بعد ست سنوات من السيـ ـطرة عليها وتهـ ـجير الغالبية العظمى من سكانها وتوطـ ـين أكثر من 400 ألف مستـ ـوطن فيها، بدأت الاستخـ ـبارات التركية مخططاً جديداً مزدوجاً في عفرين يضم في شطره الأول دعوة المهـ ـجرين قسـ ـراً إلى أراضيهم، ولكن شطره الثاني والمخفي هو أن المهجـ ـرين سيعودون إلى عفرين بعد أن تسـ ـتولـ ـي المجالس المحلية على منازلهم وأملاكهم من الأراضي الزراعية، وبحسب بعض مصادر من المجالس المحلية فأن المجلس الوطني الكوردي جزء أساسي من هذه الخطة.
مع اقتراب الذكرى السنوية السادسة لسيطرة تركيا على مدينة عفرين وريفها والمصادف للثامن عشر من آذار الجاري، بدأت تركيا بوضع مخطط جديد حول عفرين بعد ازدياد الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها استخباراتها وفصائل الجيش الوطني التابعة لها، وبشكل خاص بعد أن أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش في الـ 29 من شباط الفائت تقريراً حمل عنوان “سوريا: انتهاكات وإفلات من العقاب في الأراضي التي تحتلها تركيا”.
وحمّلت هيومن رايتس ووتش تركيا تتحمل مسؤولية أفعال قواتها والقوات الموالية لها (الفصائل) وقالت إن تركيا تتحمل المسؤولية عن الانتهاكات الجسيمة وجرائم الحرب المحتملة التي يرتكبها عناصر قواتها والجماعات المسلحة المحلية التي تدعمها في الأراضي التي تحتلها تركيا في شمال سوريا”.
وأضافت: “المسؤولون الأتراك ليسوا مجرد متفرجين على الانتهاكات، بل يتحملون المسؤولية باعتبارهم سلطة الاحتلال، وفي بعض الحالات، كانوا متورطين مباشرة في جرائم حرب مفترضة فيما تسميه تركيا “منطقة آمنة””.
وأكدت أن “تركيا ملزمة بإعادة النظام العام والسلامة، وحماية السكان، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، وتقديم التعويضات، وضمان حقوق أصحاب الممتلكات والعائدين”.
ولفت التقرير أن السكان الكورد تحملوا وطأة الانتهاكات، ووثق كذلك عمليات الاختطاف والاعتقال التعسفي والاحتجاز غير القانوني والعنف الجنسي والتعذيب من قبل الفصائل،
ووجدت هيومن رايتس ووتش أن القوات المسلحة ووكالات المخابرات التركية متورطة في تنفيذ الانتهاكات والإشراف عليها. وثّقت أيضاً انتهاكات الحق في كل من السكن والأراضي والملكية، بما فيها عمليات النهب والسلب الواسعة، فضلاً عن الاستيلاء على الممتلكات والابتزاز، وفشل محاولات المساءلة في الحد من الانتهاكات أو تقديم تعويضات للضحايا.
ومن أجل التغطية على هذه الجرائم الواردة في التقرير، بدأت تركيا مخططاً جديداً في عفرين، بحسب ما كشفه مصدر من المجلس المحلي في ناحية شران رفض الإفصاح عن اسمه خشية على حياته.
وبحسب ما كشف المصدر لـ “فوكس برس”، فأن المخطط يتكون من شطرين، الشطر الأول هو إصدار الاستخبارات التركية تعميماً لجميع الأفرع الأمنية التابعة لها في منطقة عفرين، والتي بدورها أرسلت التعميم للعائلات الكوردية الموالية للمجلس الوطني الكوردي والتي تتواجد في عفرين وتتعاون بطرق مختلفة مع المجالس المحلية، المخاتير والفصائل الموالية لتركيا.
