يسعى رباعي أستانا “روسيا، تركيا، إيران والحكومة السورية” لخلق الفتـ ـنة في مناطق شمال وشرق سوريا، انطلاقاً من بوابة دير الزور، حيث يعمل كل طرف من الأطراف الأربعة بطريقته لخلق فتـ ـنة بين العرب وقوات سوريا الديمقراطية علها تستطيع تمـ ـرير أجنـ ـداتها في المنطقة.
في العشرين والحادي والعشرين من حزيران العام الجاري، عقدت الجولة العشرين من سلسلة اجتماعات أستانا حول سورية، بعد أن انطلقت الجولة الأولى مطلع عام 2017. فعلى مدار 6 سنوات عملت روسيا وتركيا وإيران معاً على تقسيم سوريا وفقاً لمصالحها، فسيطر كل طرف على جزء من سوريا، فيما كان وفد الحكومة السورية طيلة 19 جولة شاهداً على توقيع اتفاقيات تقسيم البلاد في سبيل الحفاظ على السلطة في بلد لم يبقى سوى اسمه فقط مع تهجير نصف شعبها خارج البلاد وأكثر من 6 ملايين داخلياً وإجراء عمليات تغيير ديموغرافي كبيرة وعمليات توطين وبناء مستوطنات بما يخدم الأطراف المتدخلة في الأزمة سواء روسيا وإيران اللتان تدخلتا دعماً للحكومة في دمشق أو تركيا التي تدخلت طمعاً باحتلال سوريا وعندما لم يتحقق لها أرادت القضاء على الكورد في سوريا.
ولكن الجولة الأخيرة من أستانا تميزت بمساعي مكثفة سبقتها لتقريب وجهات النظر بين أنقرة ودمشق وجمعهما على طاولة اتفاقية أضنة الأمنية والاشتراك في معاداة الإدارة الذاتية، وهو ما كان واضحاً وجلياً في البيان الختامي لهذه الجولة.
وما أن انتهت الجولة حتى بدأ العمل على الأرض من أجل تشكيل خلايا ومجموعات ودعم أخرى موجودة في الضفة الغربية لنهر الفرات أو المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا في شمال سوريا من أجل ضرب أمن واستقرار شمال وشرق سوريا، واللعب على الوتر الطائفي والسعي لاستخدام العرب السنّة كورقة من أجل خلق فتنة عربية كوردية، لا يستفيد منها سوى الحكومة في دمشق والنظامين الإيراني والتركي اللذان يريدان القضاء على العرب عبر التشيّع والتتريك.
وسنحت الفرصة لهذه الأطراف عندما بدأ مجلس دير الزور العسكري بعزل أحمد الخبيل الملقب بـ “أبو خولة” من قيادة المجلس بعد ضلوعه ومقربين منه في عمليات تهريب المخدرات وضرب أمن واستقرار المنطقة وإهانة العشائر العربية في المنطقة، حيث أرسلت هذه الأطراف مسلحيها على اختلاف مسمياتها لقتال قوات سوريا الديمقراطية تحت اسم “جيش أو قوات العشائر” رغم أن العشائر العربية بريئة من هذه المجاميع المسلحة التي نهبت وسلبت أملاك المواطنين والمؤسسات ووضعتها في قوارب ونقلتها إلى الضفة الغربية.
وعلى مدار الأشهر الماضية، سعت هذه الأطراف لخلق الفتنة عبر بث السموم على وسائلها الإعلامية وإرسال المسلحين إلى من الضفة الغربية لنهر الفرات إلى مناطق شمال وشرق سوريا وهجمات فصائل تركيا على مناطق منبج وعين عيسى وتل تمر تحت اسم جيش العشائر، في محاولة بائسة لتحريض العرب على قوات سوريا الديمقراطية.
فيما تولت الحكومة السورية وإيران الدور الرئيسي في مساعي خلق الفتنة عبر تجنيد البعثيين في ريف دير الزور لشن الهجمات على قوات سوريا الديمقراطية، كما تواصلت هذه الأطراف مع خلايا تنظيم الدولة الإسلامية وعملت على تسهيل تحركاتها في المنطقة ونقلها إلى شمال وشرق سوريا وتأمين مكان الإيواء لها في منازل البعثيين وجعلها تشن الهجمات باسم جيش العشائر.
ولكن حتى الآن لم تفلح هذه الأطراف في مخططاتها التي تكشفت بشكل واضح وجلي بعد أحداث دير الزور ورفض أبناء الشعب العربي ليكونوا ضحية مخططات أطراف تريد هي القضاء على العرب أنفسهم.
فالعشائر العربية تدرك تماماً أن هدف إيران هو نشر التشيّع في منطقة سنّية، من أجل ضمان حماية طريقها من إيران إلى لبنان والذي يمر عبر سوريا والعراق، والكل يرى كيف أن المراكز الإيرانية في الضفة الغربية لنهر الفرات تعمل على صهر أطفال العرب السنة وتحولهم إلى شيعة عبر الحسينيات والمراكز الثقافية التي افتتحتها ومن يرفض التشيّع يكون مصيره الهلاك.
كما تسعى إيران لإخراج قوات التحالف الدولي وفي مقدمتها أمريكا من سوريا التي تقف ضد مشروعها بالسيطرة على سوريا والعراق ولبنان واليمن من أجل إقامة الهلال الشيعي، ولذلك تحاول استخدام العرب لتحقيق غايتها هذه، فالقوات الإيرانية المتمركزة في الضفة الغربية لنهر الفرات، عندما تطلق الصواريخ باتجاه قواعد التحالف الدولي، تختبئ بين منازل المدنيين وتطلق الصواريخ وتفر من المنطقة وتترك المدنيين عرضة للخطر، فهي تستخدم العرب السنّة في المنطقة كدروع بشرية من أجل تطبيق مخططاتها في المنطقة.
أما روسيا الساعية للسيطرة على خيرات سوريا واستولت على المطارات والموانئ وآبار النفط ومناجم الفوسفات فعلاً، تريد استكمال سيطرتها على خيرات المنطقة وأعينها على نفط دير الزور وغازها من أجل التحكم بأسعار الغاز عالمياً أكثر وأكثر، وتريد من خلال خلق الفتنة توجيه ضربة لأمريكا التي تقدم دعماً لا محدوداً لأوكرانيا في تصديها للهجمات الروسية التي بدأت منذ نحو 22 شهراً ولم تستطيع تحقيق تقدم ملحوظ فيها وتتعرض للاستنزاف فيها ما يجعلها عرضة للخسارة أمام حلف الناتو، وهي أيضاً تريد استغلال العرب لتحقيق أهدافها بالضغط على الولايات المتحدة من خلال جعل المناطق العربية ساحة تصفية حسابات بين الطرفين لن يدفع ثمنها سوى العرب وحدهم.
أما تركيا الساعية للقضاء على الكورد ومشروع الإدارة الذاتية فيها، فهي ترى في الدعم العربي لمشروع الإدارة الذاتية خطراً يهدد وجودها كون تركيا تتألف من الكورد والعرب والشركس واللاز والشيشان وغيرهم من القوميات التي إن اجتمعت معاً فهي تفوق الأتراك عدداً، ومنح هذه الشعوب حقوقها سيقضي على آمال زعيمها أردوغان بالسيطرة على الدول العربية تارة باسم الميثاق الملي والتي تضم أجزاء من سوريا بينها الحسكة ودير الزور والرقة وحلب، وتارة أخرى باسم الوطن الأزرق والتي تضم البلدان العربية الواقعة في حوض البحر الأبيض المتوسط، وبالتالي فهي تريد خلق فتنة كوردية عربية تستفيد هي وحدها منه.
أما حكومة دمشق، فما يهمها هو القضاء على الإدارة الذاتية وإعادة السيطرة على سوريا والعودة بالأمور إلى ما قبل عام 2011، من خلال التحكم بالثروات وحرمان السوريين منها والزج بكل من يطالب بحقوقه في السجون.
هذه الأطراف التي لا تزال حتى هذه اللحظة تستغل جميع الأمور وتضع المخططات معاً من أجل خلق فتنة بين قسد وأبناء منطقة دير الزور، وتلعب على الوتر القومي والطائفي عبر دعم أطراف ومجموعات تابعة لها ومن بينها تنظيم الدولة الإسلامية، في حال لو نجحت في دير الزور ستنقل الفتنة إلى مناطق أخرى من شمال وشرق سوريا، حتى وإن تطلب الأمر منها ضرب العرب السنة ببعضهم البعض.
إن هذه الأطراف الأربعة التي تجتمع في أستانا منذ عام 2017، لم تحقق شيئاً للسوريين الذين يعانون الأمرين، فهذا المسار الذي بدأ باقتراح روسي، بدأ على شكل مسار عسكري وأعاد سيطرة الحكومة السورية على مساحات واسعة من البلاد وقضى على الجيش الحر وحول من كانوا يسمون أنفسهم بالمعارضة السورية إلى مرتزقة لدى تركيا يحاربون من أجلها في ليبيا وقره باغ ومناطق مختلفة حول العالم.
والآن تريد القضاء على الأمل الوحيد المتبقي للسوريين، وهو مشروع الإدارة الذاتية الذي يتشارك فيه الكورد والعرب والسريان والأرمن والتركمان، وبدأ يلفت أنظار بقية السوريين، وما خطوات تحويل مقرات حزب البعث في السويداء مؤخراً إلى مؤسسات لخدمة المواطنين سوى الخطوة الأولى نحو تطبيق الإدارة الذاتية في بقية المناطق السورية والتي تضمن حقوق الجميع.