الهجرة والفرق بينها وبين اللجوء من وجهة نظر القانون الدولي
لم يسبق للعالم أن شهد موجات هجرة كالتي يشهدها اليوم. هجرة تختلف في شكلها وأسبابها وباختلاف بلدانها المصدرة أو المستقبلة. هجرة من كل مكان، في زمن الحرب وفي زمن السلم. من لم يعرف بالهجرة؟ الكل بات يعرفها، فهي نزيف مستمر يطال غالبية البلدان الفتية نتيجة السياسات التي تتعبها الدول العجوزة.
المهاجرون يتحملون قسوة الحدود وطرق العبور ويتعرضون للابتزاز وعندما يصلون إلى البلدان المضيفة، يتعرضون لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، ويتم تصنيفهم على أنهم “بشر غير شرعيين” ويتم تجييش الرأي العام ضدهم لأغراض انتخابية شعبوية بحتة، ويتم التعامل معهم بعنصرية، وهم مهددون في كل زمان ومكان خصوصاً مع تصاعد اليمين المتطرف في دول الاستقبال.
فالهجرة تختلف تسمياتها بين هجرة غير نظامية وهجرة غير قانونية، وهجرة سرية، وتعرّف عموماً بأنها انتقال أفراد أو جماعات من مكان إلى آخر بطرق مخالفة لقوانين الهجرة الدولية والمحلية، ويكون في هذا الانتقال خرق لقوانين الدول التي يهاجر إليها الأفراد.
فالإنسان قديماً عندما لم تكن هناك حدود دولية، كان يمتهن الزراعة والرعي، وكانت الظروف المناخية هي التي تحدد بقائهم في مكان ما أو هجرتهم التي كانت مرتبطة بالحفاظ على الحياة أساساً، ولكن مع تشكيل الحدود بين الدول أصبحت الهجرة مشكلة عالمية، وهذا ما دفع المجتمع الدولي إلى التدخل لضبط الأطر القانونية الخاصة بهذا النوع من الصور الحياتية التي أصبحت غير محددة بمكان ولا زمان، ولذلك لا بد من تبيان الفرق بين المهاجر واللاجئ في المواثيق الدولية وأهم الاتفاقيات الدولية التي تناولت موضوع كل منهما.
ويُعد تحديد مفهوم المهاجر واللاجئ من الأمور الهامة؛ لما تحمله من حماية قانونية للحقوق والواجبات المترتبة على كلا الطرفين، أي: بين الشخص المهاجر واللاجئ والدولة المضيفة. ويمكن تعريف كلٍ منهما على الشكل التالي:
من هو المهاجر؟
من المتفق عليه دولياً عدم وجود تعريف محدد ودقيق للمهاجر، فتسمية المهاجر تختلف من بلد إلى آخر خصوصاً في الوقت الحاضر مع تصاعد الصراعات حول العالم ومحاولة القوى العالمية استغلال هذا الموضوع لتحقيق مصالح وغايات شخصية.
ولكن على العموم، عرّف المجلس الدولي لسياسات حقوق الانسان المهاجرين بأنهم “الأفراد المتواجدون خارج إقليم الدولة التي يعتبرون من رعاياها، ولا يعتبرون في الدولة المتواجدين على إقليمها لاجئين، ولا وطنيين، ولا أعضاء بعثة دبلوماسية، ولا يهم طريقة تجاوزهم لحدود دولة الإيواء، ولا مدى قانونية إقامتهم فيها، ولا إذا كانت دولة العبور أو دولة المقصد”.
فيما عرّفت إدارة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، المهاجر بأنه “الشخص الذي ينتقل إلى بلد غير بلد الإقامة المعتادة لمدة تتجاوز (12) شهرًا، بحيث يصبح بلد المقصد هو بلد الإقامة المعتاد الجديد”.
أما اليونسكو، فتقول إن المهاجر هو كل شخص يعيش بصفة مؤقتة أو دائمة في بلده الذي لم يولد فيه.
وتتفق جميع التعاريف بأن المهاجر هو “الشخص الذي يغادر بلده طوعاً وبكامل إرادته دون أي ضغوط عرقية أو دينية”.
من هو اللاجئ؟
أما اللاجئ فهو يختلف تماماً عن المهاجر، وهو الشخص الذي يهرب نتيجة تعرضه للاضطهاد لأسباب ترجع إلى عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه لعضوية فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية.
في حين عرّفت اتفاقية (منظمة الوحدة الإفريقية لشؤون اللاجئين) لعام (1969م) اللاجئين بأنهم “الأشخاص الذين يضطرون إلى مغادرة دولتهم الأصلية بسبب احتلال أجنبي، أو سيطرة أجنبية…”. ويتبين من هذه التعريفات أن حالة اللاجئ قائمة على الشعور بالاضطهاد بكافة أشكاله.
والهجرة الصادرة عن إرادة المهاجر الكاملة تعد صفة أساسية للمهاجر، بمعنى أن يُقدِم المهاجر على الخروج بناء على توجه خاص لديه، مبني على نية الاستقرار في دولة جديدة. وفي حال غياب إرادته الحرة نكون أمام صفة جديدة تبعد تمامًا عن المهاجر، ونكون أقرب إلى صفة اللاجئ.
