يوماً بعد يوم، تزداد الأوضاع الاقتصادية في مناطق سيـ ـطرة الحكومة السورية، تـ ـرديـ ـاً، في ظل ضـ ـعف إمكانيات الحكومة الاقتصادية وانتشار الفـ ـساد والمحسوبية بين مسؤوليها وضـ ـباطـ ـها وتحكم تجار الحـ ـرب باقتصاد البلاد، فضلاً عن القرارات الخـ ـاطـ ـئة التي تتخذها الحكومة والتي تعـ ـادي مصلحة المواطن في غالبها.
وتتعمق المعاناة المعيشية لأغلبية المواطنين في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الحكومة السورية، في ظل سياسة الحكومة الاقتصادية العاجزة عن كبح ارتفاع الأسعار واتساع الفجوة بين الدخل والإنفاق، على شكل أشبه بتسونامي عنيف، أدى إلى تفاقم الانهيار في الوضع المعيشي لفئات واسعة من السوريين الذين يعيش نحو 90 في المائة منهم تحت خط الفقر.
فالقرارات التي تتخذها الحكومة السورية تكاد تكون معادية للمواطنين ومراعية لمصالح تجار الحرب والأزمة، حيث أعلنت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك التابعة للحكومة منتصف شهر شباط، رفع سعر لتر البنزين “أوكتان 90” إلى 11 ألف ليرة سورية، وسعر لتر البنزين “أوكتان 95” إلى أكثر من 14 ألفاً و100 ليرة، بينما رفعت سعر لتر مادة المازوت الحر إلى 12290 ليرة سورية.
وإلى جانب رفع أسعار المحروقات، أصدرت وزارة الكهرباء قراراً جديداً برفع تعرفة الكهرباء المخصصة لأغراض الاستخدام المنزلي والأغراض التجارية، وشمل الرفع كافة الشرائح، وذلك بعد أسابيع من رفع الدعم عن الكثير من السلع والمواد الغذائية.
وتثير الحكومة السورية الجدل بقراراتها المتعلقة بأسعار المواد الغذائية والبترولية، وكل ما يتعلّق بالقطاعات الخدمية، وأكثر تلك القرارات التي أثارت استياءً كبيراً بين المواطنين وخاصة في مناطق سيطرتها، الرفع المتكرر لأسعار المحروقات، كونها تؤدي إلى ارتفاع جميع السلع والخدمات المرتبطة بها، حيث تم رفع أسعار المحروقات ثلاث مرات منذ بداية العام الجاري.
ولا يقتصر الأمر على رفع الأسعار، بل تواصل الحكومة ومسؤولوها فرض الضرائب على أصحاب المعامل والشركات، ففي مدينة حلب مثلاً يواصل فرع الخطيب في العاصمة دمشق التابع لإدارة المخابرات العامة والمعروف بـ “الفرع 251” عبر فرعه الجديد الذي افتتحه في حلب عام 2021، بفرض ضرائب كبيرة على أصحاب المحال وتهديد من لا يدفع بالاعتقال وإغلاق المحل ما دفع الكثيرين بإغلاق محلاتهم في ظل ضعف الحركة الشرائية مع تدني قدرة المواطنين وتركيزهم على مستلزمات الحياة الأساسية طعام وأدوية ضرورية.
وإلى جانب ذلك، رفعت الحكومة أسعار الأدوية مؤخراً وعلى دفعتين وبلغت الزيادة في بعض أصناف الأدوية 170 % وهذا ما زاد الأعباء على كاهل المواطنين.
ورغم محاولة الحكومة السورية رفع أجور الموظفين ولكنها حتى مع الزيادة الأخيرة مطلع العام الجاري، بالكاد أوصلت راتب الموظف إلى 20 دولاراً في الشهر، وهذا الراتب لا يكفي لشراء المستلزمات الأساسية التي تبقي الفرد على قيد الحياة.
فالزيادة الأخيرة على الرواتب ترافقت مباشرة مع رفع أسعار الخبز المدعوم للضعف بشكل رسمي، وهذا ليس بجديد، فهو بمثابة تصوير حي للمسرحية الهزلية السوداء التي تسمى زيادة على الأجور، ففي كل الدول يفرح الموظف بزيادة الراتب، إلّا في مناطق سيطرة الحكومة السورية فإن الأمر على العكس من ذلك تماماً.
فقد أثارت الزيادة الأخيرة على الأجور مخاوف المواطنين كالعادة، خاصة أنها تعتبر مقدمة لزيادات جديدة على أسعار المواد الأساسية وغير الأساسية، كما حصل في السابق، أو لمزيد من التخفيض الحكومي على الدعم وصولاً لإنهائه بشكل كلي، كما هو واضح من مسيرة السياسات الليبرالية المطبقة التي انتهجتها الحكومة، خاصة سياسة تخفيض الإنفاق العام التي ولّدت الكثير مع الموبقات، إضافة لمنهجية التجويع والإذلال المتبعة.
فالزيادة الأخيرة كانت الثانية في أقل من عام، حيث صدرت الزيادة التي قبلها بتاريخ آب 2023، وبنسبة زيادة على الأجور 100%، ولكن على الرغم من تقارب مواعيد صدور الزيادتين، إلا أنها لم تكن كافية لتغطية ولو جزء بسيط من متغيرات الأسعار وتكاليف المعيشة، فهي لم تُفرح السوريين ولم تُفرّج عليهم.
فماذا يفعل راتب الموظف والذي يبلغ 280 ألف ليرة في الأسواق، وهل هذا المبلغ يمكن أن يقال عنه أجر؟ فأصحاب الأجور الهزيلة سلفاً، والمواطنون عموماً، تزداد خساراتهم يومياً مقابل استعار الأسعار، ومعدلات التضخم التي تبتلع أجورهم كما تبتلع تعبهم، فالزيادات على الأجور لم تكن يوماً إلا بوابة للمزيد من قضم تعب وجهد السوريين، سواء كان ذلك على أيدي الحكومة والرسميين، أو على أيدي كبار أصحاب الأرباح.