إن الدعـ ـوى القـ ـضـ ـائية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضـ ـد إسرائيل بسـ ـبب ما تـ ـرتـ ـكـ ـبه من فـ ـظائـ ـع في غزة، أسقطت ورقة التوت التي كان يتغطى بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يرى نفسه “سلـ ـطان المسـ ـلمـ ـين”، في حين أن مواقع إسرائيلية كانت قد كشفت سابقاً الدعم التركي للجيش الإسرائيلي في هجـ ـماتـ ـه على غزة.
في التاسع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر العام الماضي، رفعت جنوب إفريقيا دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية، تتهم فيها إسرائيل بارتكاب “جرائم إبادة جماعية” في قطاع غزة الذي يتعرض لهجمات إسرائيلية شرسة منذ 104 أيام.
وبدأت أولى جلسات المحاكمة في إطار هذه القضية الخميس، واستمعت المحكمة إلى مرافعات جنوب إفريقيا.
رفع الدعوى جاء بعد أن علقت جنوب إفريقيا في الحادي والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر العام الماضي علاقاتها مع إسرائيل، احتجاجاً على هجماتها في غزة، وسبق ذلك استدعاؤها سفير تل أبيب لديها، للتشاور بشأن الهجمات على الهجمات.
وقال رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا في كلمة أمام حزب المؤتمر الوطني الإفريقي إن هدف بلاده من فتح دعوى قضائية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، هو وقف الإبادة الجماعية في قطاع غزة.
وبشأن ما قد تتعرض له بلاده بسبب القضية، أوضح الرئيس رامافوزا أن “الخطوة التي اتخذناها محفوفة بالمخاطر، نحن بلد صغير ولدينا اقتصاد صغير قد يهاجموننا، لكننا سنظل متمسكين بمبادئنا”.
جنوب إفريقيا تسقط ورقة التوت عن أردوغان
إن هذه الدعوى القضائية التي رفعتها جنوب إفريقيا والتي يقودها رجل مسيحي، أسقطت ورقة التوت عن الكثير من رؤساء الدول الإسلامية والذين يتجارون بالدماء الفلسطينية ويخرجون أمام شعوبهم ويطلقون التهديد والوعيد ضد إسرائيل ولكنهم في السر يتواصلون مع إسرائيل ويقدمون لها الدعم الاستخباراتي ويواصلون تجارتهم معها.
وأكبر مثال على هؤلاء هو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يرى نفسه كـ “سلطان المسلمين”، حيث اعتاد أردوغان صعود المنابر الإعلامية وهو يرتدي “لفحة” تحمل العلم الفلسطيني، ويطلق التهديدات والوعيد تجاه إسرائيل، والمستمع لخطابه يظن وكأن أردوغان سيعلن من على تلك المنابر الحرب ضد إسرائيل ويرسل طائراته ومسيراته التي يفتخر بها لضرب الأهداف الإسرائيلية، ولكن هذا المستمع عندما يعود للأفعال يتأكد تماماً بأن الدموع التي يذرفها أردوغان على الفلسطينيين هي دموع تماسيح وأن خطاباته هي موجهة للداخل التركي من حاضنة الإخوان المسلمين الذين يتبعونه، فهو بهذه الخطابات يضحك على لحاهم من أجل إسكاتهم وإظهار نفسه بأنه “سلطان المسلمين”.
الدولة العثمانية وفلسطين…
إن الخيانة التركية للفلسطينيين ليست وليدة اليوم بل تمتد بجذورها إلى الدولة العثمانية التي كانت تسيطر على المنطقة العربية جمعاء، فبعدما خضعت السلطات العثمانية في نهاياتها، للقرارات البريطانية الهادفة إلى فتح باب الهجرة اليهودية إلى فلسطين وفتح أبواب التجارة واستملاك الأراضي بموافقة العثمانيين، بدأت المرحلة الأولى من تدفق اليهود إلى فلسطين.
وشهدت تلك المرحلة عمليات شراء الأراضي البور والمهجورة مقابل المال بموافقة العثمانيين، مما أتاح بتواجد نفوذ بريطاني إسرائيلي داخل فلسطين منذ حقبة عام 1841، لتبدأ مرحلة الاستيطان الإسرائيلي في فلسطين على يد اليهودي موسى مونتفيوري ومرحلة تأسيس سلسلة بنوك في المنطقة لتصبح مورداً اقتصادياً يهدف لتقوية التواجد الإسرائيلي بالمنطقة العربية وبالأخص فلسطين. ولم يقف مونتفيوري عند هذا الحد بل قام بإنشاء “مستوطنات زراعية” في الجليل ويافا ضمن مفهوم الاستثمار التجاري بموافقة ومباركة عثمانية.