وبحسب المصدر، فأن التعميم تضمن الإشارة إلى أنه سيتم خلال الفترة القادمة فتح الباب أمام عودة المهجرين قسراً إلى مدينة عفرين وخصوصاً من مناطق الشهباء ومدينة حلب، ويجب أن تلعب العوائل التابعة للمجلس الوطني الكوردي دورها في إقناع المهجرين بالعودة إلى عفرين.
وأضاف المصدر: “في هذا السياق، عقدت المجالس المحلية (شكلتها تركيا) اجتماعات مع المخاتير في عفرين من أجل أن يتواصلوا مع عائلات المجلس الوطني الكوردي وأن يقنعوهم بالتواصل مع ذويهم المهجرين قسراً ومنحهم ضمانات من أجل الدخول إلى عفرين والعودة إليها”.
وبحسب المصدر، فأنه تم تسليم هذا الملف إلى هادي البحرة رئيس الائتلاف السوري الذي يتخذ من إسطنبول مقراً له.
أما الشطر الثاني من المخطط، فيتضمن الاستيلاء على أملاك المهجرين قبل العودة إلى عفرين، وفي السياق، كشف المصدر أن المجلس المحلي لناحية شران دعا مواطني الناحية إلى إحضار وثائق عقاراتهم وأراضيهم الزراعية كحقول الزيتون والمنازل إلى المجلس مع إحضار شاهدين من القرية من أجل تثبيت ملكية عقاراتهم وممتلكاتهم، لافتاً أن كل شخص مجبر على دفع 100 ليرة تركية لقاء كل هكتار من الأراضي الزراعية التي يمتلكها ويجب عليه دفعها للمجلس المحلي من أجل منحه ورقة تثبيت ملكية عقاراته.
مشيراً أن متعاونين مع الفصائل من أبناء قرى الناحية وهم من الكورد الذين يعملون من تركيا، سيتولون مهمة تحديد الأراضي التي يمتلكها كل مواطن، حتى لا يقوم الأهالي بتسجيل أملاك أقاربهم بأسمائهم.
ونوه المصدر، إلى أنه بعد الانتهاء من تثبيت الملكية لدى المجلس المحلي، يجب على صاحب الأملاك التوجه إلى الفصيل المسيطر على القرية التي يتواجد فيها من أجل تثبيت الملكية لديهم أيضاً، حيث اشترطت الفصائل على أصحاب الأراضي الزراعية عدم الحصول على ضريبة تثبيت في الوقت الحالي، لأن صاحب الأرض مجبر على دفع 10 % من الموسم الزراعي للفصيل لقاء تثبيت الملكية وسيتكرر ذلك في كل موسم زراعي سواء زرعت الأرض لمرة واحدة أو أكثر في السنة أي أن الفصيل سيحصل على 10 % من الإنتاج بشكل مستمر.
أما فيما يخص أملاك المهجرين قسراً من أبناء الناحية، فأوضح المصدر، أن ما تسمى اللجنة الاقتصادية التابعة للمجلس المحلي قد وضعت يدها عليها ولم تمنح الترخيص لأقارب أصحابها من أجل استثمارها وزراعتها، بل ستقوم لاحقاً بتوزيعها على المستوطنين القادمين من المناطق السورية الأخرى وخصوصاً المقربين من الفصائل وعوائلهم والذين جرى توطينهم في منازل المهجرين قسراً.
وبحسب ما كشفه المصدر لـ “فوكس برس” فأنه سيتم توزيع 50 % من مساحة الأراضي المستولى عليها والعائدة للمهجرين قسراً، على عوائل عناصر الفصائل أما المساحة المتبقية فستبقى بيد اللجنة الاقتصادية وهذه أيضاً ستعود بشكل من الأشكال للاستخبارات التركية وقادة الفصائل لأن اللجنة لم تحدد كيفية التصرف بهذه الأراضي المستولى عليها.
وبحسب هذا المخطط، فأن تركيا ستحاول من جهة إقناع المهجرين قسراً بالعودة إلى عفرين عبر المجلس الوطني الكوردي ومن جهة أخرى ستكون قد استولت على أراضيهم من جهة أخرى ووزعتها على عوائل عناصرها فيما يشبه الحزام العربي الذي طبقه النظام البعثي في سوريا في ستينيات القرن الماضي، عندما استولت على أراضي الكورد ووزعتها على عرب مستقدمين من محافظة الرقة وأنشأت لهم قرى وقامت بحمايتها عبر قواتها الأمنية، فتركيا أيضاً ووطنت عوائل عناصرها ومستوطنين من مختلف المناطق السورية في منازل الكورد من أهالي عفرين وأنشأت لهم مستوطنات والآن تريد توزيع أملاك الكورد عليهم وبالمقابل تريد إعادة الكورد من أصحاب الأملاك إلى عفرين حتى يصبحوا عمالاً يعملون لدى المستوطنين دون أن يستطيعوا التفوه بكلمة في ظل تسلط الفصائل عليهم.
وعن دور المجلس الوطني الكوردي وموقفه من هذا المخطط، كشف المصدر أن المجلس الوطني الكوردي يؤيد عودة أهالي عفرين إليها أي أنه يؤيد الشطر الأول من المخطط، ولكنه غير قادر على معارضة الاستخبارات التركية، لأن “غالبية قادة المجلس الذين يتعاملون مع الائتلاف السوري هم موجودون في إسطنبول، وبالتالي فهم على علم بالمخطط بأكمله”، ولذلك توقع المصدر بأن يبقى المجلس الوطني الكوردي دون موقف من الاستيلاء على أملاك الكورد وتوزيعها على المستوطنين وعوائل العناصر.
وفي السياق، كشف المصدر، أيضاً أن تركيا بدأت بتلميع صورة الفصائل أمام الرأي العام لإظهارها بأنها لا تعادي الكورد، حيث شارك عدد من قادة الفصائل في احتفالات آذار خلال الأيام الماضية مع مناصري المجلس الوطني الكوردي بمنطقة عفرين.
وكشف المصدر أن المجلس الوطني الكوردي يستعد مع الفصائل لإحياء عيد نوروز في عفرين هذا العام، مشيراً أنه تم توجيه دعوة لوفود وأعضاء المنظمات التابعة للأمم المتحدة في عفرين للمشاركة في الاحتفالية.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل سيستطيع الكورد الاحتفال بعيد نوروز، وعناصر الجيش التركي وفصائل الجيش الوطني دمروا تمثال كاوا الحداد والذي يرمز إلى نوروز في أول يوم دخلوا فيه مدينة عفرين؟
وهل سيستطيع الكورد الاحتفال بهذا العيد وقد ارتكب فصيل جيش الشرقية في الجيش الوطني التابع لتركيا، مجزرة عشية نوروز العام الفائت (20 آذار 2023) عندما قتل 4 أشخاص من عائلة واحدة في ناحية جنديرس لأنهم احتفلوا بنوروز عبر إيقاد النار على سطح منزلهم؟
وهل سيستطيع الكورد الاحتفال بهذا اليوم ودماء شهداء نوروز جنديرس (الأشقاء الثلاثة فرح الدين محمد عثمان (43) عام، نظمي محمد عثمان (38) عام، محمد عثمان (42) عاماً، والشاب محمد ابن الشهيد الأول فرح الدين عثمان (18) عام) قد ذهبت دون القصاص من مرتكبي المجزرة؟
من يسيطرون على عفرين الآن سواء كانوا من القوات والاستخبارات التركية أو من فصائل الجيش الوطني على اختلاف تسمياتهم يكنون العداء لكل ما هو كوردي، فمن يقتل الكوردي لأنه كوردي لا يمكن أن يكون صديقاً للكورد أبداً مهما حاول ووضع المخططات.