منذ الإعلان عن عقد لقاء بين الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ونظيره التركي، رجب طيب أردوغان، في الرابع عشر من الشهر الجاري، على هامش قمة الأطلسي..
حرص الرئيس التركي على إرسال رسالتين إلى الإدارة الأمريكية، الأولى: أمله بفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين تطوي صفحة الخلافات الكثيرة، والثانية: التلويح بأن تركيا لديها خيارات كثيرة للذهاب بعيدًا عن العلاقة التاريخية مع الولايات المتحدة، ما لم تستجب الأخيرة لما تقوله أنقرة، بحسب متطلبات العلاقة بين الحلفاء.
في المقابل، اتبعت الإدارة الأمريكية سياسة غامضة، أقرب إلى الصمت، تجاه رسائل الرئيس التركي، ما عمَّق من محنة السياسة التركية في بوصلتها تجاه الإدارة الأمريكية، وجعل من اللقاء المقرر بين الرئيسين صعبًا ويحمل ملامح الفشل، والأهم ما سيحمله هذا الفشل من تداعيات كبيرة على العلاقات بين البلدين مستقبلا.
صعوبة لقاء “بايدن” بـ”أردوغان” لا تنبع من سلبية العلاقة بينهما فحسب، بل من سلسلة الخلافات الكثيرة بين البلدين، وتفاقمها خلال السنوات الماضية إلى درجة يمكن القول بأن هذا اللقاء يُعقد في أسوأ حالات العلاقات بينهما، ولعل من أهم عناوين الخلافات، التي من المتوقع أن تُبحث على طاولة المباحثات بين الرجلين:
1-قضية المنظومة الصاورخية إس-400، التي اشترتها أنقرة من موسكو، إذ تشدد واشنطن على ضرورة تخلي أنقرة عنها، فيما تقول الأخيرة إن الصفقة أُنجزت ولا مجال للتراجع، وهنا تبدو تركيا واقعة بين نارين، نار التخلي عن الصفقة وتحمُّل التداعيات في الداخل وتبعات العلاقة مع روسيا، ونار الإبقاء على الصفقة وتحمُّل تبعاتها أمريكياً، حيث جملة مشاريع في الكونجرس لفرض عقوبات على تركيا على إثرها.
2-الدعم الأمريكي لأكراد سوريا، وتحديدًا قوات سوريا الديمقراطية، التي تتمسك واشنطن بمواصلة التحالف معها، فيما ترى أنقرة أن هذا الدعم “لا يتناسب مع قواعد العلاقة التاريخية مع حليف بالأطلسي”، بينما تقيم أمريكا هذا الدعم بأنه “ليس على حساب العلاقة مع أنقرة وإنما يأتي في إطار تحالف الحرب الجارية ضد داعش”.
3-قضية الداعية التركي المقيم في الولايات المتحدة، فتح الله جولن، حيث لا تتوانى الحكومة التركية عن المطالبة بتسليمه إياها بحجة تورطه في المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا عام 2016، فيما ترفض واشنطن ذلك، وتقول إنها قضية قانونية وليست سياسية.
4-قضية الاعتراف الأمريكي بالإبادة الأرمنية، ومع أن تركيا لم تصعّد ضد واشنطن خلال اعتراف الأخيرة بهذه الإبادة، إلا أن هذا الموضوع يُشكّل قلقا ثابتا في السياسة التركية بسبب تداعيات ذاك الاعتراف عليها في الداخل والخارج.
5-قضية بنك “خلق” التركي، الذي تُعقد جلسة محاكمة جديدة له خلال الشهر الجاري، إذ كشفت الجلسات السابقة للمحاكمة عن تورط البنك وشخصيات من الحكومة التركية في الالتفاف على العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران.
6-قضية التصعيد التركي في شرق المتوسط والتوتر مع اليونان، إذ وتّر هذا التصعيد العلاقة بين تركيا والغرب بشقيه الأوروبي والأمريكي، وهو ما يرى الغرب أنه لا يتناسب مع قواعد عضوية تركيا في الحلف الأطلسي والتزاماتها في الحلف.
هذه القضايا الخلافية وغيرها ستفرض نفسها على طاولة اللقاء الأول بين “بايدن” كرئيس و”أردوغان”، وإذا كانت رغبة الطرفين العلنية من هذا اللقاء تتلخص في محاولة احتواء هذه الخلافات وبدء مرحلة جديدة، فإن سؤالا جوهريا يطرح نفسه: “ماذا لو تمسك كل طرف بمواقفه وسياساته من القضايا الخلافية الكثيرة؟”.
ويكتسب السؤال أهمية إضافية إذا ما علمنا أن الحلف الأطلسي بدأ ببحث ميثاق التكتل لعام 2030 في مواجهة روسيا والصين، بمعنى آخر، كيف ستوائم تركيا بين التزامات الحلف في مواجهة روسيا والصين، وبين تقاربها مع روسيا؟.. السؤال بالطبع يفرض على تركيا حسم مواقفها وسياساتها، ففي التحليل، هناك من يرى أن المواقف الوسطية لم تعد مقبولة لحل الخلافات التركية – الأمريكية، فإما حل هذه الخلافات وفق أسس واضحة أو أن العلاقات بينهما مرشحة للتصعيد، وهنا تتوجه الأنظار إلى الأوراق التي يستخدمها كل طرف ضد الآخر.
أوراق “أردوغان” تتخلص في مزيد من التقارب مع موسكو، أما “بايدن” فيملك أوراق ضغط واسعة على تركيا، فالرجل الذي اعترف بالإبادة الأرمنية دون تردد لن يجد صعوبة في إشهار هذه الأوراق ما لم يقدم “أردوغان” تنازلات واضحة ويتراجع عن سياساته السابقة التي وتّرت علاقات بلاده مع واشنطن، علاوة على تعهد “بايدن” السابق بدعم المعارضة التركية في الانتخابات للتخلص من “حكم أردوغان”، فلن يتوانى عن تفعيل هذا الخيار إذا استمر “أردوغان” في سياساته السابقة، فضلا عن ملف الأزمة المالية والاقتصادية في تركيا، والتي تُعد تحديًا للحزب الحاكم، في ظل تفعيل خيار العقوبات الأمريكية ضد أنقرة، حيث العديد من المشاريع المطروحة في الكونجرس بهذا الخصوص، وأبعد من كل ما سبق، فإن أكثر ما يخشاه “أردوغان” هو أن ورقة تقاربه مع روسيا لتقوية موقفه قد تتحول إلى ضربة كبرى له، فبعد يومين من اجتماعه المقرر مع “بايدن” سيعقد الأخير قمة مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، سيبحث فيها كثيرًا من القضايا المتصلة بالملفات التي تشغل العلاقات بين البلدين، والتي لها علاقة بالسياسة التركية، إذ قد يجد “بايدن” في لحظة عدم الاتفاق مع “أردوغان” على الدور التركي الوظيفي في مواجهة روسيا والصين مدخلا لتفاهمات كبرى مع روسيا على ملفات حساسة للسياسة التركية، وعلى رأسها سوريا، ما يشكل ضربة للسياسة التركية في سوريا والعراق والقوقاز، سيناريو ربما صمَّمه “بايدن” جيدًا عندما وضع موعد قمته مع “بوتين” بعد يومين من اجتماعه بـ”أردوغان”، فلا شيء متروك للمصادفة لدى رؤساء الدول، خاصة إذا كان الرئيس هو رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.
خورشيد دلي – شبكة العين الإخبارية