ذكرت مصادر استخباراتية أن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان زار دمشق سراً قبيل عقد الجولة الحادية والعشرين من اجتماعات آستانا حول سوريا وناقش أوضاع الجيش الوطني وهيئة تحرير الشام، فيما أظهر البيان الختامي لجولة آستانا أن المجتمعين اتفقوا على محاربة الإدارة الذاتية.
كشفت مصادر استخباراتية عن زيارة سرية أجراها وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الذي كان يشغل سابقاً منصب رئيس الاستخبارات التركية وصندوق أردوغان السري، إلى العاصمة السورية دمشق في السابع عشر من كانون الثاني الجاري، وألتقى كبار ضباط الأمن والجيش لدى الحكومة السورية بحضور ضباط روسيين.
وأشارت المصادر، أن فيدان ناقش خلال الاجتماع أوضاع فصائل الجيش الوطني، وكذلك الوضع الذي تعيشه الحكومة السورية وضعف الطرفين، وكشفت أن فيدان تقدم بعرض لضباط الحكومة السورية من أجل إجراء تسوية بين الطرفين (الحكومة والجيش الوطني).
وبحسب المصادر، فأن العرض تضمن عقد اتفاق بين الجيش الوطني وقوات الحكومة السورية بضمانة روسية تركية، على أن تتحول فصائل الجيش الوطني إلى قوة مقاتلة تعمل لصالح قوات الحكومة، شريطة أن يشترك الطرفان في الهجوم على مناطق الإدارة الذاتية.
موضحةً أن هذا الاجتماع كان اجتماعاً تحضيرياً للجولة الحادية والعشرين لسلسلة اجتماعات آستانا حول سوريا والتي تعقدها روسيا وتركيا وإيران بحضور وفد من الحكومة السورية والمعارضة الموالية لتركيا.
وجاء عرض فيدان هذا بعد أن تداولت وسائل إعلامية معلومات عن أن فيدان أكد ضرورة إنهاء العداوة بين الحكومة السورية والجيش الوطني وضرورة عقد اتفاق ومصالحة بينهما من أجل إيقاف المعارك في الجبهات وبأي شكل ترغبه الحكومة السورية شريطة اشتراك الحكومة السورية في مخطط تركيا الساعي للقضاء على الإدارة الذاتية، بعد أن فشلت مساعيها خلال الفترة الماضية بالحصول على ضوء أخضر من أجل شن هجمات برية جديدة عليها والسيطرة على مناطق أخرى من سوريا.
وأشارت المصادر الاستخباراتية، أن اللقاء ناقش أيضاً أوضاع الفصائل في مدينتي رأس العين وتل أبيض اللتان سيطرت عليهما تركيا في تشرين الأول عام 2019، والحديث عن نقل قيادي سابق في هيئة تحرير الشام إليها.
ولفتت المصادر، أن فيدان أعلن صراحة أن جيشهم موجود في هاتين المدينتين ولكنه غير قادر على فرض السيطرة على الفصائل هناك لعدم انضباطها وعدم جديتها وسعيها وراء المال، مشيراً أنهم يخططون لإرسال 3 آلاف عنصر انشقوا خلال الفترة الماضية من هيئة تحرير الشام إلى هاتين المدينتين من أجل فرض السيطرة على الفصائل الموجودة هناك.
وبحسب المعلومات التي كشفتها المصادر، فأن هذه المجموعة سيقودها المدعو أبو أحمد زكور، القيادي السابق في هيئة تحرير الشام والذي انشق عنها مصطحباً معه عدداً من قيادات هيئة تحرير الشام إلى مدينة إعزاز، حيث حاولت تحرير الشام قتل زكور في إعزاز وأرسلت قوات إلى هناك واشتبكت مع الموالين له، ولكن أبو أحمد زكور سلم نفسه للاستخبارات التركية.
وأكدت المصادر أن المدعو أحمد أبو زكور موجود لدى الاستخبارات التركية في أنقرة ريثما تكتمل خطة نقل العناصر البالغ عددهم 3 آلاف إلى مدينتي رأس العين وتل أبيض، بقيادة شقيقه المدعو أبو عمر.
