فرضت وزارة الخزانة الأمريكية، في الـ 18 من آب الفائت، عقـ ـوبات على ثلاثة قياديين في فصـ ـائل الجيـ ـش الوطني التابع لتركيا في سوريا، هم كل من محـ ـمد الجـ ـاسم الملقب بـ”أبو عمـ ـشة” قائد فصـ ـيل لواء سلـ ـيمان شاه المعروف بـ “العمـ ـشات” وشقيقه وليد حسين الجـ ـاسم، وقائد فصـ ـيل فرقة الحمـ ـزات المدعو سيـ ـف بولاد أبو بكر، لسجلهم الإجـ ـرامي وارتكـ ـابهم جرائـ ـم حـ ـرب بحق السوريين في مناطق سيطـ ـرتهم.
وجاء فرض العقوبات على الحمزات ومتزعمها سيف بولاد “أبو بكر”، والعمشات ومتزعمها أبو عمشة من قبل الخزانة الأمريكية، بسبب تورطهم في ارتكاب جرائم حرب وعمليات خطف وتعذيب واغتصاب النساء، والاعتداء على الأطفال ضمن سجون سرية تقع في مدينة عفرين، خاضعة بشكل مباشرة لإشراف وسيطرة جهاز المخابرات التركية والجيش التركي.
والفصيلان المعروفان بأنهما فصيلان تركمانيان يخضعان مباشرة لأوامر الاستخبارات التركية، سجلهما مليء بالجرائم طيلة سنوات الأزمة، وخصوصاً بحق الكورد، حيث أفرغا سابقاً 70 قرية كوردية في ريف الباب من سكانهما الكورد، ووطنوا تركمان نازحين من حمص وحماة في منازلهم، وفي عفرين غيروا ديموغرافية مناطق بأكملها عبر تفريغ عشرات القرى من سكانها الكورد وتوطين التركمان وعوائل عناصر الجيش الوطني التابعين لهم فيها.
والطرفان معروفان بعدائمها للكورد، فمتزعم فصيل الحمزات، سيف بولاد أبو بكر الذي كان سابقاً ضابطاً في الجيش السوري، برتبة ملازم أول، وينحدر من منطقة بزاعة في ريف الباب، وأثناء تزعمه لداعش في الباب برتبة “والي”، هدد في أحد الجوامع بمدينة قباسين عام 2014، بأنه سيذبح الكورد إن لم “يتوبوا” على حد زعمه.
وشارك سيف أبو بكر، في عمليات تعذيب المعتقلات، واغتصابهن، إذ روت مختطفات كيف أن النساء تعرضن للاغتصاب في سجن سري يعود للحمزات وبوجود أبو بكر، وتصويرهن وهن عرات.
ولم يكن لأحد أن يعلم بسجون الفصيل السرية واغتصاب النساء فيها، لولا أن تم اقتحام سجن الحمزات من قبل متظاهرين غاضبين من ريف دمشق مستوطنين في عفرين يوم 28 أيار عام 2020 بعد محاولة الحمزات السطو على محل يديره مستوطن من ريف دمشق.
وأثيرت ضجة عارمة بعد العثور على 11 امرأة (بعضهن عاريات) في السجن السري للفصيل، إضافة لمعتقلين آخرين.
أما فصيل العمشات فيتولى بشكل أساسي تهجير الكورد. فقد اعترف الفصيل عام 2017، تهجيره للسكان الكورد من قريتي سوسنباط وقباسين في ريف حلب الشمالي، وقال إنه تم توطين 60 عائلة قدمت من حمص، ومن مخيمات جرابلس في منازل الكورد.
ويقف هذا الفصيل بشكل أساسي خلف عمليات اغتصاب النساء في المناطق التي يسيطرون عليها وخصوصاً عفرين، ففي آب 2018 خرجت امرأة تدعى إسراء الخليل وروت حادثة اغتصابها من قبل أبو عمشة عدة مرات تحت تهديد السلاح.
ومنذ السيطرة على عفرين، يستولي هذا الفصيل على محصول الزيتون في ناحية شيخ حديد “شيه” إلى جانب فرض مبالغ مالية وصلت إلى 500 دولار على كل عائلة كوردية بقيت في منزلها، فضلاً عن قطع الأشجار وبيعها كحطب.
ويتعرض سكان عفرين بشكل خاص للاختطاف والابتزاز على يد هذا الفصيل، إلى أن يضطروا إلى هجر منازلهم، أو دفع فدية كبيرة مقابل إعادة ممتلكاتهم أو أفراد عائلاتهم.
توثيق جرائم الفصيلين
وبعد هذه العقوبات، بدأت منظمات إنسانية وحقوقية محلية بالتحرك لتوثيق الجرائم التي ارتكبها الفصيلين، عبر التواصل مع الذين تعرضوا للاختطاف والتعذيب والنساء اللواتي تعرضن للاغتصاب من أجل توثيق شهاداتهم حيال ما تعرضوا له. وذلك من أجل رفع تلك الجرائم الموثقة بالصوت والصورة للمنظمات الدولية من أجل محاسبة الفصيلين ووضعهما على القائمة السوداء على خلفية الجرائم التي ارتكبوها والتي ترتقي إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وكشفت لجنة التحقيق المستقلة التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا، في مؤتمر صحفي بمبنى الأمم المتحدة في العاصمة السويسرية جنيف، عن تقريرها الذي يغطي الفترة من 1 كانون الثاني إلى 30 حزيران 2023.
