علي حواس
يسـ ـيطر الجمود على محادثات التطبيع مع الحكومة السورية بين أطراف مسار التطبيع الأربعة سوريا وتركيا وإيران وروسيا، بعد أن اصـ ـطدمت بسلسلة شروط طرحها كل طرف بغاية تثبيت نفوذه في سوريا.
منذ آخر اجتماع عقد على مستوى نواب وزراء الخارجية على هامش اجتماعات الدورة الـ20 لـ”مسار أستانا”، والتي عقدت في كازاخستان يومي 20 و21 يونيو 2023، يسود الجمود مباحثات مسار التطبيع بين تركيا وسوريا وبتدخل ورعاية روسية وإيرانية.
تركيا من جانبها تطرح جملة شروط علنية منها “تأمين الحدود وعودة اللاجئين ودستور جديد وانتخابات عامة. لكنها في الواقع تضمر العديد من الشروط بما يضمن تثبيت مصالحها وأطماعها في سوريا لأمد طويل، منها محاربة الإدارة الذاتية في شمال شرق البلاد، وتثبيت قواعدها العسكرية في المناطق الشمالية، وكذلك محاولة إضفاء الشرعية على الفصائل المسلحة التابعة لها وضمها إلى المنظومة الأمنية والعسكرية في سوريا.
وهذه الشروط المضمرة هي تحديداً ما يقلق الحكومة السورية التي اشترطت علناً انسحاب القوات التركية بشكل كامل، لكنها ضمناً لا تعترض على بقاء القواعد العسكرية التركية في إطار تجديد اتفاقية أضنة، مقابل قطع تركيا الدعم عن الفصائل الموالية لها وطرد الائتلاف وقيادات “الأخوان المسلمين”.
شرط انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية ينسجم مع الرغبة الإيرانية التي طالبت على لسان وزير خارجيتها حسين أمير عبداللهيان الذي قدم اقتراحاً خلال اجتماعات مشتركة بأن تتعهد أنقرة بإخراج قواتها من سوريا مقابل تعهد دمشق بمنع أي تعرض للأراضي التركية. وذكر أن الاقتراح المقدم لسوريا وتركيا يتضمن أن تكون روسيا وإيران ضامنتين للاتفاق، وأن تضع سوريا قواتها على الحدود مع تركيا.
وفي الوقت الذي يبدو أن الأطراف المعنية قد أهملت مسار التطبيع، ألا أن واقع الحال يظهر أنها تسعى جاهدة إلى تعزيز وتثبيت نفوذها وأوراقها.
إيران من جهتها تواصل تعزيز نفوذها في مناطق سورية مختلفة، وتستغل الحرب الإسرائيلية ضد حركة حماس في غزة، من أجل تحريك الفصائل الموالية لها وتأليبها على واشنطن من خلال استهداف متكرر للقوات الأمريكية في مناطق شرق الفرات.
تركيا تسابق الزمن في محاولة إعادة ترتيب مناطق نفوذها عبر “خطط” جديدة لتوحيد مناطق سيطرتها وإعادة هيكلة الفصائل العسكرية الموالية لها.
وتشمل التغييرات التي تسعى تركيا إلى تنفيذها إعادة هيكلة “الجيش الوطني” ضمن نطاق الفيالق ومحاولة تفكيك التحالف الذي تشكل حول “هيئة تحرير الشام” وضمها رسمياً ضمن “الجيش الوطني”. في مسعى واضح إلى تمويه “الهيئة” مع إبقائها تحت النفوذ التركي، نظراً لحاجة تركيا إليها في محادثات مستقبلية. فتركيا تريد الاحتفاظ “بالهيئة” وكذلك الفصائل التركمانية الموالية لها تحسباً لأي ورقة ضغط إيرانية.
إذاً مسار التطبيع دخل في الظاهر إلى حالة جمود، إلا أنه في الواقع مسار متواصل في مجرى آخر، وهو مجرى “مسار تثبيت النفوذ”.