ويقول المتابعون لأوضاع تحرير الشام وتركيا، أن هدف تركيا من نقل أحمد زكور إلى هاتين المدينتين وتسليمه 3 آلاف عنصر منشق من هيئة تحرير الشام هو الضغط على هيئة تحرير الشام من أجل قبول العرض التركي المقدم للحكومة السورية، وفي حال رفضها فأنها ستعمل عن طريق زكور على إضعاف الهيئة وتهيئة الحاضنة في المدينتين لاستقبال عائلات عناصر هيئة تحرير الشام الموجودين في إدلب في حال اتفاق دمشق وأنقرة على المخطط، حيث ستعمد تركيا على تسليم مناطق في إدلب للحكومة السورية كبادرة حسن نية تجاه المخطط الذي وضعته تركيا وتحاول جر الحكومة السورية للمشاركة فيه.
والملفت للانتباه أن الجولة الحادية والعشرين من آستانا والتي عقدت يومي 24 و 25 كانون الثاني الجاري، جاء بيانها الختامي بشكل يتناغم مع هذا المخطط، حيث اتفقت هذه الأطراف إلى الحفاظ على وقف إطلاق النار في منطقة خفض التصعيد بما ينسجم مع العرض التركي.
كما شن البيان الختامي لآستانا كعادته، الهجوم على الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، حتى أن البيان الختامي كشف وبشكل صريح بأن التطبيع بين أنقرة ودمشق ممكن عبر محاربة “الإرهاب” وهو المصطلح الذي تستخدمه تركيا في وصف قوات سوريا الديمقراطية، وأيضاً الوصف الذي تستخدمه الحكومة السورية في وصف تحرير الشام وفصائل الجيش الوطني.
ولكن المخطط الذي وضعته تركيا يصطدم بالوجود الأمريكي في شمال وشرق سوريا، لأن قوات الحكومة السورية حتى وإن استخدمت فصائل الجيش الوطني كرأس حربة في الهجوم على مناطق الإدارة الذاتية سيلاقي الرفض من قبل الجانب الأمريكي، ولذلك جرى تكليف إيران في الجولة الأخيرة من آستانا بتكثيف استهداف القواعد الأمريكية في المنطقة من أجل حملها على الرحيل كي يصبح الباب مفتوحاً أمام تطبيق هذا المخطط.
وكاستمرار لهذا المخطط، ستواصل تركيا ضرب البنية التحتية في شمال وشرق سوريا من أجل القضاء على مقومات الحياة فيها، بهدف الضغط على أهالي المنطقة للخروج على الإدارة الذاتية أو هجرة المنطقة تفريغها من سكانها، ومقابل ذلك ستستمر روسيا بالصمت حيال الهجمات التركية على شمال وشرق سوريا ومراعاة مصالحها في أوكرانيا واستمرار التنسيق بينهما في الالتفاف على العقوبات الأمريكية والغربية المفروضة على روسيا، علاوة على أن روسيا ترى في الهجمات التركية ضغطاً على الإدارة الذاتية لدفعها من أجل تقديم التنازلات للحكومة السورية بعيداً عن تركيا لأنها ترى بأن تركيا أولاً وأخيراً هي جزء من حلف الناتو الذي يقاتلها.
فيما ستنحصر مهمة الحكومة السورية قبل تطبيق المخطط، بالاستمرار في التحريض الطائفي ضد الكورد وقوات سوريا الديمقراطية، من بوابة دير الزور عبر إرسال مسلحيها والموالين لها من أجل خلف الفتن في المنطقة واللعب على الوتر الطائفي فيها.
وتسعى تركيا بكل ما تملكه من أوراق بأيديها، لعقد صفقة جديدة مع روسيا وإيران تضمن مشاركة الحكومة السورية إلى جانبها في الحرب ضد الإدارة الذاتية، وهي مستعدة للتخلي عن مدينة إدلب والجيش الوطني وتسليم كافة المعابر للحكومة السورية مقابل ضمان مشاركتها إلى جانبها في القضاء على الإدارة الذاتية، ودوماً ما تذكر تركيا بالاتفاقات السابقة التي عقدتها مع روسيا في هذا السياق مثل تسليم حلب والغوطة الشرقية وأرياف حلب وإدلب وحماة واللاذقية للحكومة السورية عبر صفقات مشاركة.