وحصل مونتفيوري على فرمان عثماني آنذاك يسمح له شراء الأراضي لإقامة أول حي إسرائيلي سكني يخضع للإدارة والإشراف الإسرائيلي والذي عرف بحي مونتفيوري في القدس عام 1854 مما جعله يحصل على امتيازات اجنبية في فلسطين لتشهد فلسطين ارتفاع عدد اليهود المتواجدين بداخلها ليصل عددهم بعد إنشاء الحي إلى 12 ألف جراء الهجرة من الدول الغربية.
وخلال فترة حكم السلطان العثماني عبد الحميد الثاني شكلت الضربة القاضية للشعب الفلسطيني لأنها شهدت وبوضوح فتح الباب أمام التدخلات الإسرائيلية في فلسطين، وهنا برز دور زعيم “الحركة الصهيونية العالمية” تيودور هيرتزل الذي أقنع السلطان عبد الحميد بفتح الباب هجرة اليهود إلى فلسطين.
وشهدت تلك الحقبة جملة من المتغيرات، حيث نشطت الهجرة المتدفقة إلى فلسطين، وتشكلت في أوروبا المنظمة الصهيونية العالمية والصندوق القومي اليهودي، واللذين ساهما لإكمال مشوار الهجرة إلى فلسطين جراء شراء الأراضي وإقامة مستوطنات، وعلى الرغم من دراية السلطان عبد الحميد بهذه السياسات إلا أنه لم يحرك ساكناً، بل كان عبد الحميد يرتكب المجازر بحق العرب الذين ثاروا ضد احتلال العثمانيين لبلادهم.
وزاد الوضع سوءاً بانقلاب جمعية الاتحاد والترقي على السلطان عبد الحميد عام 1908، وإطاحتهم به واستيلائهم على مقاليد الحكم العثماني، حيث جعلت هذه الجمعية التي كان مؤسسوها من الماسونيين، الوجود اليهودي في فلسطين أمراً واقعاً عام 1910.
تركيا الحديثة وفلسطين…
وفي عام 1920 وقعت الدولة العثمانية على معاهدة “سيفر”، وتخلت عن فلسطين لصالح الانتداب البريطاني، وبناء على ذلك أعلنت بريطانيا الانتداب على فلسطين 1920، تمهيداً لتسليمها بشكل رسمي لليهود.
وكانت تركيا أول الدول المسلمة التي اعترفت بإسرائيل وذلك عام 1949 أي بعد أقل من عام واحد من إعلان قيام اسرائيل عام 1948.
وتركيا كانت حريصة على عقد اتفاقات وتفاهمات مع إسرائيل بعد اعترافها بها، لتبدأ مرحلة الزيارات السرية خصوصاً في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن جوريون الذي زار أنقرة سراً عام 1958 ولقاءه الرئيس التركي آنذاك عدنان مندريس، حيث تم عقد اتفاق على القواعد الأساسية للعلاقة التي ستقام بين الجانبين، وكانت ثمرة تلك الاتفاقات هجرة قرابة 34 ألف يهودي تركي إلى فلسطين، وبذلك ظهر الموقف التركي الداعم للمشروع اليهودي في فلسطين.
أردوغان يزور إسرائيل ويصافح شارون
وفي فترة حكم حزب العدالة والتنمية التركي الذي يقوده أردوغان، رفع الرئيس التركي عبد الله غل العلاقات التركية الإسرائيلية إلى مستويات غير مسبوقة.
فيما زار رئيس الحكومة حينها “رجب طيب أردوغان” عام 2005، إسرائيل ووقف على قبر هيرتزل، كما ترحم على ضحايا الهولوكوست وأضاء الشموع أمام النصب التذكاري لذكرى المحرقة، والتقى رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك ارئيل شارون ووضع يده في يده في وقت كانت فيه إسرائيل ترتكب المذابح في غزة والضفة الغربية، وتضاعف التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل في عهد اردوغان.
