على مدار سنوات الصراع الدموي التي شهدتها سوريا نتيجة تدخّل أطراف إقليمية ودولية حاولت هذه الأطراف الادعاء بالبحث عن حلولٍ لأزمة السوريين عبر إطلاق تسمياتٍ مختلفة خاصة بعقد الاجتماعات فيما بينهم، ومن ضمنها سلسلة اجتماعات «أستانة» التي انطلقت جولتها الأولى مطلع عام 2017.
فعلى مدار 6 سنوات عقدت روسيا وتركيا وإيران عشرون اجتماعاً وفق صيغة أستانة تحت مسميات حل الأزمة السورية وإنهاء الصراع، ولكن في حقيقة الأمر عملت هذه الأطراف معاً على تقسيم سوريا وفقاً لمصالحها بحيث بدأ كل طرف بقتل السوريين وتهجيرهم من أرضهم وتوطين آخرين بدلاً منهم في مسعى وخطة ممنهجة لعملية التغيير الديمغرافي، كما فرضوا ثقافتهم ولغتهم أيضاً.
في العشرين والحادي والعشرين من حزيران العام الجاري، عقدت الجولة العشرين من سلسلة اجتماعات أستانا حول سوريا، وهذه المرة بحضور الحكومة السورية التي كانت غائبة طوال الجولات السابقة عنها، وظهر جليّاً في البنود العريضة للاجتماع الاتفاق مجدداً على وضع مناطق شمال وشرق سوريا والإدارة الذاتية في مرمى الاستهداف عبر إلصاق توصيفات بعيدة عن الحقيقة من قُبيل الانفصال وسرقة ثروات سوريا بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية وذلك لشرعنة المخطط الذي يحاك ضد المنطقة ومحاولة خلق رأي عام يناهض حكم الإدارة الذاتية.
وسنحت الفرصة لهذه الأطراف عندما بدأ مجلس دير الزور العسكري بعزل أحمد الخبيل الملقب بـ “أبو خولة” من قيادة المجلس بعد ضلوعه ومقربين منه في عمليات تهريب المخدرات وضرب أمن واستقرار المنطقة وإهانة العشائر العربية في المنطقة، حيث أرسلت هذه الأطراف مسلحيها على اختلاف مسمياتها لقتال قوات سوريا الديمقراطية تحت اسم “جيش أو قوات العشائر” رغم أن العشائر العربية بريئة من هذه المجاميع المسلحة التي نهبت وسلبت أملاك المواطنين والمؤسسات ووضعتها في قوارب ونقلتها إلى الضفة الغربية.
كما حاولت هذه الأطراف كعادتها اللعب على الوتر الطائفي والقومي والسعي لاستخدام العرب السنّة كورقة من أجل خلق فتنة عربية كوردية، لا يستفيد منها سوى الحكومة في دمشق والنظامين الإيراني والتركي والروسي الذين يريدون القضاء على العرب السنة عبر التشيّع والتتريك.
وقد أفشلت العشائر العربية وخاصة عشائر دير الزور محاولات هذه الأطراف في خلق فتنة عربية كوردية لعلمهم حول المخططات التي ستستهدفهم وتقضي على وجودهم في حال لو خسرت قسد المنطقة وأصبحت بيد رباعي أستانة، فالعشائر العربية تدرك عين اليقين أن هدف إيران هو نشر التشيّع في منطقة سنّية، من أجل ضمان حماية طريقها من إيران إلى لبنان والذي يمر عبر سوريا والعراق، وهم يرون كيف أن المراكز الإيرانية في الضفة الغربية لنهر الفرات تعمل على صهر أطفال العرب السنة وتحولهم إلى شيعة عبر الحسينيات والمراكز الثقافية التي افتتحتها ومن يرفض التشيّع يكون مصيره الهلاك.
كما تعلم العشائر العربية أنه وفي حال سيطرة قوات الحكومة السورية وروسيا على منطقتهم فسيكون مصيرهم الهلاك أيضاً حيث القتل والاعتقال والتعذيب إذ لا يزال هناك عشرات الآلاف من المُغيبين في السجون، كما أن المجازر التي ارتكبتها طائرات روسيا وقوات الحكومة السورية طيلة أكثر من عقد خير شاهدٍ على ذلك والتي لا تزال تواصل إجرامها بحق المدنيين السوريين.
ولا يختلف الأمر بالنسبة لتركيا التي كانت من إحدى أسباب تأزم أوضاع السوريين وكانت لها اليد الطولى في المقتلة السورية عبر ادعائها في بداية الأزمة بأنها حامي الحمى وأنها تعتبر مدن حماة وحمص وغيرها خطوط حمر لا يمكن لقوات الحكومة السورية تجاوزها، ليتضح للسوريين أنها مسرحية أرادت من خلالها تركيا تمكين التركمان المقربين منها والسيطرة على مناطق حدودية وذلك على حساب استغلال السوريين خدمة لنواياها الاستعمارية، كما لم يسلم اللاجئين السوريين المتواجدين في تركيا من هذه السياسة الخبيثة التي لطالما استخدمتهم حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم كورقة تلعب بها يميناً وشمالاً للوصول إلى مآربها.
في المحصلة يدرك السوريين وخاصةً العشائر العربية في شمال وشرق سوريا نوايا أطراف أستانة وباتوا على يقين وعلم أن هذه المخططات لن تكون يوماً من الأيام في مصلحتهم، بل كانت كوارث حلّت عليهم من كل حدب وصوب، فقد أذاقوا الشعب السوري بكافة أطيافه شتى أنواع العذاب والويلات، وتسببوا بقتل مئات الآلاف من السوريين وتشريد الملايين عن منازلهم بين لاجئين في دول الجوار ونازحين داخل المحافظات السورية، إذ لا يمكن لهم أن يجلبوا الديمقراطية أو الحرية لإدارة مناطقهم.