ولفت التقرير الانتباه إلى الانتهاكات التي ارتكبتها تركيا وفصائلها في المناطق التي يسيطرون عليها في سوريا، وأثبتت ارتكاب “الجيش الوطني” والقوى التابعة له جرائم حرب ضد الإنسانية بحق الكورد.
كما أفاد التقرير أنه يتم اعتقال الكورد بتهمة أنهم على علاقة بالإدارة الذاتية ويتم تعذيبهم وتهجيرهم بشكل قسري.
ونتيجة لتحقيقات اللجنة، ذكر التقرير أن الضباط والجنود الأتراك ما زالوا موجودين في مراكز شرطة في رأس العين وتل أبيض وأكد أن عمليات تعذيب شديدة ارتكبت ضد المدنيين الكورد على يد هؤلاء العسكريين الأتراك.
وأكد التقرير أن تركيا مسؤولة عن انتهاكات حقوق الإنسان في المناطق التي تسيطر عليها وأنه يجب عليها التصرف وفقاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان.
أبو عمشة وأبو بكر يجتمعان لإيجاد طرق للتغطية على جرائمهما
وبعد العقوبات الأمريكية وتوثيقات لجنة التحقيق المستقلة التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا، بدأ فصيلا الحمزات والعمشات مساعي إخفاء الجرائم التي ارتكبوها والتي ستؤثر حتماً على الجيش الوطني الذي ينتمون إليه وعلى تركيا الداعم الرئيسي لهم.
وفي السياق، أفادت مصادر مقربة من الجيش الوطني، بأن أبو عمشة وأبو بكرا بدأا التحرك عملياً لإخفاء الجرائم والتغطية عليها.
حيث عقد الطرفان اجتماعاً في مدينة عفرين، ناقشا فيه كيفية التغطية على الجرائم التي ارتكبوها.
وبحسب المعلومات التي خرجت من الاجتماع، فأن الطرفان اتفقا على عقد اجتماعات للأهالي دون تغطية إعلامية وذلك من أجل تهديدهم بعدم كشف ما تعرضوا له من جرائم، وتهديد من يتحدث للمنظمات الحقوقية والإنسانية بالقتل والتصفية في حال سرد قصص معاناتهم، وذلك بهدف منع الأهالي من الإدلاء بشهاداتهم.
الأمر الآخر الذي اتفق عليه الطرفان، هو إخفاء السجون التي يسيطرون عليها، عبر نقل السجناء منها إلى سجون أخرى غير معروفة للأهالي، ونقل المختطفين والمعتقلين إليها عبر عصب أعينهم، ومنع عناصر الفصيلين من معرفة عنوانهما واقتصار معرفة العناوين على القيادات والأطراف المقربة من القيادات وأقاربهم.
إلى جانب التخلص من سجلات السجون عبر إحراق سجلات المعتقلين والتواريخ التي كانوا يتواجدون فيها والمعلومات التفصيلية عن المعتقلين والمختطفين والتي كان الفصيلان يستخدمانها من أجل ابتزاز المختطفين والمعتقلين سابقاً من أجل الحصول على الأموال منهم، وتكليف القيادات الميدانية في القرى بمعرفة الأشخاص شفهياً ومعرفة عناوين منازلهم للاستفادة منها لاحقاً.
وكذلك حرق السجلات التي تتعلق بالقتلى الذين قضوا تحت التعذيب وكذلك المعتقلين الذين نقلوا إلى داخل تركيا وسجون إعزاز.
فضلاً عن تغيير شكل السجون وتحويلها إلى منازل ومن ثم نشر مقاطع مصورة بعد تحويلها إلى منازل ونشرها بهدف تضليل المعلومات السابقة التي تحدثت عن السجون.
ومن الأمور التي ناقشها الطرفان أيضاً في الاجتماع، كيفية إخفاء عائدية الممتلكات التي استولوا عليها من الأهالي، والسعي لتكليف عناصر بتولي المهمة من خلال إظهار عائدية تلك الممتلكات للعناصر وتأجيرها أو عرضها للاستثمار من قبل أشخاص آخرين مقربين من الفصيل من المستوطنين.
وكذلك إيجاد طرق بديلة لفرض الإتاوات على الأهالي من خلال استصدار فواتير باسم الكهرباء والماء وخدمات البلدية وذلك لإجبار الأهالي على دفعها وإظهار الإتاوات أنها تظهر في إطار قانوني وعلى شكل ضرائب يتم جبايتها من الأهالي لقاء ما يقدمون لهم من خدمات لا يقدمونها أساساً.
ويشار أنه بعد فرض العقوبات على الفصيلين، أجبر الطرفان أهالي عفرين للخروج في مظاهرات رافضة للعقوبات.