وضحت تركيا بغزة، وبالمطالبات الدولية لفك الحصار عنها، وأبرمت بعد عدة جولات من المفاوضات في عدد من المدن الأوروبية، اتفاقاً لتطبيع العلاقات مع إسرائيل عام 2016، بعد سنوات من التوتر في أعقاب قتل الكوماندوس الإسرائيلي 10 نشطاء أتراك كانوا على متن السفينة مرمرة التي كانت تسعى للوصول إلى قطاع غزة المحاصر في 2010، علماً أن العلاقات كانت مستمرة ولم تنقطع بل كانت تمر بمرحلة مد وجذر.
وفي اتفاقية التطبيع، وقعت تركيا على نص الاتفاقية الذي كتب في نهايته “القدس عاصمة إسرائيل وأنقرة عاصمة تركيا”.
وفجرت تصريحات السفير التركي الجميع حول عدم ممانعة بلاده نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، في مقابلة مع i24NEWS، في كانون الثاني 2017، على نحو ما قال: “يمكننا فقط أن نأمل في أن نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، الذي كشف الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، لن يضر باحتمالات السلام”. وأضاف السفير التركي “الأمر متروك لهم لإجراء حساباتهم”.
العلاقات العسكرية بين تركيا وإسرائيل
وبدأت المباحثات العسكرية بين تركيا وإسرائيل عام 1955 وشهد عام 1958 أول الخطوات الفعلية جراء عقد تدريبات بين القوتين وقامت تركيا بشراء صفقة أسلحة إسرائيلية عام 1974، وبعدها عينت تركيا مستشاراً عسكرياً في إسرائيل، وعمل الطرفان ضمن غرفة استخبارات موحدة لمراقبة الأوضاع القائمة في لبنان للقضاء على منظمة التحرير الفلسطينية.
وكانت الهجمة المشتركة الأولى والخيانة بحق الشعب الفلسطيني عام 1982 عندما اجتاحت إسرائيل لبنان، وتم التنسيق بين الطرفين على تحديد مواقع المقاومين في منظمة التحرير الفلسطينية والقوات الأرمينية المساندة لمنظمة التحرير.
وشهد عام 1996 الضربة القاضية بحق المقاومة الفلسطينية، جراء زيارة الرئيس التركي آنذاك سليمان ديميريل إلى إسرائيل والتي أعلن خلالها عن نتائج اجتماع نائب رئيس الاركان التركي تشيفك بير مع القادة العسكريين في إسرائيل لإتمام اتفاق تم بين الطرفين.
ومن بين بنود الاتفاق، تقدم إسرائيل لتركيا صوراً للأقمار الصناعية التجسسية عن مواقع الكورد في كل من سوريا والعراق وتركيا، وبالمقابل تقدم القوات التركية معلومات عن المقاومة الفلسطينية بهدف ضرب الجانبين.
ووقعت تركيا العديد من الاتفاقيات مع إسرائيل، من بينها اتفاقيات للتعاون في مجال الصناعات الدفاعية، وأخرى للتجارة الحرة. وفي عام 1998، أجرت قوات من البحرية التركية والإسرائيلية والأميركية مناورات مشتركة في البحر المتوسط، وتتولى إسرائيل الآن مهمة تحديث الدبابات والطائرات التركية.
وفي الحرب الأخيرة على غزة، أرسلت حكومة أردوغان آلاف الأطنان من الأغذية والخضروات إلى الإسرائيليين بعد أن تضررت زراعتهم بفعل الحرب، ولم يكتفي بذلك فقط، بل أرسلت الشركات التركية ألبسة تحافظ على حرارة الجسم للجنود الإسرائيليين كي يستطيعوا مواصلة قتال الفلسطينيين دون أن يتأثروا بانخفاض درجات الحرارة في فصل الشتاء.
بعد كل هذا يخرج أردوغان ويذرف الدموع على الفلسطينيين وأجداده هم من فتحوا الباب أمام الإسرائيليين للسيطرة على فلسطين وهو من يدعمها اقتصادياً ويرسل لها الشركات والاسمنت والحديد لبناء المستوطنات. وهو من أدان عمليات المقاومة الفلسطينية والتي أسفرت عن مقتل 11 إسرائيلياً في ربيع 2022 خلال اتصال هاتفي مع نظيره الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، حيث أوضحت وسائل إعلام إسرائيلية من بينها صحيفة “يديعوت أحرنوت” أن أردوغان اتصل بهرتسوغ لتعزيته بمن أسماهم “الضحايا” الذين راحوا جراء العمليات “المقيتة” للفصائل الفلسطينية. وكما يقول المثل الشعبي “فعلاً.. إلي استحوا ماتوا”.