في الـ 5 من تشرين الأول الجاري، بدأت تركيا شـ ـن هجـ ـمات واسعة على مناطق شمال وشرق سوريا، استهـ ـدفت فيها الطائرات الحربية والمسيّرة والمدفعية والدبابات، المنشآت الحيوية والبنية التحتية في المنطقة وهو ما تصنفه القوانين الدولية بأنها جـ ـريمة حـ ـرب ولكن لا زال الصمت العالمي سائداً.
بعد أن هدد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان باستهداف كل مقدرات الشعب الكوردي في مناطق شمال وشرق سوريا وإقليم كوردستان العراق، عقب عملية أنقرة، بدأت تركيا في الـ 5 من تشرين الأول الجاري، هجوماً واسعاً ضد مناطق شمال وشرق سوريا استهدفت فيها المنشآت الحيوية بشكل خاص، فضلاً عن استهداف المدنيين.
وتسببت الهجمات التركية بتدمير 31 موقعاً حيوياً تضمن 14 موقع نفط بشكل كامل، و9 محطات كهرباء بشكل كامل، ومستشفيين بشكل كامل، وصومعة ومحطة مياه ومدرسة و3 مصانع بشكل جزئي.
ففي مدينة الحسكة استهدف القصف محطة السد الغربي للكهرباء ما أدى إلى خروجها عن الخدمة، وهذه المحطة تغذي أجزاء من المدينة والريف الغربي والشمالي وصولًا لجبل عبد العزيز ومخيم واشوكاني، ما أدى لحرمان 200 ألف نسمة من الطاقة الكهربائية، في حين تبلغ كلفة إعادة تأهيلها مليون دولار أمريكي.
وفي مدينة القامشلي، استهدفت الطائرات الحربية محطة الكهرباء الشمالية، ما أدى إلى تعطل محولات القدرة الرئيسة والمحولات المساعدة ومحولات التيار والتوتر ومانعات الصواعق والقاطع الآلي والسكني، ما تسبب بانقطاع التيار الكهربائي عن الأحياء الشمالية والشرقية للمدينة، وقطع خط الصوامع الخدمي لمطحنة الجزيرة وخط محطة مياه جقجق، ما أدى لحرمان عشرات الآلاف من الكهرباء، في حين تبلغ تكلفة إعادة تأهيل المحطة نحو 300 ألف دولار أمريكي.
وفي ناحية عامودا استهدفت المسيرات التركية، محطة الكهرباء، حيث خرجت المحولات الرئيسة والمساعدة عن الخدمة وتضررت المحولة الاحتياطية، ما أدى لانقطاع الكهرباء عن الناحية وريفها بشكل كامل، وأجزاء من مدينة الحسكة، ما حرم 100 ألف نسمة من الكهرباء، فيما تبلغ كلفة إعادة تأهيل المحطة مليون ونصف المليون دولار.
وفي ناحية القحطانية/تربه سبيه، تسبب قصف المسيرات والطائرات الحربية التركية لمحطة الكهرباء إلى خروجها عن الخدمة وحرمان 75 ألف نسمة من الكهرباء، فيما تبلغ كلفة إعادة تأهيل المحطة مليون ونصف المليون دولار.
كما دُمّرت محطة السويدية للكهرباء بالكامل، حيث تغذي هذه المحطة كافة محطات الجزيرة بما فيها خطوط مياه ومطاحن ومنشآت صحية وخدمية، وتبلغ تكلفة إعادة التأهيل 5 مليون دولار.
وتسبب القصف، بتدمير محطة توليد شركة رميلان أيضاً، إذ أُتلفت العنفة الثانية بالكامل والمحولات الرئيسة وحُرقت أسلاك بطول 1200 متر، وأسفر القصف عن توقف كافة محطات الغاز والنفط، إضافةً لمحطات تحويل ديريك والقحطانية/تربه سبيه، وتبلغ تكلفة إعادة التأهيل نحو 25 مليون دولار.
