تتعدد المواضيع، التي يبحثها الرئيسان الأمريكي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين، خلال قمتهما المرتقبة في مدينة جنيف السويسرية.
ولكن الملف العربي الوحيد، الذي يحضر على الطاولة هو الأزمة السورية، فهناك قضايا أخرى ترتبط بالمنطقة بصورة قريبة أو بعيدة، لكنها لا تخص دولة عربية بعينها، كما هو حال سوريا.
لن يكون الوضع في سوريا على رأس عناوين القمة، ولكن طاولة الحوار لن تكتمل دونها، فهناك حاجة لتسوية الأزمة تمس الروس أكثر من الأمريكيين حتى الآن، وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن الرئيس الروسي سيذهب إلى جنيف مترجيًا لأي حل دون أي مقابل أو منفعة لبلاده.
لا نذيع سرًّا بالقول إن هذا البلد المتوسطي صار علامة للوجود الروسي في قلب الشرق الأوسط، وهذه تجربة لا تُفضّل الولايات المتحدة تكرارها في أي مكان آخر يعد منطقة نفوذ لها في القارتين الأفريقية والآسيوية.
لم تنته الحرب الباردة بعد، واللغة، التي تتمسك بها الولايات المتحدة وأوروبا في التعامل مع روسيا، تقول إن القلق الغربي من الدب الروسي لم يتبدد ولو قليلاً مع تفكك الاتحاد السوفييتي، وهو قلق له ما يبرره إذا استُدعيت أحداثٌ مثل ضم القرم في أوكرانيا، وشراء تركيا لمنظومة صواريخ (إس 400) الروسية.
النفوذ الروسي في سوريا يختصر كل شيء، يرتبط بأحلام الروس، وإن كان قرار مشاركتهم في الأحداث السورية عام 2015 جاء بضوء أخضر من إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما.. كل ما تلا ذلك التاريخ لم يقع على الولايات المتحدة بردا وسلاما كما يُقال.
الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تبنّى خيار تحجيم نفوذ روسيا في سوريا من خلال تعطيل حل الأزمة إلى أجل غير مسمى.
في هذا التعطيل المستمر حتى الآن تكمن رسالة واضحة بأن اليد الطولى في هذه الأزمة للولايات المتحدة، ودونها لن نرى لها نهاية.
استمرار هذا التعطيل يؤثر على النفوذ الروسي، لكنه لا يلغيه، يُحرج موسكو مع الحكومة السورية والأطراف الدولية المرتبطة بالأزمة في مواقف عديدة، لكنه لا يكفي ليرفع “بوتين” الراية البيضاء ويقبل بأي حل تريده واشنطن، خاصة مع استمرار الخلافات بين إيران وأمريكا من جهة، وتركيا وأمريكا من جهة أخرى.
التعطيل أيضًا يكرس احتمالية انقسام سوريا بين أمريكا وروسيا وإيران وتركيا، وهو أمر بات قابلا للملاحظة ببساطة، وبالتالي ليس من المستبعد أبدًا أن يتحول خيار التقسيم إلى “خيار وحيد” حال استعصى الاتفاق بين روسيا وأمريكا.
قبيل قمة بوتين وبايدن بأيام، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن الولايات المتحدة تدعم جماعات مسلحة في سوريا، وهو بهذا يقول إن بوابة الاتفاق حول الأزمة السورية تتمثل في وقف الدعم الأمريكي للأكراد وإعادة مناطق شرق الفرات لحكومة دمشق قبل الدفع بالعملية السياسية في جنيف إلى الأمام.
لن تتحمس الولايات المتحدة لهذا العرض الروسي مهما قدمت موسكو من تعهدات لتنفيذه، كما أن واشنطن لن تقدم الخطوة الأولى في حل الأزمة إن لم تكن مضطرة لذلك، خاصة طالما أنها لم تتفق مع إيران في المفاوضات النووية، ولم تتفاهم مع تركيا في صفقة شراء منظومة الدفاع الصاروخية الروسية (إس 400).
الخيار الثاني هو إنجاز روسيا لكامل بنود العملية السياسية الانتقالية، التي ينص عليها القرار الأممي 2254، ثم يأتي التخلي الأمريكي عن سوريا عسكريا.
إنه طريق طويل يحتاج إلى كثير من التنازلات، ليس من روسيا فقط، وإنما من إيران وتركيا أيضا، والسؤال، هل تقبل هذه الدول الثلاث أن تكون المبادِرة في حل الأزمة؟
بعيدا عن خيارات استسلام طرف للآخر، يمكن أن تخرج قمة جنيف بخطوط عريضة لحل سياسي يمكن أن يُنفذ في المستقبل القريب عبر خطوات مشتركة ومنسقة من الطرفين.
إما هذا الخيار، وإلا سيفترق الزعيمان وكل منهما يعتقد بأن المرحلة المقبلة في سوريا لصالحه، وما عجز عنه الحوار يأتي به الزمن.
الوجود الروسي المحجّم في سوريا هو أفضل لواشنطن من الصدام مع موسكو، ولكن ما يبدو أنه قيد الاحتواء أو قابل للتحكم اليوم قد يُفلت غدًا.
لا تكفي عقوبات “قيصر” لوقف الخطط الروسية في سوريا للأبد، ولا تكفي أيضا للدفع بكل الأطراف الدولية المعنية بالأزمة هناك لحلها دون مقابل.
هذه القمة أرادها الروس أكثر بكثير من الأمريكيين، وهم اليوم مستعدون للعمل على تسوية كثير من نقاط الخلاف بينهما في الأزمة السورية، فإن لم تكن سوريا برمّتها خارج حسابات الرئيس “بايدن”، ولا ينوي تقديمها مكرُمةً لإيران مقابل إبرام اتفاق نووي جديد معها، فالفرصة كبيرة أمامه للتفاهم بشأنها مع “بوتين”.
الخطوات الفقيرة والقليلة، التي قامت بها إدارة بايدن في الأزمة السورية حتى الآن لا تبعث على التفاؤل أبداً، ولكن لا يوجد في التوتر الأمريكي الروسي ما يقطع الطريق على فرصة اتفاق الطرفين، ولو حتى على خطوط عامة توضع بحيز التنفيذ وفق جدولة زمنية تمتد لعام أو عامين، وتمنع تقسيم سوريا.
اختيرت مدينة جنيف بكل حياديتها لتحتضن قمة زعيمين، لم ولن يسهم حيادُ أيٍّ منهما في حل الأزمة السورية، ولا يوجد أمامهما أصلا رفاهية ممارسة الحياد في هذه الأزمة بشكل خاص، هذا ما سيردده السوريون وهم يتتبعون نتائج لقاء السادس عشر من يونيو 2021، ويحلمون بأن يكون الرئيس “بايدن” أكثر جدية من سلفه “ترامب” في إنهاء مأساتهم التي دخلت عقدها الثاني دون أي أمل يلوح لهم من بعيد.
بهاء العوام – شبكة العين الإخبارية