في الوقت الذي يركز فيه التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، على الهـ ـزيمة الدائمة لتنـ ـظيم الـ ـدولـ ـة الإسـ ـلامـ ـية التي بدأ الحـ ـرب ضـ ـدها في صيف عام 2014، تشـ ـن تركيا الدولة العـ ـضو في حلف الناتو هجـ ـمات على البنى التحتية والمنشآت الاقتصادية في شمال وشرق سوريا، ما يؤثر على هدف القـ ـضاء على التنـ ـظيم الذي يتلقى الدعم من أطراف متعددة بينها تركيا.
خلال عام العام الماضي (2023) شنت تركيا هجومين عنيفين على مناطق شمال وشرق سوريا باستخدام الطائرات الحربية والمسيرة، الأولى كان في تشرين الأول والثاني في كانون الأول، والملفت للانتباه إن كلا الهجومين استهدفا البنى التحتية والمنشآت الحيوية والاقتصادية من مياه وكهرباء ومدارس والنفط والغاز وصوامع الحبوب.
هذه الهجمات جاءت بعد الجولة العشرين لاجتماع أستانا الذي عقد في 20 و21 حزيران 2023، حيث اتفق فيه رباعي استانا (تركيا، روسيا، إيران والحكومة السورية) على استهداف الإدارة الذاتية ومناطق شمال وشرق سوريا بشكل مشترك عبر مخططات مدروسة.
ولذلك حاولت الحكومة السورية وإيران خلق توترات وخلافات بين قوات سوريا الديمقراطية والعشائر العربية في دير الزور، بالتزامن مع تحريض تركيا وإعلامها ضد قسد وشنها لهجمات برية عبر فصائلها على قوات سوريا الديمقراطية باسم العرب السنة الذين يتعرضون للتمييز على يد تركيا نفسها والتي تدعم الفصائل التركمانية وتسعى لتصفية الفصائل العربية السنية رغم أنها تابعة لها.
فهدف إيران وتركيا وروسيا والحكومة السورية هو واحد يتمثل بإخراج الولايات المتحدة من المنطقة من أجل القضاء على الإدارة الذاتية والسيطرة على مصادر النفط والغاز، ولذلك تدعم هذه الأطراف بشكل أو آخر مختلف التنظيمات التي تشن الهجمات على شمال وشرق سوريا ومن بينها تنظيم الدولة الإسلامية.
فالحكومة السورية وإيران تقدمان الدعم للتنظيم وتسهلان مروره من مناطق سيطرته في عمق البادية السورية الخاضعة لسيطرة الحكومة إلى مناطق شمال وشرق سوريا عبر نهر الفرات. وفي هذا السياق كان المرصد السوري لحقوق الإنسان قد كشف خلال عام 2023 كيف أن إيران والحكومة السورية لعبتا دوراً كبيراً في تسهيل هجوم تنظيم الدولة على سجن الصناعة في مدينة الحسكة عام 2022 والذي يضم عناصر التنظيم المعتقلين وخصوصاً القادة منهم والذين يتعبرون خطيرين جداً.
ومن جانبها تأوي تركيا عناصر وقادة التنظيم في المناطق السورية الخاضعة لسيطرتها، ومنحتهم هويات مزيفة وأمنت الحماية لهم.
وقُتل زعيما التنظيم البارزين أبو بكر البغدادي في أكتوبر/تشرين الأول 2019 ثم أبو إبراهيم القرشي في فبراير/شباط 2022 على يد القوات الأميركية في محافظة إدلب شمال غرب سوريا وعلى بعد مئات الأمتار من نقاط المراقبة التركية.
كما قتل الزعيم الرابع للتنظيم أبو الحسين الحسيني القرشي أيضاً في إدلب شمال غرب سوريا، والمعروف أن إدلب تخضع لسيطرة تركيا وهيئة تحرير الشام.
