شهدت مدينة الحسكة خلال الفترة الماضية توتراً بين قوات الحكومة السورية وأفرعها الأمنية المختلفة، وبين الدفاع الوطني التي يتزعمها المدعو عبد القادر حمو. وازدادت حدة التوتر بعد أن سيطرت قوات الحكومة يوم الـ 13 من أيلول على عدد من مقرات الدفاع الوطني ضمن المربع الأمني وتضييق الخناق على عبد القادر حمو.
هذا التضييق لم يكن وليد الصدفة. فخلال شهر آب الفائت، ظهر خلاف بين متزعم الدفاع الوطني عبد القادر حمو وأحد شيوخ قبيلة الجبور ضمن المربع الأمني بالحسكة، حيث اعتدى حمو على الشيخ الذي قالت مصادر من المدينة أنه مقرب من قوات الحكومة السورية.
هذا التصرف خلق شرخاً ضمن قوات الحكومة السورية نفسها المعروفة بانقسام ولاءها بين الإيرانيين والروس، إذ أراد الطرف الموالي للروس التخلص من عبد القادر حمو المعروف بأنه كان القوة الضاربة ومنفذ أجندات الأطراف الموالية لإيران في الأفرع الأمنية لدى قوات الحكومة السورية.
إذ أن حمو يتملك سجل إجرامياً كبيراً، فهو يمتلك معملين لصناعة حبوب الكبتاغون بالقرب من حديقة الواحة في المربع الأمني، وكان المسؤول الأول عن تجارة وتوزيع ونشر المخدرات في المنطقة ويحصل من خلالها على أموال طائلة، يستطيع بها شراء ذمم ضباط الحكومة السورية الذين يتوافدون إلى المحافظة.
كما أنه كان على صلة بعدد من أفراد العشائر العربية وكانت له أعين في كل مكان، وكان كبار ضباط الأمن والمحافظ يعتمدون عليه في بيع المساعدات الأممية التي كانت ترسلها الأمم المتحدة للفقراء من أبناء المحافظة إذ لم يكن يوزع المساعدات إلا على عناصره بينما كان يبيع النسبة الأعظم عبر أسواق ومهرجانات كان يفتتحها ويتفاخر بها المحافظ والضباط لتأمين السلع بسعر أقل من سعر السوق.
كما كان عبد القادر حمو ضالعاً في تهريب السلاح وأيضاً تجارة البشر ونقلهم بين مناطق سيطرة الحكومة السورية ومناطق شمال وشرق سوريا ومناطق سيطرة تركيا مستفيداً من علاقاته مع بعض أبناء العشائر العربية في مناطق السيطرة الثلاثة وكذلك لامتلاكه الأموال وتجنيده للعديد من الشبكات للعمل لصالحه.
المشكلة الأخيرة التي أحدثها حمو، كان حجة للحكومة السورية الجناح الموالي لروسيا في التخلص منه، خصوصاً أن الحكومة السورية تعتمد على بعض البعثيين من أبناء العشائر للترويج للفتنة بين مكونات شمال وشرق سوريا، وبالتالي وجود شخص مثل عبد القادر حمو يضع جهود الحكومة في خلق التوتر بين أبناء المنطقة على المحك.
ولذلك عقدت الحكومة السورية مؤخراً اجتماعاً مع القيادات الإيرانية في سوريا والتي تدعم عبد القادر حمو، وخلال الاجتماع ضغطت الحكومة السورية للتخلص من عبد القادر حمو والدفاع الوطني بحجة أنها تضرب مخططات الحكومة وإيران في السيطرة على المنطقة، خصوصاً إن إيران كانت تعول على عبد القادر حمو لتحريك العشائر العربية في الحسكة بالتزامن مع تدخل الدفاع الوطني فيما جرى بدير الزور من مساعي لخلق فتنة عربية كوردية، وعدم تحرك حمو لدعم المخطط وانكفاءه على نفسه وحماية مواقعه.
واتفق الطرفان على اقتياد عبد القادر حمو إلى الأفرع الأمنية وحل الدفاع الوطني بعد أن تحولت إلى مجموعة من الأشخاص التي تخدم عبد القادر حمو وانحرفت عن المخطط الموضوع لها، والتركيز على جمع الأموال بدلاً من ذلك.
وحصلت الحكومة السورية على الموافقة الإيرانية في سحب الدعم من عبد القادر حمو وحل الدفاع الوطني في مدينة الحسكة، مقابل التفكير في مخطط آخر لإحداث مجموعة مسلحة جديدة وباسم آخر أو باسم الدفاع الوطني ذاته تخدم الأجندات الإيرانية في المنطقة.
هذا التخلي عن عبد القادر حمو، قابله الأخير بفتح ملفات الفساد لدى الحكومة السورية، إذ كشف حمو خلال مقطع فيديو نشره على مواقع التواصل الاجتماعي، معلومات خطيرة، إذ قال بأنه قدم مبلغاً قدره 500 ألف دولار لكل من مدير مكتب الأمن الوطني علي مملوك ووزير الدفاع ورئيس المخابرات السورية. كما كشف أن الثلاثة طلبوا منه مبلغ 3 مليون دولار من أجل تسوية وضعه، فاضحاً بذلك القيادات الأمنية بأنها تستطيع أن تسوي وضع أي شخص مهما فعل مقابل المال وأنه لا قوانين تُعلى على المال لديهم، وهو ما يشير استغلالهم لمناصبهم من أجل الحصول على الأموال وأن ما يدعونه عن الوطن والحدود هي عبارات عن شعارات لكسب المال من وراءها.
إلى ذلك أعلن حمود تمرده على قوات الحكومة السورية، مشيراً أنه تم الاستيلاء على سيارات عائده لمجموعته، وقال بأن وزير الدفاع سيعيدها لأنه لم يشترها بماله في إشارة إلى الدعم الخارجي الذي تلقاه وكيف أنه كان يتم استخدامه من قبل الممولين له والحكومة السورية على حد سواء.
كما دعا التابعين له باستهداف كل من يحاول الاقتراب منهم، مهدداً بضرب الجميع وكشف المزيد من المعلومات عن تورط ضباط الحكومة السورية وقياداتها في أعلى المستويات بملف تجارة المخدرات والسلاح والكبتاغون بشكل خاص.
ولأن حمو هدد بكشف ما ظل سراً في ملف المخدرات والكبتاغون لسنوات كونه اعترف بتقديمه مبلغ نصف مليون دولار لمملوك ووزير الدفاع ورئيس المخابرات السورية، وهذا المبلغ لا يمكن لقائد مجموعة مسلحة أن يمتلكها إلا أن كان يتاجر بالمخدرات، لذلك سارعت قوات الحكومة السورية بالتخلص منه، عبر استهداف مقره بشكل مباشر.
حيث تقول المعلومات الصادرة من المربع الأمني أنه تمت السيطرة على مقر عبد القادر حمو بعد أن تم قتل ابنه الصغير وإصابته بجروح بليغة.
ويشار أن عبد القادر حمو كان منفذ أجندات قوات الحكومة السورية في مدينة الحسكة، وهو كان يقف خلف عمليات الخطف والسرقة ونهب المساعدات الإنسانية وفرض الإتاوات على الأهالي وتجارة المخدرات والسلاح وشبكات تهريب البشر لصالح ضباط الحكومة السورية، ويعتبر خازن أسرار فساد الكثير من ضباط قوى الحكومة السورية.