في زيارته التي حصلت بعد نحو عقد من القطـ ـيعة مع مصر بسبب دعمه للإخـ ـوان المسـ ـلمين ومعـ ـاداته للسيسي، طلب الرئيس التركي من الرئيس المصري التوسط لدى الأسد من أجل تطبيع العلاقات مع دمشق في سبيل ضمان وقوف دمشق إلى جانبه في شـ ـن هجـ ـمات جديدة على شمال وشرق سوريا.
زيارة أردوغان، يوم الـ 14 من شباط الجاري إلى مصر، كانت الأولى منذ زيارته الأخيرة التي أجراها عام 2012 عندما كان رئيساً للوزراء، وذلك بسبب قطع العلاقات بين الطرفين على خلفية دعم أردوغان لجماعة الإخوان المسلمين التي حاولت وضع يدها على ثورات الربيع العربي بدءاً من تونس وصولاً إلى سوريا مروراً بليبيا ومصر.
حيث لم تكد تمر سوى شهور قليلة على سقوط الرئيس المصري حسني مبارك، حتى حضر أردوغان لمصر والتقى قائد المجلس العسكري الحاكم في مصر في ذلك الحين المشير حسين طنطاوي ورئيس الوزراء عصام شرف متعهدا بمزيد من التعاون بين مصر وتركيا ومشجعا للحراك الشعبي في ميادين مصر.
ومع تولي جماعة الإخوان المسلمين السلطة في مصر في عام 2012، بصدارة أغلبية البرلمان وانتخاب أحد قادتها، رئيس حزب الحرية والعدالة، محمد مرسي رئيسا لمصر، تكثفت الزيارات المتبادلة بين قادة البلدين؛ وعاد أردوغان، لمصر مجدداً في أيلول من نفس العام، وقدم دعماً لا محدود للنظام الجديد.
في الشهر ذاته زار مرسي تركيا والتقى أردوغان وعبد الله غل، وحضر جزء من فعاليات المؤتمر العام الثالث لحزب العدالة والتنمية بحضور رموز الحزب، وكان الملف السوري المسيطر على محادثات الجانبين.
وعقب الإطاحة بنظام جماعة الإخوان المسلمين عام 2013، على إثر مظاهرات شعبية، تبادل البلدان طرد السفراء، بعدما هاجم أردوغان السلطة في مصر، ووصفها بأنها “انقلاب على رئيس منتخب”، فيما اتهمت مصر تركيا بـ”تمويل الإرهابيين” بعدما فتحت أنقرة أبوابها للقيادات “الهاربة” من جماعة الإخوان المسلمين التي حظرتها السلطات المصرية.
ومع تولي الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي السلطة، انتقده أردوغان بشدة في عديد المناسبات قائلا إنه لن يقبل بأن يكون هناك اتصال مع السيسي أو حتى الجلوس مع مجرم قتل محمد مرسي.
واستمرت التجاذبات السياسية بين القاهرة وأنقرة خلال السنوات التالية، وحتى عام 2021 حينما تجاوبت القاهرة مع تصريحات وزارية تركية محبذة للتقارب، وعُقدت لقاءات على مستوى أجهزة المخابرات ثم على مستوى وكلاء وزارة الخارجية.
وهكذا استمرت العلاقة متوترة بين أردوغان والسيسي حتى جاءت المصافحة الشهيرة بينهما في قطر مع انطلاق كأس العالم هناك في تشرين أول 2022، ثم لقاءات مباشرة في عواصم أخرى لاحقاً، وما تبعه من إجراءات تقاربية متسارعة رغم بقاء نقاط اختلاف بين الجانبين.
وكان من أبرز هذه الإجراءات من الجانب التركي، تحجيم وسائل الإعلام المعارضة للنظام المصري المنطلقة من تركيا ومغادرة عدد من قيادات تلك المعارضة الإعلامية والسياسية تركيا لبلدان أخرى.
وعلى الرغم من أردوغان والسيسي تطرقا في المؤتمر الصحفي الذي أعقب لقاء الـ 14 من شباط الجاري، إلى الأوضاع في غزة، إلا أن الوضع السوري كان حاضراً وبقوة في الاجتماع.
وفي السياق، تشير المعلومات إلى أن أردوغان طلب من الرئيس السيسي التوسط لدى بشار الأسد، من أجل تطبيع العلاقات بين الطرفين، وذلك بعد الرفض الإيراني لدور الوساطة هذه، وانشغال روسيا بحربها ضد أوكرانيا.
ويريد أردوغان تحقيق مصالحة مع الأسد بأي شكل من الأشكال من أجل استكمال مخططه في سوريا بالوصول إلى حدود الميثاق الملي، حيث يريد أردوغان التطبيع مع الأسد وتقديم صفقة له تتضمن تسليم أجزاء من المناطق التي تسيطر عليها فصائله السورية في الشمال السوري وخصوصاً إدلب التي تؤرق روسيا والحكومة السورية، مقابل مشاركة قوات الحكومة السورية لتركيا في شن الهجمات على شمال وشرق سوريا، حيث يريد أردوغان الاستفادة من ضعف الحكومة السورية والأزمات التي تمر بها من أجل دفعها لقبول هذا العرض والذي ستستفيد منه دمشق في حالتين الأولى السيطرة على أجزاء جديدة من الأراضي الخاضعة لسيطرة الفصائل وثانيها توجيه ضربة للإدارة الذاتية التي تعتبر حتى الآن المشروع الأنجح في سوريا والذي ما زال قائماً ويزداد القبول به في الأوساط السورية لتلبيته متطلبات جميع المكونات في حرية الدين واللغة والثقافة والعمل السياسي.
كما تقول المعلومات أن الرئيس المصري سيزور سوريا في الشهر القادم للقاء بشار الأسد، حاملاً معه العرض الذي طرحه أردوغان.
هذا وكثفت تركيا مؤخراً من حركتها الدبلوماسية بين دول الجوار، بهدف الحصول على موافقات من أجل شن هجمات جديدة على شمال وشرق سوريا، بعد الرفض الذي لاقته من غالبية الدول العربية وأمريكا وروسيا خلال السنوات الماضية.