ومع تدمير محطات الكهرباء، توقف إمداد محطات المياه وآبار النفط بالطاقة، ما أدى لحرمان أكثر من 4 ملايين نسمة من المحروقات ومياه الشرب، بما فيهم مليون نسمة في الحسكة وريفها نتيجة انقطاع التيار الكهربائي عن محطة الدرباسية التي تمد محطة علوك لمياه الشرب في ريف رأس العين بالكهرباء.
فيما تسببت الهجمات التركية على شمال وشرق سوريا بفقدان 51 شخصاً لحياتهم، هم 35 عنصراً من قوى الأمن الداخلي -29 منهم من قوات مكافحة المخدرات- ومقاتل من قوات سوريا الديمقراطية، و15 مدنياً، إلى جانب إصابة 60 شخصاً نصفهم من المدنيين.
وتشكل الهجمات التركية المكثفة والمنسقة على البنى التحتية والمدن والبلدات السكنية في المدن والبلدات بشمال وشرق سوريا جريمة حرب لا سيما وأنها تأتي ضمن مخطط يستهدف تهجير سكان المنطقة واستهداف مصادر عيشهم والمدارس ومخازن الحبوب والمشافي ومحطات الطاقة والنفط وتترافق مع سقوط ضحايا.
وبحسب القواعد الواردة في معاهدات تسمى اتفاقيات جنيف، وسلسلة من القوانين والاتفاقيات الدولية الأخرى، فأنه أثناء الحرب لا يمكن مهاجمة المدنيين عمداً، ولا استهداف البنية التحتية الحيوية لبقائهم على قيد الحياة.
وتعرّف تلك القواعد الجرائم الخطيرة مثل القتل أو الاغتصاب أو الاضطهاد الجماعي لمجموعة معينة باسم “الجرائم ضد الإنسانية”.
في حين تُعرَّف الإبادة الجماعية في القانون الدولي على أنها القتل العمد لأشخاص من جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية معينة، بقصد تدمير الجماعة – كلياً أو جزئيا.
وعلى هذا النحو، فإن الإبادة الجماعية تصنف كجريمة حرب محددة تفوق في شناعتها القتل غير القانوني للمدنيين.
وخلال هجماتها على سوريا منذ عام 2016، ارتكبت تركيا جرائم حرب في الكثير من المدن السورية، حيث جرى توثيق مقتل الآلاف على يد الجيش التركي والفصائل السورية التابعة له.
واستمرت هذه الجرائم بعد سيطرة القوات التركية على عدد من المدن السورية مثل الباب وجرابلس وإعزاز وعفرين ورأس العين وتل أبيض. ووثقت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا، جرائم القتل والاغتصاب التي نفذتها الفصائل الموالية لتركيا في مناطق سيطرتها وقالت بأن هذه الجرائم ترتقي إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
كما وثقت الولايات المتحدة الأمريكية هذه الجرائم بحق المدنيين، ما دفعها خلال عامي 2021 و 2023 لإدراج 3 فصائل مدعومة من تركيا على قائمة العقوبات، وهي كل من أحرار الشرقية والحمزات والعمشات ومتزعميها الثلاثة حاتم أبو شقرا ومحمد الجاسم أو عمشة وسيف بولاد.
ولكن رغم كل هذه الجرائم التي جرى توثيقها لا يزال المجتمع الدولي والأمم المتحدة صامتين حيالها، وذلك نظراً لمصالحهم المشتركة مع تركيا، فتلك المنظمات أنشأتها القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية وتتلقى تمويلها منها ولذلك فهي تتحرك وفق متطلباتها، وتتصرف بازدواجية فيما يخص الأحداث في العالم، فهي تصدر البيانات الواحدة تلو الأخرى عن الجرائم في منطقة ولا تتطرق إلى جرائم أشنع في مناطق أخرى من العالم وهذا هو الحال مع الشعب الكوردي الذين يقتلون دون أن يتطرق المجتمع الدولي إلى الجرائم التي ترتكب بحقهم.