تواصل الحكومة التركية بدعم من منظمات خليجية وفلسطينية، بناء المستوطنات في مدينة عفرين بريف حلب الشمالي، في ظل تهجير أكثر من 90 % من سكانها الأصليين وتوطين سوريين من مناطق أخرى، أو غرباء مكانهم.
وفي هذا السياق؛ أقدمت السلطات التركية مؤخراً على تحويل مخيّم قرية سنديانكة التابعة لناحية جنديرس بريف عفرين، والتي يقطنها عوائل فصيل أحرار الشرقية المدعومة من قبل أنقرة إلى وحدات استيطانية جديدة.
وبحسب مصادر محلية، تضم المستوطنة في الوقت الراهن (50) وحدة استيطانية تم إنشاؤها من الخشب وبلغت تكلفة كل وحدة استيطانية (3) آلاف دولار أمريكي.
ومع بناء هذه المستوطنة، بلغ عدد المستوطنات التي أنشأتها تركيا منذ بداية عام 2023 في عفرين 21 مستوطنة، بدعم من منظمات كويتية وقطرية وسعودية وفلسطينية وتركية.
تأتي عملية بناء المستوطنات بشكل متسارع، في ظل ترحيل تركيا عشرات الآلاف من السوريين من أراضيها «بشكل قسري» تحت مسمى «العودة الطوعية» وتوطينهم في هذه المستوطنات، علماً أن السوريين الذين يجري ترحيلهم ينحدرون من مناطق سورية أخرى.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كشف عن تحضير أنقرة لمشروع يتيح العودة «الطوعية» لمليون سوري تستضيفهم تركيا إلى بلادهم بدعم من منظمات تركية وخليجية.
الترويج التركي حول عودة اللاجئين السوريين إلى «بلداتهم»، يطرح استفسارات هامة للغاية ويكشف التناقض حول تصريحات أردوغان، فإن كان السوريون يعودون إلى بلداتهم فما الداعي للمشاريع السكنيّة والمستوطنات التي تبنى على قدم وساق في مناطق بعيدة عن مدنهم..؟!
ومنذ اجتياح تركيا رفقة فصائل المعارضة المدعومة من قبلها مدينة عفرين بريف حلب الشمالي عام 2018، تواظب تركيا على بناء المستوطنات في ظل انتهاكاتها المتواصلة ضد أبناء المنطقة الأصليين بهدف ترحيل من تبقى فيها.
واستكملت تركيا مشروعها عبر تتريك المنطقة من خلال إطلاق أسماء تركية على الساحات والشوارع الرئيسية في المدينة ونواحيها، إلى جانب افتتاح فروع لجامعاتها ومؤسساتها في المدينة وإدارتها من قبل ولاة أتراك عينتهم السلطات التركية وربطتهم بالولايات التركية المحاذية لها وتغيير العملة السورية وفرض المناهج التركية.
ولم تمضي أشهر قليلة على سيطرتها على عفرين، حتى كشفت تركيا عن مخططها لتغيير التركيبة الديموغرافية لعفرين، حيث بدأت أولاً بنقل العوائل التركمانية إلى قرى ونواحي عفرين الواقعة على الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا، حتى باتت هذه القرى مكتظة بالتركمان الذين جلبتهم من مختلف المناطق السورية والعراقية، وبذلك أنشأت شريطاً تركمانياً يشبه الحزام العربي الذي طبقه حزب البعث بحق القرى الكوردية في منطقة الجزيرة السورية، فيما تركّز عملية توطين العرب في الخط الثاني.
وكشف تقرير ألماني عن أهداف أردوغان من إعادة توطين لاجئين في شمال سوريا، وفق ما نقلته شبكة “دويتشه فيله/ DW” الألمانية، مشددة على أن المناطق “الآمنة” بسوريا التي يقترحها أردوغان ليست “آمنة” وعودة اللاجئين ليست “طوعية”.
وذكرت منظمة العفو الدولية في تقرير سابق لها أن هناك أدلة دامغة على ارتكاب تركيا جرائم حرب في المناطق الخاضعة تحت نفوذها بسوريا، بغية طرد السكان من مناطقهم، وهو ما يخالف المواثيق الدولية والقانون الدولي. وهذا ما توضحه التقارير الصادرة عن السكان في شمال سوريا، حجم الجرائم التي تعرضوا لها.
وما تقوم تركيا به من عمليات تغير ديمغرافي واسع النطاق في عفرين وريفها، وعلى مرأى ومسمع المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية من خلال بناءها للمستوطنات، تخالف المواثيق والعهود الدولية، وخاصة مادة 42 من لائحة لاهاي لعام 1907”، حيث تسعى أنقرة من خلال بناء المستوطنات لتكون ملحقاً للدولة التركية، وبالتالي التخلص من عبء اللاجئين السوريين على أراضيها”.
ويعتبر طرد أشخاص ومواطنون من بيوتهم وأرضهم وجلب آخرين ليحلوا محلهم، بمثابة تشكيل خطورة في المستقبل على المنطقة بشكل عام وخاصة على التعايش فيما بين مكونات المنطقة.
ويُعَرّف الاستيطان بأنه مشروع إنشاء بؤرٍ سكنية كاملة: بدءاً من البيت، وصولاً إلى المدرسة. وضمن ذلك، شق الطرق وتغيير هوية المنطقة. وذلك من أجل إحلال جماعات من الناس محل السكان الأصليين والاستيلاء على مقدرات السكان الأصليين ومحو هويتهم.