سالم سراج
لا يكاد يمر يوم دون أن تشهد المناطق التي تسـ ـيطر عليها القـ ـوات التـ ـركية والفصـ ـائل المـ ـوالية لها في شمال وشمال غرب سوريا، صـ ـراعات وخـ ـلافات بين الفصـ ـائل تصل في غالب الأحيان إلى اقتـ ـتال داخلي.
معلم الخلافات والاقتتالات بين الفصائل المسلحة تكون غالباً جراء صراع على مناطق النفوذ والسيطرة، والغنائم وعائدات الضرائب والأتاوات. إلا أن الصراع الأكبر يبدو أنه الصراع على المعابر. وغالباً ما تكون صراعات مفتعلة من المخابرات التركية هدفها الأول والأخير أن تكون المعابر في أيدي أمينة تصب في الجيوب والبنوك التركية.
رغم كل محاولات تركيا لتلميع وتجميل نواياها في مسيرة تدخلها في سوريا منذ بدء الأزمة وحتى اليوم، والتي تبلورت في النهاية على شكل مناطق سيطرة واحتلال، ورغم الأسماء البراقة التي أطلقتها على عملياتها العسكرية للسيطرة على مناطق شمال سوريا، وكذلك الأسماء التي أطلقتها على الفصائل العسكرية الغير منضبطة، من قبيل الجيش الوطني وما إلى ذلك، لم تنجح في إخفاء نوايا وأطماع تركيا في السيطرة على ثروات ومقدرات المنطقة وتحقيق منفعة اقتصادية كبيرة.
لقد سبق لتركيا منذ بداية الأزمة أن ساعدت الفصائل المتناحرة على نهب وسرقة المعامل والمصانع في حلب ونقلها إلى تركيا حتى قبل سيطرة جيشها على بعض المناطق. واستمرت الأوضاع على ماهي عليه بعد السيطرة على المنطقة. إلا أن تركيا لا تفعل كل ذلك بشكل مباشر، بل عن طريق الفصائل المسلحة الموالية لها. وفي سبيل تحقيق ذلك فإنها لا تتوانى عن افتعال العديد من الخلافات والاشتباكات بين الفصائل لتعزيز أيدي بعضها على حساب البعض الآخر بحسب درجة موالاتها للمخابرات التركية.
المعابر، سواء أكانت تلك التي بين الحدود التركية وبين مناطق سيطرتها أو تلك التي تقع بين مناطق النفوذ داخل الأراضي السورية تعتبر مصدراً كبيراً للاقتصاد والأموال بالنسبة لتركيا، وهي أيضاً السبب وراء صراعات متكررة بين الفصائل بسبب العائدات الضخمة التي تدرّها.
تتوزع السيطرة على المعابر في الشمال السوري من حيث الظاهر بين منطقتي سيطرة تحت اسم “حكومة الإنقاذ” التي تديرها هيئة تحرير الشام، والحكومة السورية المؤقتة، وفي الحقيقة أن المعابر هي تحت سيطرة فصائل مسلحة تتبع مباشرة لتركيا التي تتحكم بكل عائدات المعابر.
فبحسب المصادر فإن المعابر الحدودية جميعها تخضع لإشراف مدير واحد، وتوضع الرسوم الجمركية المتحصلة منها في أحد البنوك التركية بعد خصم المصاريف التشغيلية للمعابر ورواتب الموظفين.
في الآونة الأخيرة بدأت تركيا بتنفيذ ما أسمته بـ “بإعادة هيكلة” للفصائل المسلحة ومناطق نفوذها، وتتضمن عملية الهيكلة تسليم المعابر الحدودية لما يسمى بالمجالس المحلية التي أنشأتها سابقاً في مناطق سيطرتها. إلا أن باطن الأمر يبدو مختلفاً.
خلال عام 2023 سعت “هيئة تحرير الشام” للسيطرة على العديد من المعابر الحدودية. الأمر الذي أثار مخاوف تركيا بفقدان السيطرة على مصدر مالي كبير، وربما تفجر المزيد من النزاعات المسلحة بين الفصائل. وعليه فإن تسليم المعابر إلى مجالس مدنية كانت خطة جديدة لإعادة السيطرة على المعابر.
ويقول مراقبون أن المخابرات التركية افتعلت بطريقة ما صراعاً دامياً بين كل من فصيل العمشات وفصيل السلطان مراد، للسيطرة على المعابر، وصل إلى حد الاشتباك وتبادل القصف بالأسلحة الثقيلة، الأمر الذي استدعى بالضرورة تدخلاً تركيا، ولكن هذه المرأة عبر المجالس المحلية. إلا أن المجالس المحلية نفسها تم تشكيلها من قبل السلطات التركية التي وضعت عليها منسقين موالين لها تابعين لفصيل السلطان مراد.
تركيا استطاعت عبر افتعال اقتتال دام من تحقيق جملة مكاسب، منها تعزيز مشروعها المسمى بإعادة الهيكلة وتعزيز دور المجالس المحلية، وثانياً إعادة المعابر إلى حضنها عبر ذراعها الوفي المتمثل بالسلطان مراد وإنهاء سيطرة العمشات عليها بشكل كامل، مما يحقق لها مكسبها الأساسي وهو التحكم بتلك المعابر ووضع يدها على كل وارداتها.
قد لا يمضي وقت طويل حتى تعرف الفصـ ـائل المتـ ـناحرة إنها تعرضـ ـت لخـ ـديعة كبرى، قد تؤدي إلى اشـ ـتعال نزاعـ ـات أكبر واستمرار الاقتـ ـتال بين العمـ ـشات والسـ ـلطان مراد. ومن المعروف أن تـ ـركيا ستكون إلى جانب من يربح المـ ـعركة ما دامت عائـ ـدات المعـ ـابر تعود في النهاية إلى جيوبها وبنوكها، ولا يمهما سواء تحقق ذلك على يد العمـ ـشات أو على يد السـ ـلطان مراد، فعل ستستعيد العمـ ـشات قريباً المـ ـعابر التي خـ ـسرتها؟.
الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع