علي حواس
لم يكن استعداد الحـ ـزب الحـ ـاكم في تركيا ورئيسة أردوغـ ـان للمتاجرة بالمعـ ـارضة السـ ـورية، وكذلك المتاجرة بالأخـ ـوان المـ ـسلمين بشكل عام، أمراً حديث العهد. وعليه فإن قرار السـ ـلطات التـ ـركية الأخير بسحب أنقرة للجنسية التركية من القائم بأعمال مرشـ ـد الإخـ ـوان محــمود حسين وإبطـ ـال جواز سفره، لا يبدو أمراً مفاجئاً.
لطالما راهنت أنقرة منذ عقود على الوتر السني وعلى رأسه الأخوان المسلمين في تحقيق مشروعها الإقليمي والسعي إلى تحقيق زعامة إسلامية في المنطقة. وقد رفعت في سبيل ذلك شعارات الدفاع عن الأمة الإسلامية المظلومة والأخوة الإسلامية وغيرها من الشعارات. إلا أن استعداد أنقرة لبيع الأخوان المسلمين وكذلك بيع تفرعاته مما يسمى بالمعارضة السورية كانت بادية وواضحة بدلالة جملة من المعطيات منها زيارة الرئيس التركي أردوغان إلى مصر وما سبقها من تلميحات الاستعداد لإقامة أفضل العلاقات مع مصر، بعد سنوات من معاداة أردوغان لحكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، وتأكيده بأنه لن يعترف بحكمه، ووصفه بالانقلابي والدموي عقب إسقاط حكم الرئيس محمد مرسي الذي كان واجهةً للإخوان المسلمين. وكذلك التودد التركي للسعودية التي تصنف جماعة الإخوان المسلمين في لائحة المنظمات الإرهابية. يضاف إليها إيعازات تركية سابقة لقيادات الإخوان المسلمين المقيمة في تركيا بالحد من ظهورها الإعلامي من تركيا، وعدم الهجوم على دول المنطقة وأنظمتها، وبروز خلافات بين حكومة أردوغان والتنظيم الدولي للإخوان للمسلمين بسبب الإجراءات التي بدأت السلطات التركية تفرضها عليها، وعدم منح بعضها الجنسية التركية بعد أن وعدتهم بذلك. يضاف إليها أيضاً دعوات عدد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة، لتنصيف جماعات الإخوان المسلمين في قائمة المنظمات الإرهابية، فضلا عن أن دولاً عربية مثل السعودة و مصر والأردن والإمارات صنفت هذه الجماعات في قوائم الإرهاب الخاصة بها.
من الواضح أن فشل المشروع الإقليمي التركي الذي كان يصبو إلى إيصال الإخوان المسلمين إلى السلطة في بلدانهم، أدى إلى استنفاذ المهمة الموكلة لهؤلاء، وعليه فقد تحولوا إلى عبء على أردوغان. لذلك فإن أنقرة سوف تتخلى عن هؤلاء وتستخدمهم ورقة مساومة في أي فرصة إقليمية أو دولية تتاح لتركيا. وفي أفضل الأحوال سوف تستخدمهم مرتزقة لها للقتال نيابة عنها في حروبها ومشروعها القومي، كما حدث في سوريا.
ففي سوريا لم تتوانى تركيا في بيع فصائل المعارضة السورية المسلحة في صفقات واضحة المعالم بينها وبين الحكومة السورية وروسيا لتحقيق مكاسب معينة، كما حدث حين تنازلت عن المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة في كل من الغوطة ودرعا وحماه وحمص وغيرها، مقابل تمهيد الطريق أمام تركيا لاحتلال مناطق سورية أخرى مثل عفرين ورأس العين.
الأمر نفسه يكاد يتكرر الآن في ما يسمى بـ “بخفض التصعيد” حيث تعيش فصائل المعارضة هناك على شفا هاوية لا تدرك إنها قد تهوى فيها في أية لحظة حين تعرضها تركيا في سوق البيع سواء مع الحكومة السورية أو مع روسيا أو مع أية قوة أخرى مقابل مكاسب أخرى تفيدها في مشرعها القومي التوسعي في المنطقة.
إذاً ومع وصول البل إلى ذقن الأخوان المسلمين يصبح مصير تفرعاته من المعارضة السورية على شفا هاوية.
الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع