الهجرة.. صعود اليمين المتطرف والحكومات تتكاتف ضد المهاجرين غير الشرعيين
مع تزايد أعداد المهـ ـاجرين حول العالم، وحصول غالبية الدول على العدد الكافي من الأيدي العاملة الرخيصة والتي يجري تصنيفها كالعـ ـبيد في تلك البلدان، بدأ خطاب الكـ ـراهية يزداد تجاه المهـ ـاجرين، في حين بدأت الحكومات حول العالم بالتكاتف لإيقاف الهـ ـجرة حتى إشعار آخر عبر سن القوانين والعمل على إعادة المهـ ـاجرين إلى بلدانهم أو نقلهم إلى بلدان أفريقية حتى وقت الحاجة إليهم.
يطلق على أوروبا اسم القارة العجوز، لأن سكانها متقدمون في العمر ونسبة الولادات الجديدة لديهم تكون في أدنى النسب على مستوى العالم، ومن أجل تأمين الأيدي العاملة لها، تفتح الدول الأوروبية بين الحين والآخر باب الهجرة أمام شبان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وعندما تحصل على حاجتها، تسن القوانين التي تعاقب المهاجرين.
وبحسب تقارير الأمم المتحدة ومنظمة الهجرة، فأن أعداد المهاجرين حول العالم ارتفع من 84 مليون في عام 1970 إلى 281 مليون في 2020، وتوقفت لفترة من الزمن بسبب قيود جائحة كورونا ولكنها عادت وارتفعت منذ بداية عام 2022، أما الآن فيجري الحديث سياسات مشتركة حازمة ضد الهجرة بعد أن حصلت الدول الأوربية وكندا وأمريكا على حاجتها من الأيدي العاملة الرخيصة.
حيث بدأت في أوروبا الآن موجة صعود اليمين المتطرف وسيطرتها على الحكومات من باب العداء للمهاجرين مثل السويد وهولندا وإيطاليا، وكذلك سيكون الحال في دول أخرى مثل فرنسا خلال الفترة القادمة، حيث يزداد العداء للمهاجرين مع تفاقم الأزمة الاقتصادية حول العالم.
ولذلك بدأت حكومات العالم بالتكاتف ضد المهاجرين غير الشرعيين، وذلك للتضييق أكثر على المهاجرين غير الشرعيين، من خلال وصمهم ومعاملتهم بكراهية وازدراء في البلدان التي هاجروا إليها، إلى جانب فرض فرض المزيد من القيود على الهجرة غير الشرعية، إذ لا يتحمل المهاجرون مخاطر الهجرة غير الشرعية وحسب، بل يواجهون قرارات الحكومات حول العالم التي تزيد من صعوبة وصولهم إلى تلك البلدان ما يعرّضهم لمزيد من الأخطار.
فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان السباق بتهديد المهاجرين، عندما هدّد بإلقاء المهاجرين غير الشرعيين على أعتاب تركيا، في سياق محاولاته الالتحاق بالاتحاد الأوروبي والضغط عبر ورقة الهجرة غير الشرعية. وخلال الفترة الماضية كرر زعيم “حزب الله” حسن نصرالله أمراً شبيهاً، إذ لوّح بإرسال سفن لاجئين سوريين الى أوروبا كوسيلة ضغط، معتبراً أن “الدول الأوروبية ستأتي خاضعة الى بيروت وتقول له ماذا تريدون…”.
كما كشفت صحيفة philenews القبرصية عن رسالة وجهها وزير الداخلية اليوناني، إلى نظيره اللبناني، يقترح فيها اتخاذ إجراءات عملية للحد من تدفق المهاجرين الذين يغادرون من شواطئ لبنان. ومن بين الإجراءات المقترحة، توفير زوارق سريعة وتدريب الضباط اللبنانيين لإعاقة عمليات الهجرة. تبدو الرسالة أشبه باتخاذ مسار أكثر قسوة تجاه المهاجرين الذي يختارون لبنان لبدء رحلتهم، قسوة باتت تنتهجها كلّ حكومات الدول التي يمر بها هؤلاء ويذهبون إليها.
