لا تنفك تركيا وإيران اللتان تحلمان بإعادة أمجـ ـاد بـ ـائدة، من استغلال الأوضـ ـاع المتـ ـأزمة في منطقة الشرق الأوسط لمـد نفـ ـوذهـ ـما في المنطقة للوصول إلى مخـ ـططاتهما حتى ولو كان ذلك على حساب من اعتمدوا عليهم في تثبيت مناطق سيـ ـطرتـ ـهم، وهذا ما بدأ يحصل مؤخراً مع روسيا، إذ يسعى الطرفان إلى تقلـ ـيص نفـ ـوذها بالاستفادة من المستـ ـنقع الذي وقـ ـعت فيه بأوكرانيا.
يبدو إن تركيا وإيران تتوجهان في ظل الأزمات المركبة التي تمر بها المنطقة لتشكيل حلف مشترك ضد روسيا في سوريا، بهدف تقليص نفوذها من أجل الوصول إلى المخططات التي وضعها الطرفان أمام أعينهما والتي تشكل سوريا أساسها.
فتركيا أردوغان، وضعت نصب أعينها استعادة أمجاد السلطنة العثمانية والعودة إلى حدود الدولة العثمانية وإن لم يكن فأقله الوصول إلى حدود الميثاق الملي الذي يضم أجزاء من سوريا والعراق، وهذا يبدو واضحاً جداً في الخرائط التي ينشرها أردوغان ومسؤولو حزبه وحديثه عن القرن التركي.
ولذلك لا بد لتركيا من تمكين سيطرتها في سوريا عبر السيطرة على تلك المناطق التي تراها جزءا من حدود دولتها والتي تضم حلب، والحسكة والرقة ودير الزور. وبالفعل تسيطر تركيا على أجزاء من هذه المناطق (جرابلس، الباب، عفرين، إعزاز) في ريف حلب، وتل أبيض في ريف الرقة ورأس العين في ريف الحسكة، ولكنها لا تريد الاكتفاء بتلك المناطق بل تريد السيطرة على مناطق جديدة ولكنها ترى في روسيا عقبة رئيسية أمامها خصوصاً في السيطرة على حلب.
وسبق أن كشف مسؤولون أتراك بينهم وزير الخارجية السابق تشاوش أوغلو، عندما كشف علانية رغبتهم في إدارة حلب بحجة إعادة اللاجئين السوريين بشكل آمن إلى بلادهم، والإدارة لا تكون إلا بالسيطرة عليها.
كما أن تركيا ترغب كثيراً في السيطرة على مناطق جديدة على طول حدودها مع سوريا وتستخدم قوات سوريا الديمقراطية حجة في ذلك رغم أن هذه القوات لم تعد موجودة في المنطقة الحدودية بناء على اتفاقها مع روسيا في تشرين الأول عام 2019، عندما انسحبت إلى عمق أكثر من 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية بعد اتفاق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتركي أردوغان عقب الهجمات التركية على رأس العين وتل أبيض. ولكن روسيا التي تدرك المطامع التركية وتدرك تماماً أن تركيا تريد تقليص نفوذها تقف بالضد من هذا المخطط التركي.
في حين أن إيران الساعية لتطبيق الهلال الشيعي الممتد من إيران عبر العراق إلى سوريا ومنها إلى لبنان، وبما أنها تسيطر على العراق عبر فصائلها الشيعية خصوصاً أن الشيعة يشكلون غالبية سكان العراق وهم يديرون الحكومة والجيش ويتحكمون بجميع مفاصل الحكم، لذلك فهي تريد السيطرة بذات الشكل على سوريا لإبقاء تحركاتها سرية في المنطقة، ووجود روسيا في سوريا وحصولها على امتيازات يقلل من فرص نجاح المخطط الإيراني خصوصاً أن إسرائيل تنسق مع روسيا في استهداف قيادات الحرس الثوري الإيراني في سوريا، وفي ظل تمركز القوات الروسية في الجنوب السوري وتقليل فرص إيران في شن الهجمات على إسرائيل.
وأمام هذا الوضع يريد الطرفان التركي والإيراني تشكيل حلف ضد التواجد الروسي، مستفيدين من المأزق الذي تعيشه موسكو بعد أن بدأت عملية عسكرية خاصة داخل أوكرانيا في 24 شباط عام 2022، ولذلك كثرت الزيارات المتبادلة بين الطرفين سواء زيارة الرئيس الإيراني مؤخراً إلى تركيا، أو الزيارات الأمنية السرية التي يجريها المسؤولون الأتراك إلى إيران والتواصل بينهما علناً تحن مسمى مناقشة وضع غزة.
فتركيا وإيران، تعتبران أن لهما الحق في السيطرة على سوريا، لأن كل منهما تعتبر سوريا امتداداً لها، كما تعتبرها بوابة لتحقيق مصالحها الأوسع في المنطقة، وتريد تركيا بشدة السيطرة على مناطق جديدة وترى في روسيا عائقاً أمامها، خصوصاً بعد أن أوقفت روسيا صفقة الحبوب الأوكرانية التي كانت تتم برعاية تركية، وبالتالي فهي مستعدة للتوافق مع أي طرف كان لإضعاف روسيا خصوصا ًبعد أن وافقت أمريكا على بيعها طائرات إف-16 لأن تركيا أولاً وأخيراً دولة في حلف الناتو وتعتبر روسيا عدوة للحلف ويجب التخلص منه بأي شكل من الأشكال مستقبلاً لضمان مصالحها، خصوصاً أن الدولتان تقفان على النقيض في العديد من المناطق التي تتدخل بها تركيا من سوريا إلى ليبيا وقره باغ ووصولاً إلى إفريقيا.
كما أن لإيران المصلحة ذاتها في إضعاف روسيا، خصوصاً أن الطرفان يحاولان فرض السيطرة على المناطق الساحلية السورية على البحر المتوسط، ففي الوقت الذي استأجرت فيه روسيا ميناء طرطوس، يجري الحديث عن تسليم الحكومة السورية محطة الحاويات في ميناء اللاذقية إلى إيران، وفق تقرير لصحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، حيث تساعد السيطرة الإيرانية على الميناء في نقل المعدات العسكرية والأسلحة والصواريخ عبره بعد أن كثفت إسرائيل من استهداف المطارات السورية وإخراجها عن الخدمة لأيام وأسابيع، وتكثيف أمريكا مؤخراً من استهدافها لشحنات ومستودعات الأسلحة والذخيرة التي تنقلها إيران إلى سوريا وخصوصاً في شرق سوريا وتحديداً في المناطق المقابلة لمعبر القائم مع العراق.