منذ نهاية آب الفائت، لم تتوقف مساعي أنقرة ودمشق لخـ ـلق فتـ ـن بين المكونين العربي والكوردي في شمال وشرق سوريا، وبشكل خاص في المناطق ذات الغالبية العربية مثل دير الزور، الرقة، الطبقة ومنبج، وهي المناطق التي يسعى الطرفان للسيـ ـطرة عليها.
ففي نهاية شهر آب الفائت، أطلقت قوات سوريا الديمقراطية عملية “تعزيز الأمن” لملاحقة خلايا تنظيم الدولة الإسلامية التي كثفت من تحركاتها ونشاطاتها بالتزامن مع المعلومات التي نشرها المرصد السوري لحقوق الإنسان، حول قيام إيران بدعم تلك الخلايا من أجل التوجه من غرب الفرات الخاضع لسيطرة الحكومة السورية وحلفاءها، باتجاه الضفة الشرقية لنهر الفرات في مناطق الإدارة الذاتية.
بالتزامن مع هذه الحملة، أعفت قوات سوريا الديمقراطية، قائد مجلس دير الزور العسكري، أحمد الخبيل المعروف باسم “أبو خولة” من مهامه في قيادة قوات مجلس دير الزور العسكري، بسبب ارتباطه بجهات خارجية، وعدم محاسبته لعناصره الذين ارتكبوا المظالم بحق أبناء منطقتهم.
ولكن سرعان ما سعت أنقرة ودمشق، لاستغلال العملية الأمنية وإعفاء أبو خولة من مهامه، وسعت لإظهار أن ما يجري هي حرب بين الكورد والعرب في المنطقة، وبدأت الوسائل الإعلامية التابعة لهما بشن الهجمات إعلامياً على الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، كما بدأ الطرفان بإرسال عناصر مجموعاتهما من شمال سوريا ومن الضفة الغربية لنهر الفرات إلى الضفة الشرقية، وشن الهجمات على قوات سوريا الديمقراطية، تحت مسمى مسلحي العشائر.
وسعى مكتب الأمن الوطني لدى الحكومة السورية، بقيادة علي مملوك، لاستغلال بعض شيوخ العشائر مثل الشيخ إبراهيم الهفل لإصدار بيانات تحرض على الفتنة بين الكورد والعرب، ولكن أهالي دير الزور كانوا يدركون تماماً حقيقة ما يجري.
فهم كانوا يرون بأعينهم مجموعات الدفاع الوطني التابعة للحكومة السورية ومجموعة أسود الشرقية التي يتزعمها نواف البشير والتابعة لإيران، تعبر نهر الفرات من الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية وتشن الهجمات على قوات سوريا الديمقراطية باسم مسلحي العشائر.
ولذلك، سعى أهالي دير الزور والعشائر العربية في المنطقة بشكل عام إلى وأد الفتنة، وإظهار حقيقة ما يجري، إذ أصدر شيوخ ووجهاء دير الزور والحسكة والرقة والطبقة ومنبج، بيانات توضح للجميع حقيقة ما يجري، فهذه المناطق سبق لها أن شهدت محاولات مشابهة، فأهالي منبج والرقة لهم تجارب سابقة مع مساعي الحكومة السورية وتركيا في خلق الفتن بين الكورد والعرب من أجل أن تستطيع السيطرة على هذه المناطق مجدداً.
استطاع أهالي الرقة والطبقة ومنبج سابقاً وأد الفتنة وكشف حقيقة وألاعيب تلك الأطراف ومساعيها للسيطرة على المنطقة، ولذلك توجه شبان منبج إلى جبهات القتال وأوقفوا هجمات الفصائل الموالية على تركيا والتي شنتها أيضاً تحت اسم مسلحي العشائر.
وانتشر الكثير من مقاطع الفيديو التي كانت توثق إرسال الفصائل السورية التابعة لتركيا مسلحيها إلى جبهات منبج والادعاء بأنهم من أبناء العشائر، فهؤلاء كانوا ينقلون بسيارات الفصائل إلى جبهات القتال ويشنون الهجمات بالأسلحة الثقيلة التي لا يمكن لأبناء العشائر امتلاكها مثل مدافع الهاون والعربات المصفحة.
