الحجج التي يسوقها المهاجرون.. شمال وشرق سوريا تستقبل السوريين من المناطق السورية الأخرى
إن المهـ ـاجرين من مناطق شمال وشرق سوريا، يسوقون العديد من الحـ ـجج لتبرير هجـ ـرتهم إلى خارج البلاد، منها حـ ـجج متعلقة بالوضع الاقتصادي وأخرى متعلقة بالوضع الأمـ ـني، ولكن حجـ ـجهم تختلف عن الواقع، إذ أصبحت مناطق شمال وشرق سوريا وجهة للسوريين من بقية المناطق لما تتوفر فيها من فرص عمل واستقرار أمـ ـني.
في ظل انخداع الفئة الشابة، بالحرب الخاصة التي يتعرضون لها من قبل الحكومة السورية وتركيا وإظهار أوروبا وكأنها جنة على وجه الأرض دون التطرق إلى العذاب الذي يقاسونه وعدد ساعات العمل الطويلة وتعرضهم للاستغلال، فأنهم يحاولون الفرار من مناطقهم والتوجه إلى دول الغرب بحجج وذرائع مختلفة.
ومن أولى الحجج التي يسوقها المهاجرون هو سوء الوضع الاقتصادي في المنطقة وعدم توفر فرص العمل، ولكن يتناسون أن من يعاني من وضع اقتصادي سيء لا يستطيع دفع عشرات الآلاف من الدولارات من أجل الوصول إلى أوروبا، فالشاب الواحد يضطر لدفع 7 آلاف دولار أمريكي للوصول إلى تركيا فقط، وفي طريق الهجرة للوصول إلى أوروبا يدفعون أيضاً مبالغ مشابهة، ومن يعاني من وضع اقتصادي سيء لا يمكنه تأمين هذا المبلغ.
وعوضاً عن دفع هذا المبلغ للمهربين من أجل الوصول إلى أوروبا، يستطيع الشاب البدء بمشروع صغير يستطيع من خلاله تأمين دخل لنفسه ولعائلته، كما يستطيع مجموعة من الشبان التشارك معاً والبدء بمشروع كبير يحققون فيها المنفعة لأنفسهم وللبلد الذي يعيشون فيه، ولكنهم عوضاً عن ذلك يدفعون تلك الأموال للمهربين من أجل الوصول إلى أوروبا حيث يتعرضون في الطريق للابتزاز وغالباً ما يخسرون تلك المبالغ ويعودون خالي الوفاض إلى منازلهم أو يموتون في طريق الهجرة، ثم يتحسر ذوهم عليهم ويندمون ساعة لا ينفع الندم.
وتأكيداً على أن الوضع الاقتصادي ليس سبب الهجرة، نرى أن مناطق شمال وشرق سوريا، باتت اليوم مقصداً للسوريين من بقية المناطق وخاصة المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، إذ يتوافد شهرياً العشرات من الشبان والرجال إلى المنطقة لتوفر فرص العمل فيها سواء في التجارة أو البناء أو الزراعة، فالزائر إلى أسواق القامشلي والحسكة يرى بشكل واضح العدد الكبير من سكان المناطق السورية الأخرى وهم يعملون في مشاريع مختلفة بالمنطقة، وبعضهم الذي جاء بدون رأس مال بات الآن يمتلك معامل لصناعة الألبسة ومصانع للحلويات والزعتر والمنظفات وصناعة الأبواب وغيرها الكثير من الصناعات.
حتى أن المنطقة أصبح وجهة للأدباء والشعراء والمعارضين السوريين الذين باتوا يرون حرية التعبير في هذه المناطق، وباتت مؤلفاتهم تطبع في شمال وشرق سوريا، علماً أنه لم يكن بإمكانهم طباعة سطر واحد خلال فترة تواجدهم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، ومن يزور حديقتي القراءة في مدينتي الحسكة والقامشلي يرى بشكل واضح هؤلاء الكتّاب والأدباء وهم يشاركون بشكل فعال في الأمسيات الثقافية والفنية ومعارض الكتاب التي تقام في المنطقة.
