إن الأحـ ـداث الأخيرة التي شهدتها منطقة دير الزور ومحاولات خلق فتـ ـنة طائـ ـفية وقـ ـومية بين العشائر العربية وقوات سوريا الديمقراطية، كشفت الكثير عن مخـ ـططات تركيا والحكومة السورية وإيران ومن ورائهم روسيا لضـ ـرب استقرار المنطقة.
فهذه الأطراف الأربعة اتفقت في الجولة العشرين لمسلسل أستانا الذي عقد في أواخر حزيران من العام الجاري، على معاداة الإدارة الذاتية وكان ذلك جلياً من خلال بيانها الذي نعت الإدارة الذاتية بالانفصالية رغم أنها تؤكد دوماً أن مناطق شمال وشرق سوريا جزء لا يتجزأ من سوريا وهي تسعى للحفاظ على وحدة الأراضي السورية عبر التخلص من الاحتلالات. إلى جانب التهجم عليها تحت مسميات مختلفة بما يتناسب مع هدف كل طرف من أطراف أستانا.
وحاولت هذه الأطراف استغلال القرار الداخلي ضمن قوات سوريا الديمقراطية بعزل قائد مجلس دير الزور العسكري أحمد الخبيل الملقب بـ “أبو خولة” عن مهامه، من أجل الاصطياد في الماء العكر، من خلال الترويج لفتنة طائفية وتحريض العشائر العربية ضد قوات سوريا الديمقراطية، وإرسال موالين لها من الضفة الغربية لنهر الفرات وشن الهجمات من المناطق التي تسيطر عليها تركيا من الشمال السوري، تحت مسمى “جيش العشائر” الذي لا وجود له على أرض الواقع وتشكيل مجموعات من أجل جمع الأموال وتجنيد أفراد موالين لهذه الأطراف بهدف تشكيل ذلك الجيش الذي لم يتشكل خصوصاً أن قوات سوريا الديمقراطية تضم 70 % من المكون العربي.
تركيا حاولت اللعب تارة على الوتر الديني عبر إظهار نفسها داعمة للعرب السنّة وتارة على الوتر الطائفي عبر التظاهر بدعم العرب، ولكنها في الحقيقة تفعل عكس ما تقوله في المناطق الخاضعة لسيطرتها، فمن المعلوم أن تركيا تدعم الفصائل التركمانية ضمن الجيش الوطني وتهمل العرب السنة، وتعمل على تصفيتهم الواحد تلو الآخر، تارة باسم الدمج وتارة عبر هيئة تحرير الشام، وتقطع الدعم المادي عنهم، وتجري المقايضات عليهم مع الحكومة السورية، وتحاول تأمين مستقبل للفصائل التركمانية من خلال المصالحة مع الحكومة السورية على أن يتم تسليم الفصائل العربية السنية للحكومة السورية في أي اتفاق تطبيع مستقبلي.
منذ بداية الازمة السورية حاولت تركيا استغلال العرب السنة كمطية من أجل تحقيق أطماعها في سوريا، فتدخلت باسمهم في سوريا وسيطرت على أجزاء منها، وعندما سيطرت على تلك المناطق من خلال زج أبناء الشعب العربي في المعارك، سلمت تلك المناطق للفصائل التركمانية وعملت على إهمال الفصائل السنية وتصفيتها الواحدة تلو الأخرى وما تزال مستمرة في مخططها لتصفية العرب السنّة.
فهدف تركيا الأساسي في سوريا لم يكن إسقاط الحكومة السورية كما تدعي، بل كان القضاء على الكورد بأيدي العرب من أجل خلق عداوة دائمة بين هذين الشعبين اللذين يعيشان بشكل متداخل في الجغرافيا السورية، فإن لم يستمر لها احتلالها للأراضي السورية تكون قد خلقت فتنة بين الشعبين ستستمر لسنوات وسنوات.
وأيضاً سعت تركيا للسيطرة على الأراضي السورية وتقسيمها وتوطين التركمان فيها تمهيداً لسلخها عن سوريا، فالسوريون في لواء أسكندرون المحتل لهم تجربة مريرة مع تركيا التي عقدت الاتفاقات مع فرنسا في مطلع القرن العشرين حول اللواء السليب، شبيهة بالاتفاقات والمقايضات التي أجرتها مع روسيا وإيران من خلال أستانا في الأزمة السورية، وعندما سنحت لها الفرصة، نقلت الأتراك من الداخل التركي إلى لواء أسكندرون وأجرت فيه عملية تغيير ديموغرافي مشابهة تماماً لما تجريه الآن في مناطق الشمال السوري وخصوصاً عفرين وتل أبيض وجرابلس.
وما أن ضمنت توطين غالبية تركية في لواء أسكندرون أجرت استفتاءاً للانفصال عن سوريا وضم تلك البقعة من الجغرافية السورية لتركيا، وهي الآن تسعى لتطبيق ذات المخطط في الشمال السوري.
فتركيا هدفها هو الوصول إلى حدود ما تسميه الميثاق الملي الذي يضم أجزاء من حلب والحسكة والرقة ودير الزور، إلى جانب أجزاء من العراق وإقليم كوردستان العراق بما فيها الموصل وكركوك والسليمانية وأربيل ودهوك.
ولذلك نجد أن تركيا تتدخل في جميع هذه المناطق تارة باسم الدين وتارة باسم دعم العرب وتارة باسم حماية التركمان وهدفها الأساسي السيطرة على هذه المناطق التي تراها جزءاً من أراضيها وتحاول تطهيرها من سكانها العرب والكورد على حد سواء.
ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن التركية، فالكل في المنطقة العربية بات يدرك مخططات تركيا في السيطرة على البلدان العربية، فهذه الدولة العضو في حلف الناتو لا يهمها الإسلام، فلو كان الإسلام يهمها حقاً لكانت قد أغلقت آلاف بيوت الدعارة في إسطنبول وحدها، هذه البيوت التي تديرها الحكومة التركية بانتظام هي وسيلتها في الحصول على العملة الصعبة وخصوصاً الدولار من أجل تأمين تدخلها في البلدان العربية. ولو كان يهمها العرب السنة لما عقدت الاتفاقات مع موسكو وإيران من أجل تسليم المناطق السنية للحكومة السورية عبر اتفاقات استانا.
الجميع في العالم العربي بات يرى نفاق تركيا التي يتباكى رئيسها أردوغان على الفلسطينيين أمام وسائل الإعلام ويرسل أبنه بلال البواخر المليئة بالخضروات للإسرائيليين ويرسل ابنه وابن رئيس حكومته السابق بن علي يلدرم الألبسة الحرارية التي تحافظ على حرارة الجسم لجنود الجيش الإسرائيلي الذين يقصفون غزة من أجل توفير الحرارة اللازمة لأجسادهم كي لا تخر قواهم ولا يتوقفوا عن قصف غزة.