جاء هجوم حركة حماس على إسرائيل في الـ7 أكتوبر / تشرين الأول الفائت باتفاقٍ مع «تركيا وإيران وقطر»، لكن الهدف من الهجوم لم يكن بغرض توجيه الطاقات العسكرية لتلك الدول ضد إسرائيل كما يتم الإعلان عنها إعلامياً، وإنما مبرراً لشن الأخيرة هجوماً مضاداً على غزة بهدف تهجيرهم من القطاع بعد تدميرها.
منذ سنواتٍ طوال وهذه الدول تتاجر بالقضية الفلسطينية وتستغلها كما يحلو لها، ولكن هذه المرة لا تتشابه مع سابقاتها، فالقضية اليوم هو تهجير سكان القطاع بأكمله وترحيل نسبة كبيرة منهم إلى مدينة عفرين الكوردية الواقعة في شمال غربي سوريا وتوطينهم فيها والتي تُسيطر عليها تركيا منذ مارس / آذار 2018 بعد العملية العسكرية التي أدت لتهجير ما يزيد عن 85 بالمئة من سكانها الكورد الأصليين بهدف تغيير ديمغرافيتها.
تتقاطع مصالح «إيران وتركيا وقطر وحماس» مع المصالح الإسرائيلية، فالمحور الأول وعبر بناء مستوطنات نموذجية في عفرين تسعى لإرساء قواعد التطهير العرقي والتغيير الديموغرافي، وذلك من خلال توطين الفلسطينيين واللاجئين السوريين المتواجدين في تركيا.
فمن يتساءل ماذا ستسفيد إيران من تغيير ديمغرافية عفرين وغزة، فالجواب لا يحتاج إلى دراسات وتحليلات كثيرة، فلننظر إلى الدور الذي أُسند لإيران في المنطقة فلولاها لما تمكنت الولايات المتحدة الحليف الأبرز لإسرائيل من بناء قواعد لها في عدة دول عربية تحت حجة «البعبع الإيراني» الذي يتربص بها، وهذا هو الحال مع ما يحصل اليوم في غزة، فمنذ بدء الحرب في غزة قُتل أكثر من 13 ألف فلسطيني، بينهم أكثر من 5500 طفل و3500 امرأة، في حين بلغ عدد المصابين أكثر من 30 ألفا، 75% منهم أطفال ونساء دون أن تتحرك إيران بشكل فعلي للقيام بأي دور في صد الهجوم الإسرائيلي، كونها وبهذا الموقف تساعد المحور الثاني -أي إسرائيل- ستلفظ الزيادة السكانية العربية التي تعتبرها تهديداً لكيانها ليل نهار والهدف تهجيرهم منها.
تعود أولى الخطوات التركية في توطين الفلسطينيين في مدينة عفرين إلى العام 2018، وذلك بعد أن عقدت الفصائل العسكرية في الغوطة الشرقية جنوبي العاصمة السورية دمشق اتفاقاً مع روسيا وقوات الحكومة السورية صاغته تركيا بموجب صفقة تضمنت انسحاب مسلحين فصائل المعارضة من الغوطة وريف دمشق باتجاه مدينة عفرين، مقابل السماح لتركيا بشن حملة عسكرية ضد وحدات حماية الشعب.
وفي الـ1 من أبريل / نيسان 2018 – أي بعد مرور أسبوعين من السيطرة التركية على عفرين وتهجير الكورد – قال “خالد مشعل”، رئيس حركة حماس السابق، إن “النصر في عفرين كان نموذجاً للإرادة التركية، وإن شاء الله سنسجل ملاحم بطولية لنصرة أمتنا”.
وبعد سيطرة تركيا على عفرين، وصل الآلاف من مسلحي الفصائل العسكرية من الغوطة رفقة عوائلهم من بينهم عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين في سياق إجراءات التوطين.
كما افتتحت الحكومة السورية المؤقتة في مدينة عينتاب التركية مركز سجل مدني للاجئين الفلسطينيين في مدينة عفرين (24 كم شمال مدينة حلب) شمال سوريا.
مدير “الرقابة الداخلية” في “الإدارة العامة للشؤون المدنية” كشف إن المركز سيعمل على تقديم خدماته لـ 1500 عائلة فلسطينية تم توطينها في مدينة عفرين، بهدف التخفيف من الصعوبات التي تواجههم خلال تنقلهم بين المناطق أو مراجعتهم للدوائر الرسمية وغير الرسمية. وأنهم بصدد توثيق الوقائع المدنية للاجئين الفلسطينيين مثل حالات الولادة والوفاة والزواج والطلاق، كما سيصدرون لهم قيد فردي وبيان عائلي وجميع الأوراق الشخصية في مكان ولادتهم وسكنهم الحالي.
وأشارت إحصائيات سابقة للمركز أن ما بين 7800 و 8000 فلسطيني يعيشون الآن في عفرين، انتقلوا إليها من ريف دمشق.
ومع بدء الحرب بين حماس وإسرائيل، استغلت تركيا وإيران وقطر هذه الحرب من أجل توطين الفلسطينيين في عفرين في ظل التعاطف الدولي مع أهالي قطاع غزة الذين يتعرضون للقصف الإسرائيلي، حيث لا تترك تركيا أدنى فرصة إلا وتستفيد منها لتغيير ديموغرافية المناطق الكوردية من سوريا.
وبدأت تركيا بالتنسيق مع الأطراف الآنفة الذكر بنقل عدد من العوائل الفلسطينية من غزة إلى ناحية جنديرس في عفرين، حيث جرى توطين هؤلاء في مستوطنة “أجنادين فلسطين” في الناحية.
وبحسب مصادر من المنطقة فأن عدد أفراد هذه الأسر المستوطنة يبلغ العشرات.
وتواصل تركيا وبدعم من قطر وجمعيات إخوانية مصرية وفلسطينية وخليجية بناء المزيد من المستوطنات في مدينة عفرين، ومن تلك الجمعيات الفلسطينية «جمعية العيش بكرامة – فلسطين 48» التي قدّمت أولى المساعدات المالية لبناء مستوطنة في قرية “شاديريه” الإيزيدية، تحت مسمى “قرية بسمة” الذي يضم 99 وحدة سكنية، كما بنت مستوطنة أخرى تحت مسمى قرية” أم طوبا” «نسبةً لبلدة الممولين أم طوبا / محافظة القدس» وذلك على أطراف قرية شاديرة التابعة لناحية شيراوا بريف عفرين، كما جرى بناء مجسم في إحدى المستوطنات بمدينة عفرين شبيه بقبة المسجد الأقصى في خطوةٍ تريد هذه الأطراف القول بأن عفرين هي مقابل القدس وفلسطين..!
وأعلنت «جمعية العيش بكرامة – فلسطين 48»، في الـ10 مارس / آذار 2023، عن إطلاق مشروع بناء “قرية سكنية (مستوطنة)، مكوّنة من 100 في عفرين، إذ أوضح “الناشط الإسلامي الإخواني إبراهيم خليل” من مواطني القدس والذي زار شمالي سوريا بعد الزلزال وأبرز مروجي المشروع، عبر صفحته، أن القرية ستقام على “مساحة عشر دونمات”.