كما اعتقلت قوات التحالف الدولي خلال الأعوام الماضية العديد من قادة التنظيم في المناطق السورية الخاضعة لسيطرة تركيا، إذ حولت تركيا أحد أحياء مدينة رأس العين إلى محمية للتنظيم وأغلقت جميع الطرق المؤدية إلى الحي بالكتل الخرسانية وتقوم بحمايتها بحواجز، وفي مدينة تل أبيض لا يختلف الوضع، إذ أن هذه المدينة تضم العديد من قادة التنظيم والذين يتمركزون بشكل خاص في بلدة سلوك، كما يتنشر عناصر التنظيم في بقية المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا.
وفي أول أيام العام الجديد، قامت فصائل الجيش الوطني بتهريب 7 عناصر وقياديين من تنظيم الدولة الإسلامية يحملون الجنسيتين العراقية والسعودية من إحدى السجون في بلدة الراعي الخاضعة لسيطرة تركيا.
والمعروف أن تنظيم الدولة الإسلامية ينشط بشكل خاص في المناطق التي تعيش اوضاعاً اقتصادية صعبة مستفيداً من الدعم المادي الذي يحصل عليه من دول مثل تركيا وقطر وإيران عبر الصفقات التي يعقدها مع هذه الأطراف لتنفيذ أجنداتها في المناطق التي ينتشر فيها.
وتركيا عندما تشن الهجمات على شمال وشرق سوريا فهي تستهدف البنى التحتية والمنشآت التي تقدم الخدمات وتوفر مصادر الدخل للمواطنين، وبالتالي تسعى لتفقير الشعب من أجل مساعدة تنظيم الدولة الإسلامية على استغلال هذه الظروف من أجل الترويج لأيديولوجيته، كما أن تركيا عندما تستهدف القوى الأمنية التي تتولى حماية المدن والبلدات فهي توفر الفرصة لحركة عناصر التنظيم في المنطقة وتساعد خلايا على زيادة نشاطها وإعادة تجميع صفوفها في ظل مواصلة التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية ملاحقتهم وتنفيذ العمليات الدقيقة والمركزة ضدهم.
ولكن رغم أن استهداف البنى التحتية والمنشآت والأعيان المدنية يعتبر وفق القانون الدولي جريمة حرب، إلا أن التحالف الدولي والولايات المتحدة ومجلس الأمن ما زالوا صامتين حيال الهجمات التركية على شمال وشرق سوريا.
وعليه فإذا كان هدف التحالف الدولي هو القضاء النهائي على تنظيم الدولة الإسلامية فعليه أولاً أن يوقف هجمات تركيا على قوات سوريا الديمقراطية التي تحارب التنظيم على الأرض وتنفذ العمليات ضده بشكل مستمر، كما عليها أن توقف هجمات تركيا على البنى التحتية والمنشآت الحيوية، فالتحالف الدولي يؤكد دوماً أن الحفاظ على استقرار المنطقة وتوفير سبل العيش للمواطنين هو الطريق الأساسي للقضاء على التنظيم. ولذا إن لم يقم التحالف الدولي والولايات المتحدة بشكل خاص على إيقاف الهجمات التركية على شمال وشرق سوريا فأنها لن تستطيع إلحاق الهزيمة الدائمة بالتنظيم وبالتالي فأنه لا معنى لوجودها في المنطقة.
فأي عمل من شأنه أن يساعد في عودة تنظيم الدولة الإسلامية يجب أن يكون مرفوضاً من التحالف الدولي الذي يضم أكثر من 84 دولة ومنظمة ومؤسسة دولية قدمت الكثير منذ عام 2014 للقضاء على التنظيم ولكنها لم تنجح في هذه المهمة حتى الآن بسبب الدعم التركي الصريح للتنظيم.
إن القضاء على التنظيم يستوجب أولاً وضع حد للهجمات التركية وفرض عقوبات قاسية عليها لإيوائها عناصر التنظيم في المناطق السورية الخاضعة لسيطرتها وكذلك التمويل الذي تحصل عليه عبر شركات وشخصيات تركية.