كما أن من يزور مناطق شمال وشرق سوريا، ويرى تطور البناء فيها وكذلك السيارات الحديثة التي تسير في شوارعها والمطاعم والحدائق التي افتتحت فيها، يتأكد بأن الوضع الاقتصادي أفضل بكثير من السنوات السابقة التي لم تكن تشهد حركة هجرة رغم ذلك، فالمنطقة في تطور مستمر والشركات تفتتح فيها على الدوام وتتوفر فيها فرص عمل كثيرة سواء كانت في القطاع الخاص أو العام.
أما الحجة الثانية التي يسوقها المهاجرون، هو الوضع الأمني غير المستقر، وكأن سلك طريق الهجرة عبر البحر والغابات والوقوع بأيدي شبكات تهريب البشر هو وضع مستقر ونتيجته مضمونة، فمن يسعى للهجرة يضع روحه على كفه كما يُقال بالعامية ويسلك دروباً خطيرة جداً تكون حياته فيها مهددة في كل لحظة بدءاً من التعرض لخطر إطلاق النار، أو الاعتقال والتعذيب على أيدي حراس الحدود أو الوقوع في أيدي شبكات تهريب البشر والتيه في صحراء افريقيا أو غابات أوروبا أو الغرق في البحر.
وتعتبر مناطق شمال وشرق سوريا هي أكثر المناطق استقراراً في سوريا، حيث تتواجد عشرات المنظمات الإنسانية الغربية على هذه البقعة الجغرافية من سوريا، علماً أن المدراء والمسؤولين في تلك المنظمات أجانب، فلو كان الوضع غير مستقر لما كان جاء شخص واحد إلى هذه المنطقة.
حتى أن من ينجح بالوصول إلى أوروبا تكون حياته معرضة للخطر سواء على يد المافيات أو أرباب العمل وعلى الطرقات وفي كل خطوة يخطوها، كون لا حقوق لهم في تلك البلدان مقارنة مع سكان تلك البلاد الأصليين. فضلاً عن أنهم يعملون في أعمال سوداء ومتدنية على سلم الاعتبارات الاجتماعية ولا يرضى بها سكان تلك البلدان، أما المثقف الذي كان يتكبر على مجتمعه فهو يرضى بالعمل في تلك الأعمال، فترى كثيراً من خريجي الجامعات الذين لا يرضون العمل في العمل بالمطاعم في مناطقهم، يتحولون إلى غاسلي الصحون ومنظفي المراحيض وجامعي القمامة في الدول الغربية.
إن الهجرة اليوم لا ترتبط بسوء الوضع المادي وعدم استقرار الوضع الأمني، بل باتت تقليداً اجتماعياً، وهذا هو السبب الأساسي، فالجار يرى أن جاره قد سافر وهو أيضاً يقلده ويحاول الوصول إلى أوروبا، وعندما يصل إلى هناك يرى أنه يعمل من أجل سلطات تلك البلدان، ففي كل خطوة يجب على المهاجر أن يدفع ضريبة للدول التي تستضيفه، وهو مجبر بالعمل ساعات طويلة جداً قد تصل أحياناً إلى 18 ساعة في اليوم، ولو كان قد عمل في بلده هكذا ساعات لاستطاع تحسين حياته بشكل أفضل بكثير.
ففي بلد مثل ألمانيا، يضطر الفرد للعمل في أكثر من عمل واحد ولساعات طويلة، وفي النهاية تأتي السلطات الألمانية وتفرض عليه ضرائب كبيرة تصل إلى نصف ما يتقاضاه وهو مجبر على دفع الضريبة لأنه إن لم يدفع سيتم إلقاءه خارج الحدود.
أما من يهرب من العمل ويريد الحصول على المال “جوب سنتر” من الدولة المضيفة دون عمل، فأن ما يتقاضاه لا يؤمن له احتياجاته الأساسية، وبالتالي يضطر للانحراف وسلك طرق تؤدي به إلى الهاوية كتجارة المخدرات وما إلى ذلك.
فالإنسان يعيش حراً وكريماً بين أهله، ومن سلك طريق الغربة يعيش بدون كرامة، وهو معرض للإهانة في كل خطوة يسير بها في الدول الغربية، ويبدو أن من يفضل الهجرة يريد العيش بدون كرامة.
غداً: الهجرة.. صعود اليمين المتطرف والحكومات تتكاتف ضد المهاجرين غير الشرعيين