ويبدو أن الإجراءات التي اقترحها الجانب القبرصي، هي عرض مستميت لتقديم كل الوسائل الممكنة للبنان للحد من تدفق اللاجئين، إذ عرض الوزير القبرصي التبرع بستة قوارب سريعة تم شراؤها مسبقاً، منها اثنان بطول 12 متراً وبسرعة 12 عقدة، ومن المتوقع تسليمها في نهاية عام 2023، وأربعة قوارب بسرعة 30 عقدة، يُتوقع تسليمها بحلول نهاية عام 2024، بالإضافة إلى تدريب ثمانية أفراد من الجيش اللبناني في مجالات مراقبة وعمليات الإنقاذ، وستغطي قبرص جميع التكاليف.
كذلك، تتوجه ألمانيا الى فرض ضوابط أكثر صرامة لدخول المهاجرين غير الشرعيين بالتعاون مع تشيكيا وبولندا. تشكل هذه التحركات التي تنحوها غالبية الدول التي تستقبل اللاجئين، إلى تغيير سيزيد من معاناة المهاجرين.
إذ أعلنت وزيرة الداخلية الألمانية، نانسي فيزر، يوم 27 أيلول/ سبتمبر، أن بلادها ستفرض ضوابط جديدة على الحدود مع بولندا وجمهورية التشيك، بعد ارتفاع طلبات اللجوء، وستركز الإجراءات الجديدة على مهربي البشر الذين سهلوا مرور ربع المهاجرين الذين يدخلون ألمانيا.
ويبدو أن إعلان فيزر موجه إلى مهربي البشر، لكن الواقع يقول إن هذه التحركات ستؤثر بشكل أساسي على المهاجرين وفرص دخولهم إلى بلاد اللجوء.
وفي ليبيا، بدأ خفر السواحل الليبي بالتعاون مع إيطاليا وإسبانيا بملاحقة زوارق المهاجرين وإغراقها في البحر أو إعادة المهاجرين إلى البر الليبي والزج بهم في السجون، ففي الفترة الأخيرة اعتقل عشرات الشبان من شمال وشرق سوريا في ليبيا، حيث تقطعت بهم السبل وعادوا أدراجهم بعد أن خسروا أموالهم.
كما تناقش عدد من البلدان الأوروبية منها هولندا وبريطانيا، ترحيل اللاجئين إلى دولهم أو دولة أفريقية، أو وضعهم في مخيمات نائية أو إجبارهم على العمل في أعمال متدنية لا يرغب بها أحد.
وقال مكتب إحصاءات الاتحاد الأوروبي “يوروستات”، في تشرين الأول، إن عدد المهاجرين الذين رحلتهم دول الاتحاد الأوروبي ارتفع 29% في الربع الثاني من عام 2023، وأغلبهم جرى ترحيلهم من فرنسا وألمانيا، في الوقت الذي يحاول فيه التكتل السيطرة على الأعداد المرتفعة للوافدين,
ومن بين أكثر من 105 ألف شخص من غير مواطني التكتل صدرت لهم أوامر بمغادرة إحدى دول الاتحاد الأوروبي، تم ترحيل 26600 إلى دولة أخرى، بزيادة 29% مقارنة مع الربع الثاني من العام الماضي.
وقال “يوروستات” إن هذه الأرقام تشمل أشخاصًا أُعيدوا إلى دول أخرى في الاتحاد الأوروبي، لكن 76% ممن جرى ترحيلهم أُعيدوا إلى خارج حدود التكتل.
وجاء في بيانات يوروستات أن ألمانيا رحلت أكبر عدد من غير مواطني الاتحاد الأوروبي في ذلك الربع، بعد أن أعادت 3805 أفراد إلى دول أخرى، وتليها فرنسا التي رحلت 3005 أفراد والسويد التي رحلت 2690 فردًا.
وأبرم الاتحاد الأوروبي، مؤخراً اتفاقًا حول كيفية التعامل مع الهجرة غير الشرعية في ظل ارتفاع أعداد الوافدين على نحو استثنائي، متخذًا خطوة نحو إصلاح قواعد اللجوء والهجرة الخاصة بالتكتل.
يبدو أن الاتحاد الأوروبي الذي حصل على حاجته من العمالة الرخيصة، يتوجه إلى إيقاف الباب أمام المهاجرين غير الشرعيين في ظل وجود زيادة في أعدادهم، ولا يستبعد أن تجري إعادة تقييم للاجئين خصوصاً أنها منحت الجنسية لمنع قبل شروطها، في حين أن البعض لا زالوا يحصلون على إقامة لمدة عام واحد وهم مهددون بالطرد في أي لحظة عندما تنتهي مدة إقامتهم.