تعرضت مناطق شمال وشرق سوريا في شهري تشرين الأول وكانون الأول من العام الفائت، لهجمات مكثفة من قبل تركيا التي استخدمت الطائرات الحربية والمسيرة بشكل خاص في الهجومين اللذين استهدفا البنية التحتية من محطات مياه وكهرباء ونفط وصوامع حبوب ومشافي ومدارس ومنشآت خدمية أخرى عامة ومدنية.
وطيلة العام الفائت، شنت تركيا والفصائل التابعة لها هجمات موسعة على شمال وشرق سوريا، بدأت من المالكية في أقصى شمال وشرق سوريا، وامتدت إلى منبج والشهباء وعفرين مروراً بالقامشلي وبتل تمر وعين عيسى وكوباني.
حيث شنت تركيا والفصائل التابعة لها خلال عام 2023، نحو 800 هجوم متنوع على شمال وشرق سوريا، بينها نحو 575 هجوماً بالأسلحة الثقيلة من مدافع ودبابات وقذائف هاون، وأكثر من 100 هجوم بالطائرات المسيرة والحربية، فضلاً عن عشرات محاولات التسلل وزرع الألغام”.
وتسببت هذه الهجمات، بفقدان أكثر من 40 مواطن لحياته بينهم 11 طفلاً وإصابة 83 مواطناً آخرين بينهم 5 أطفال.
وبلغ عدد المنشآت المدنية ومراكز البُنى التحتية من نفط وغاز وكهرباء ومياه ومشافي ومراكز طبية، /74/ منها ” 18 منشأة للنفط والغاز، 7 محطات للكهرباء، مدرستين، 4 مشافي ومراكز صحية، و5 محطات ومنشآت مياه شرب، و10 منشآت خدمية من صوامع حبوب وشركات وورش تصليح السيارات، ومعامل ومصانع ومطبعة “مطبعة سيماف”.
والمعروف أن تركيا شنت عدواناً على الأراضي السورية في تشرين الأول من عام 2019، وسيطرت فيها على مدينتي رأس العين وتل أبيض، وحينها تدخلت أمريكا في البداية وروسيا لاحقاً لإيقاف الهجمات التركية، حيث أبرم الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب أردوغان اتفاقية وقف إطلاق نار.
وبموجب تلك الاتفاقية توصلت روسيا لاتفاقية مع قوات سوريا الديمقراطية للانسحاب من الشريط الحدودي إلى عمق 30 كيلومتراً لقطع الحجج والذرائع التركية، وأشرفت القوات الروسية حينها على عملية الانسحاب، حيث باتت المناطق المشمولة بالاتفاق خالية من قوات سوريا الديمقراطية.
كما تم بموجب الاتفاقية نشر قوات حرس الحدود السورية على طول الشريط الحدودي، حيث تنتشر تلك القوات في منطقة الشهباء وعفرين ومنبج ومن كوباني حتى المالكية، كما تتواجد نقاط مراقبة روسية في مناطق انتشار حرس الحدود.
ورغم أن قوات سوريا الديمقراطية لا تتواجد على الحدود وتم قطع جميع ذرائع تركيا لشن الهجمات على المنطقة، ولكن الأخيرة تهاجم بين الحين والآخر مناطق شمال وشرق سوريا بحجج وذرائع واهية ولا أساس لها من الصحة، ورغم أن روسيا هي طرف في اتفاقية وقف إطلاق النار إلا أنها لم توقف تركيا واكتفت بمشاهدة تركيا وهي تدمر مقدرات السوريين.
إن هجمات تركيا في عام 2023 تركزت على البنى التحتية التي تعتبر ملكاً لجميع السوريين، فالصوامع وآبار ومحطات تجميع النفط وشركات الكهرباء والمياه جميعها مؤسسات وطنية، وعلى اعتبار أن الحكومة السورية هي عضو في الأمم المتحدة، كان يجب عليها التحرك لوضع حد للهجمات التركية التي تعتبر وفق القانون الدولي جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، كونها استهدفت منشآت ومراكز تعتمد عليها حياة السكان.
إلا أن الحكومة السورية لم تحرك ساكناً من الناحية العسكرية، إذ لم ترد على الهجمات التركية، كما أنها لم تتحرك على الصعيد السياسي والدولي، إذ لم ترفع شكوى إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، حتى أنها لم تصدر أي بيان مندد بالهجمات التي استهدفت البنى التحتية، وكأن هذه البقعة لا تتبع الجغرافيا السورية، وعوضاً عن التنديد بعمليات القصف كانت تنشر الأخبار الكاذبة بأن النفط السوري يجري سرقته في وقت كان فيه جميع سكان المنطقة يشاهدون الطائرات التركية تقصف تلك الآبار ومحطات النفط التي كانت الحكومة في دمشق تقول إنه يجري سرقة النفط منها.
إن هذا الموقف المتخاذل للحكومة السورية اتجاه الهجمات التي تشنها تركيا على مناطق شمال وشرق سوريا، يشير إلى أمرين اثنين لا ثالث لهما، إما أن الحكومة السورية لم تعد ترى في هذه المناطق جزءاً من الجغرافيا السورية وعليه فأنها ليست معنية بما يجري فيها، أو أن هناك اتفاقات بينها وبين تركيا في إطار اجتماعات آستانا التي تجمع أيضاً روسيا وإيران معهما، وأن هذه الهجمات تحصل باتفاق بين الأطراف الأربعة من أجل الضغط على الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية للحصول على تنازلات منها من جهة ومن جهة أخرى تدمير اقتصاد المنطقة من أجل تأليب سكان المنطقة ضد الإدارة الذاتية بعد أن فشلت محاولات هذه الأطراف طيلة العام الفائت لخلق فتن بين مكونات المنطقة وتأليبها ضد قوات سوريا الديمقراطية وما جرى من محاولات في دير الزور خير دليل على ذلك.
والملفت للانتباه أن القوات التركية والفصائل الموالية لها قصفت في التاسع من كانون الأول/ديسمبر العام الفائت، بلدة نبل في ريف حلب والتي تعتبر معقلاً لقوات الحكومة السورية، بالمدفعية وقذائف الهاون، ما أدى لفقدان امرأتين وطفل لحياتهم وإصابة أكثر من 20 آخرين بجروح، ولكن رغم ذلك اكتفت الحكومة السورية بالصمت حيال الهجمات التركية.
إن صمت الحكومة السورية بات يشكل إشارة استفهام لدى السوريين، فهي من جهة تتشدق بالسيادة الوطنية ووحدة الأراضي السورية، ومن جهة أخرى تلتزم الصمت حيال هجمات تركيا والتي تعتبر انتهاكاً للقانون الدولي وبإمكان دمشق رفع شكاوى ودعاوى عليها في المحافل الدولية.
إن الحكومة السورية التي تصدر كل يوم بياناً بشأن الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، تلتزم الصمت حيال الهجمات التركية على أراضيها وما تفعله تركيا بحق شمال وشرق سوريا هو مشابه تماماً لما تفعله إسرائيل بحق الفلسطينيين، ولذلك فأن تلك البيانات التي تصدرها الحكومة حول غزة لن تلقى الاهتمام لدى أحد فمن لا يدافع عن سيادة بلاده لا يمكنه الدفاع عن الآخرين أيضاً.