أحمد خليل
بات واضحاً أنَّ مصطلح «السيادة السورية» التي تستخدمها الحكومة السورية بين الحين والآخر وتُعلن عنها في القنوات الإعلامية التابعة لها لا تشمل كامل التراب السوري كما تدّعي، فحين يتعلق الأمر بمناطق شمال وشرق سوريا -المناطق التي تحكمها الإدارة الذاتية – والتي تؤكد في برامجها السياسية وغيرها أنها جزءٌ لا يتجزأ من التراب السوري إلا أنَّ هذه القنوات الإعلامية تقف موقف المتفرج ويُطبق عليها الصمت في كل هجومٍ تركي على المناطق الآنفة الذكر، ليتّضح بذلك ازدواجية «السيادة السورية» التي تُنادي بها الحكومة السورية وتضربها عرض الحائط وكأن هذه المناطق غير سورية.
من الواضح أن الهجمات التركية المتواصلة على مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، لاسيما الاستهدافات الجوية التي طالت بشكل رئيسي المنشآت الحيوية والمرافق الخدمية والتي بدأت منتصف ليلة الـ 19 من تشرين الثاني 2022، وما تبعها من هجوم جوي عنيف آخر في 5 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتلاه هجوم ثالث في أواخر ديسمبر / كانون الأول 2023 تهدف من خلالها إلى توسيع نطاق الاحتلال عبر الإضرار بالمدنيين والأعيان المدنية وتفريغ المنطقة من سكانها الأصليين وحملهم على النزوح القسريّ على غرار هجمات سابقة كما في عمليتي “غصن الزيتون ونبع السلام”.
وسبق أن أشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى رغبة بلاده في احتلال كامل الشمال السوري بعمق يتجاوز 30 كم حيث تدعي تركيا أن مناطق دير الزور والرقة وحلب وكامل الشريط الحدودي مع سوريا هي أراضي تركية، ومع هذه الأهداف المعلنة باقتطاع أراضي سورية وضمها لتركيا تواجه الإدارة الذاتية لوحدها المخطط الاستعماري وحتى أنها تعتبر صمام الأمان لعدم سقوط مدينة حلب مجدداً بيد تركيا، لكن صمت الحكومة يفسح المجال أمام تركيا للاستمرار في حلقتي الاحتلال والاستهدافات ضد المدنيين والبنى التحتية والمنشآت العامة والإضرار بسبل عيش السكان وتجويعهم لتوسيع نطاق الاحتلال.
يعتبر الاعتداء على أراضي دولة أخرى كما تفعلها تركيا ضد سوريا خرقاً للقانون الدولي، ورغم أن الاعتداءات التركية في مناطق شمال وشرق سوريا لم تسثتني قوات الحكومة السورية التي قتلت خلال الهجمات الجوية في العام 2022 (20) عنصراً من قواتها، إلا أن الموقف السوري وحليفها الأساسي روسيا كان متخاذلاً، فلم يكن هناك أي رد عسكري دفاعاً عن الأراضي السورية أو حتى رداً على الضحايا العسكريين من قواتها، أو أقله لم تكن هناك حتى بيانات تنديد بهذه الهجمات التي تطال الأراضي السورية ومقتل عناصر من قواتها على وسائل الإعلام التابعة لها التي التزمت الصمت المطبق رغم أنها تروج مراراً وتكراراً بشرعية الحكومة السورية على كامل سوريا، وذلك خلافاً للبيانات المنددة التي تصدرها وزارة الدفاع وتنقلها الوسائل الإعلامية تلك عندما يتعلق الأمر بالاعتداءات الإسرائيلية، إذ يتساءل السوريين على تنتهي السيادة السورية مع الهجمات التركية..؟!
وبدلاً من ذلك ذهبت هذه القنوات الإعلامية إلى كيل الاتهامات للإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية ونعتها بـ «الانفصالية» التي تسعى لتقسيم سوريا بالإضافة إلى اتهامها بسرقة النفط، علماً أن الإدارة الذاتية ترسل النفط إلى مناطق سيطرة الحكومة والمعارضة على حد سواء، كما أكدت مراراً أن النفط والثرواث الموجودة في سوريا هي ثرواث وطنية ملك لعموم الشعب السوري بدون استثناء ولا يمكن احتكارها كسائر الثروات الأخرى في سوريا واستمراراً لذلك هذه الأمور الاستراتيجية، وفي حال تم الاتفاق السياسي مع دمشق سيتم توزيع هذه الثروات بموجب اتفاقيات وتفاهمات وضمانات على عموم الشعب السوري.
وسبق أن أطلقت الإدارة الذاتية نداءات متكررة وطرحت خارطة للحل لجميع الأطراف المعنية بهدف وقف نزيف الدم في سوريا ودعوتها المستمرة للحوار لحل الأزمة السورية سياسياً بعد أن أثبتت كل هذه السنوات فشل المنطق العسكري التي اتبتعها الحكومة والمعارضة المحسوبة على تركيا، إلا أنه بات واضحاً أن الحكومة السورية لا ترغب بحل الأزمة سياسياً بل تصر على إطالة الصراع الذي أنهك جميع السوريين.
ليس بالضرورة أن تعبر المقال عن رأي الموقع