ووفقاً للقانون الدولي من خلال العديد من الاتفاقيات الدولية، فأن اللاجئ هو الشخص الذي يترك دولته الأصلية هربًا من تهديد أو خوف، وبالتالي تعد حالة الحرب، أو رفض الدولة تقديم الحماية لهذا الشخص -بهدف اضطهاده- من الأمور الكافية لتوافر أول عناصر اللجوء. وأن يكون سبب هذا اللجوء مبنياً على أسس لها مبرراتها المعقولة والمنطقية. وقد حددت اتفاقية الأمم المتحدة لعام (1951م) هذه الأسباب: كالخوف المبرر، أو التمييز على أساس العرق أو الدين. إلى جانب أن لا يكون اللاجئ ممن ذكرتهم المادة الأولى من اتفاقية (الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين) وهي الأسباب المرتبطة بارتكاب جريمة ضد السلام أو جرائم حرب، بمعنى آخر: جميع أشكال الجرائم التي قد تُرتكب من قبل اللاجئ، مما تترتب عليها سحب صفة اللاجئ بكافة الأحوال.
ومن خلال ما تقدم، نجد أن حالتين مختلفتان تماماً عن بعضهما، فاللجوء يتحدث عن شخص اضطر للخروج من بلده الأصلي واللجوء إلى دولة أكثر أمانًا وسلامًا له، في حين نجد حالة المهاجر مختلفة تماماً وتتحدث عن شخص خرج من دولة الإقامة بعيدًا عن أي ضغوط سياسية أو دينية أو عرقية، وهدفه الوحيد هو جمع المال.
بالأرقام.. أعداد المهاجرين والضحايا
وبحسب تقارير الأمم المتحدة ومنظمة الهجرة، فأن أعداد المهاجرين حول العالم ارتفع من 84 مليون في عام 1970 إلى 281 مليون في 2020، وتوقفت لفترة من الزمن بسبب قيود جائحة كورونا ولكنها عادت وارتفعت منذ بداية عام 2022.
وفي آخر تقاريرها، ذكرت المنظمة الدولية للهجرة في أيلول العام الجاري، أن ما يقرب من 3800 شخص لقوات حتفهم على طرق الهجرة داخل ومن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا العام الماضي وهي أعلى حصيلة يتم تسجيلها منذ عام 2017.
فيما ذكرت مديرة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في نيويورك، روفين مينيكديويلا خلال اجتماع لمجلس الأمن في نهاية أيلول من العام الجاري، مخصص لأزمة المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط، إنه “حتى 24 أيلول/سبتمبر، تم إحصاء أكثر من 2500 شخص بين قتيل ومفقود في عام 2023. ويمثل هذا الرقم زيادة بمقدار الثلثين، مقارنة بـ1680 شخصا خلال الفترة نفسها من عام 2022”.
كما أشارت أن المهاجرين الذين يسافرون عبر الطرق البرية يواجهون خطر الموت وانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في كل خطوة.
وأوضحت أنه تمت أيضاً إعادة 31 ألفاً من الذين حاولوا عبور البحر المتوسط إلى تونس، فيما تمت إعادة 10600 شخص إلى ليبيا.
ومن جانبها، ذكرت اليونيسف في تقرير لها خلال شهر تموز/يوليو من العام الجاري، أن 289 طفلاً على الأقل توفوا أو فُقدوا في هذا العام أثناء سعيهم للهجرة عبر طريق وسط البحر الأبيض المتوسط من شمال أفريقيا إلى أوروبا.
وقالت إن هذا يعني بأن حوالي 11 طفلاً يلقون حتفهم أو يُفقدون في كل أسبوع أثناء سعيهم للهجرة.
وتُقدِّر اليونيسف أن حوالي 1,500 طفل لقوا حتفهم أو باتوا في عداد المفقودين منذ عام 2018 أثناء سعيهم لعبور طريق وسط البحر الأبيض المتوسط.
ولكن ثمة العديد من حالات تحطّم القوارب والسفن في طريق وسط البحر الأبيض المتوسط لا ينجو منها أحد أو لا يتم تسجيلها، مما يجعل من المستحيل عملياً التحقق من العدد الحقيقي للخسائر في الأرواح بين الأطفال والمهاجرين بشكل عام، ومن المرجح أن عدد الأطفال القتلى أكبر بكثير مما تشير إليه التقديرات.
وفي الأشهر الأخيرة، كان ثمة أطفال ورُضّع بين الأفراد الذين لقوا حتفهم على هذا الطريق وعلى طرق أخرى في أنحاء مختلفة من البحر الأبيض المتوسط، وعلى الطريق الذي يبدأ من غرب أفريقيا ويمر في المحيط الأطلسي، بما في ذلك مآسٍ وقعت على شواطئ اليونان وجزر الكناري التابعة لإسبانيا.
غداً: الجزء الثاني: أضرار الهجرة غير الشرعية على المهاجر والبلاد التي حدثت منها الهجرة