناطق.
أثارت جريمة مقتل الطفل أحمد معمو مشاعر الشارع الكردي والشارع السوري بشكل عام. يجب أن تتحول ردود الفعل حيال هذه الجريمة إلى احتجاجات ثورة عارمة تطالب بخروج القوات التركية وكافة الفصائل التابعة لها من المناطق السورية التي تسيطر عليها. كما يجب أن تكون ثورة عارمة من أجل محاسبة السلطات التركية على كل الجرائم التي ارتكبت في تلك المناطق على مدى سنوات الاحتلال. وهنا تحديداً يمكن الإشارة إلى دور المجلس الوطني الكوردي بصفته أحد كيانات الائتلاف الوطني السوري. في دعم الحراك الشعبي المطالب بخروج المجموعات المسلحة من عفرين، والضغط على الائتلاف السوري وكذلك على السلطات التركية من أجل إيقاف الانتهاكات بحق أهالي عفرين.
في الذكـ ـرى السنوية الثالثة عشرة للحـ ـراك الشـ ـعبي في سوريا هل نكون أمام حـ ـراك شعـ ـبي مماثل في المناطق التي تسيـ ـطر عليها تركـ ـيا وفصـ ـائل المعـ ـارضة، تكون شـ ـرارتها هذه المرة الطفل “أحمد معمو”.