فيما تحرك أبناء الرقة والطبقة ومنبج أيضاً إلى دير الزور، لقطع الطريق أمام محاولة البعض استغلال وجود الكورد ضمن صفوف قوات سوريا الديمقراطية للترويج لاقتتال عربي كوردي، فقام الشبان العرب أنفسهم بقيادة العمليات ضد خلايا تنظيم الدولة الإسلامية والعناصر الإجرامية.
الآن بعد مرور شهر ونصف على تلك الأحداث، بدأت الأوضاع تعود إلى حالها، حيث عاد الأمان والاستقرار إلى المنطقة، ولكن الحكومة السورية وتركيا لا تتوقفان عن مساعيهما لخلق الفتنة بين الكورد والعرب.
ومع اندلاع الحرب في غزة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، يحاول الطرفان اللعب على الوتر الطائفي وتحريض العرب عبر خطاباتهم ضد الشعوب الأخرى التي تقطن معهم، فمن خلال ترديد الشعارات القومية، يريدون استغلال مأساة الشعب الفلسطيني لتحقيق مصالحهم الشخصية.
فتركيا والفصائل التابعة لها وكذلك الحكومة السورية، يتحدثون عن الجرائم في قطاع غزة ولكن هم أنفسهم يرتكبون جرائم مشابهة في سوريا، فتركيا قصفت البنى التحتية وقتلت عشرات المدنيين في شمال وشرق سوريا، فيما قتلت الحكومة السورية عشرات المدنيين بينهم 6 أطفال قتلتهم أمس في قصف مباشر استهدف خيمتهم في منطقة خفض التصعيد.
ولم تتوقف مساعيهم في خلق الفتنة بين الكورد والعرب في هذه المناطق، فإلى جانب التصريحات التي تخرج من مسؤولي أنقرة ودمشق، أصدرت شعبة المخابرات العامة لدى الحكومة السورية توجيهات جديدة حول دير الزور طالبت فيها وسائلها الإعلامية بتحريض العرب ضد الكورد، في حين لم تتوقف وسائل الإعلام التابعة لتركيا عن هذه المساعي وما تزال تواصل بث السموم في المجتمع السوري لتحقيق الغايات التركية بالسيطرة على المنطقة الممتدة من الموصل العراقية وحتى حلب السورية، والتي تراها جزءا من حدود ميثاقها الملي وتحاول بشتى الوسائل السيطرة عليها.
إلا أن جميع مخططات أنقرة ودمشق ستبوء بالفشل بفضل وعي أهالي المنطقة، وتجاربهم السابقة في وأد الفتن وإفشال المخططات التي حاولت خلق اقتتال كوردي عربي في المنطقة.
فأبناء المنطقة من الكورد والعرب، سبق لهم أن أفشلوا مخططاً للحكومة السورية في خلق اقتتال كوردي عربي عام 2004 في مباراة كرة قدم بين نادي الجهاد من القامشلي والفتوة من دير الزور في مدينة القامشلي، عندما ارتكبت قوات الحكومة السورية مجزرة بحق الكورد وروجت بأن أبناء دير الزور هم من قتلوا الكورد رغم أن جميع من قتلوا في المجزرة قتلوا بالرصاص والمشجعون كانوا يحملون العصي ويرمون الحجارة بعد عراك نشب بين مشجعي الناديين.
من استطاع إفشال مخطط للحكومة السورية عندما كانت في أوج قوتها وأفرعها الأمنية تنتشر في كل مكان، لن تصعب عليه إفشال مخططات دمشق وهي بعيدة عن المنطقة، كما يستطيعون إفشال المخطط التركي أيضاً لأن السوريين جميعاً يعتبرون تركيا قوة احتلال في بلادهم، أما الفصائل التي تتحرك بأوامر تركيا وتتجه إلى ليبيا وأذربيجان ومختلف أصقاع الأرض للقتال من أجل تركيا، فهم فقدوا هويتهم السورية ولم يعد السوريون يتقبلون أن يُقال عنهم بأنهم سوريون كونهم حملوا الهويات التركية ويتحدثون بلغتها ويدرسون أبناءهم بها في المدارس ويستعملون عملتها وبريدها ويرفعون علمها ويضعونه على صدورهم.