رويدا رويدا وخطوة وراء أخرى، تسعى تركيا إلى إحداث تغيير ملامح الحياة العامة في المناطق السورية الخاضعة لسيطرتها العسكرية.
وكانت أحدث هذه الخطوات، إطلاق سجل مدني في مدينة إدلب، تعمل كجهة رسمية تُدير مجموعة من الدوائر الرديفة في مُختلف مناطق الشمال السوري.
وتأتي هذه الخطوة تتويجاً لمجموعة من القرارات والتشريعات التعليمية والاقتصادية والإدارية والعسكرية التي اتخذتها تركيا في تلك المناطق، وتسعى كل منها إلى قطع أواصر العلاقات بين تلك المناطق وبقية المناطق السورية، وربطها سياسياً واقتصادياً ورمزياً بتركيا، فيما أصبح يعرف بـ”سياسة التتريك”.
ولاقت الخطوة اعتراضاً واضحاً من طرف الحكومة السورية وحلفائها الإقليميين والدوليين، إذ أصدرت وزارة الخارجية السورية بيانا أكدت فيه أن “الاحتلال التركي الغاشم للأراضي السورية” يقوم بنفس السياسات الإسرائيلية في منطقة الجولان السورية المُحتلة”.
وطالبت “السُكان المحليين في تلك المناطق رفض الخطوة التُركية، التي تستهدف تغيير الهوية الجغرافية والسُكانية لتلك المناطق”.
وقال سكان في المنطقة إن المؤسسة الجديدة ستقوم بإصدار وثائق خاصة بالمُلكية، سواء العقارية أو الزراعية، إلى جانب مختلف وثائق العلاقات المدنية، سواء أكانت الولادات أو الوفيات أو حالات الزواج ومختلف أنوع التعاقدات المالية والمدنية.
وأضافوا أن المحاكم العامة في منطقة إدلب وباقي الإدارات المرتبطة بها، لن تعترف إلا بهذه الوثائق الصادرة عن هذه الجهة أو فروعها.
وأبدى عدد كبير من سكان الشمال السوري مخاوفهم الشديدة من إحداث هذه المؤسسة، إذ يُمكن لها أن تُصدر سندات ملكية جديدة لزعماء وأفراد الميليشيات الموالية لتركيا.
تهديد الأملاك
وكانت المؤسسات الحقوقية السورية قد حذرت في وقت سابق من التهديد الذي يمس حقوق الملكية لقرابة عشرة ملايين سوري، من المهجرين داخل سوريا وخارجها، خاصة أولئك الذين فقدوا وثائقهم الأصلية، التي ليس لها من أية مرجعية إلا في السجلات المركزية في العاصمة دمشق.
وفي ظل انقطاع التواصل بين الطرفين، تستطيع سلطات الأمر الواقع في المناطق الخاضعة للسيطرة التركية أن تُحدث تغيرات على الواقع يُصعب التعامل معها، خصوصاً بعد مرور سنوات كثيرة على حدوثها، مثل إقرار مخططات تنظيمية جديدة.
ويقول الباحث في علم الاجتماع السياسي، سميان همواند، إن هناك استراتيجية تركية واضحة وراء كل هذه الخطوات.
وقال: “تعتبر تركيا بأن أكثر من أربعة ملايين سوري من المُقيمين في مناطق شمال سوريا مهاجرين على أراضيها، يضاف إليهم 4 ملايين داخل تركيا، وهؤلاء يشكلون معا قرابة 8 ملايين سوري، وإذا ما تم تتركيهم لغوياً وثقافياً وإدارياً، فإن قرابة ثُلث سوريا ستكون مرتبطة موضوعياً بتركيا وسياساتها وخياراتها المستقبلية”.
تتريك التعليم والأسماء
تعليمياً، كانت تركيا قد افتتحت فروعاً للجامعات التُركية في مختلف تلك المناطق، بالذات محافظة إدلب، حيث افتتحت فيها كُلية للطب البشري وستة معاهد تقنية أوائل العام الجاري.
وكانت تلك الخطوات المتخذة في المراحل الجامعية تتمة لتغيير المناهج التربوية بالنسبة للمراحل العُمرية الأصغر، وبالذات من خلال فرض اللغة التركية على الطلبة لغة أساسية، مقابل إلغاء التدريس باللغة الكُردية، حتى في المناطق التي كان الكرد يشكلون فيها أغلبية مُطلقة.
وقبل ذلك، عمدت تركيا والموالون لها إلى تغيير أسماء الأماكن العامة، مثل تغيير أسماء القُرى والبلدات والشوارع، كان أكثرها “فجاجة” وفق تعبير عدد من السكان كان إطلاق اسم “ساحة أتاتورك” على مركز مدينة عفرين، التي شنت عليها تركيا هجوماً دامياً قبل سنوات.
تركيا قد تبتلع إدلب
دورية “كوميرسانت” الروسية كانت قد أعدت تقريراً كاملاً حول السياسات التركية في مناطق الشمال السوري، أجرت خلاله عدد من المقابلات مع خبراء مختصين في الشؤون الدولية، ومنهم مستشار المجلس الوطني الروسي للشؤون الدولية كبرائيل سيمونوف.
وقال سيمونوف: “يوماً بعد آخر ثمة إحساس بأن سوريا تفقد إدلب، وأن تُركيا هي الجهة التي ستشغل إدلب لفترة طويلة، وتالياً فأنها إما أن تتحمل المسؤولية عما يجري عن كل تفصيل في تلك المنطقة، أو أن تتخلى عن كل شيء، فالمنطقة الرمادية مرفوضة قانونياً وسياسياً”.
وكانت تركيا في مرحلة سابقة من هذا العام قد افتتحت فروعاً لمراكز البريد التركية في مختلف مناطق الشمال السوري، وهو أمر جاء كتتمة لفرض التعامل بالليرة التركية بدلاً عن السورية في تلك المناطق، الأمر الذي عنى بأن كل تفاصيل الحياة الاقتصادية في تلك المناطق ستكون مرتبطة ومتداخلة مع الاقتصاد التركي ونفوذه في سوريا.
رستم محمود – سكاي نيوز عربية