بعد سنوات من العلاقات الدافئة بين الرئيس الروسي ونظيره التركي والتشارك في العديد من المخططات حول العالم، يبدو أنهما في طريقهما للانفصال والطلاق.
أشارت الصحفية والمحللة السياسية اللبنانية – الأمريكية، راغدة درغام، إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لم يحصل على ما كان واثقاً من أنّه سيكسبه عند لقائه نظيره الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي مطلع الأسبوع.
وأشارت أن أردوغان بدا مستاءً أثناء المؤتمر الصحافي المشترك، في حين بدا على بوتين مزيج من خيبة الأمل والعزم على تلقين نظيره درساً بسبب سياساته نحو أوكرانيا.
ولفتت في مقال لجريدة النهار اللبنانية، أن أردوغان ظن أنّه سيتمكّن من إقناع بوتين بإعادة النظر والموافقة على استئناف الوساطة التركية بين روسيا وأوكرانيا، وعلى تمديد صفقة الحبوب ولو لمدة قصيرة، لاستئناف تصدير الحبوب من ثلاثة موانئ أوكرانية على البحر الأسود. لكنه فشل. الرئيس الروسي بدوره ظنّ أنّ نظيره التركي قادر على إقناع الغرب بالتجاوب مع المطالب الروسية، ثم استنتج أنّ أردوغان فشل في مهمّة الإقناع. في النهاية، فشل الرئيس التركي بإقناع الطرفين وبالمهمتين، ما سبّب له انتكاسة سياسية واقتصادية.
وأوضحت أن تركيا راهنت على نجاح جهود التوسط وصفقة الحبوب، إلاّ أنّ مجرد إصرار الرئيس الروسي على عقد اللقاء مع نظيره التركي في سوتشي وليس في تركيا كما كان مقرّراً، يُعتبر مؤشراً إلى غضب بوتين من سياسات أردوغان. كذلك كان اقتصار اللقاء على ساعة ونصف ساعة مقارنة مع الاجتماع لفترة ست ساعات المرّة الأخيرة.
ووفق أحد المراقبين الروس لسياسات الكرملين الخارجية، إنّ خلاصة رسالة بوتين إلى أردوغان هي: “ساعدناك في الانتخابات الرئاسية. وافقنا على تأخير مدفوعات “غازبروم”. قدّمنا لك النجاح في صفقة الحبوب. وقد حان لك أن تراقب سلوكك”. تابع المراقب، أنّ العلاقة الشخصية بين الرئيسين لم تنهر إنما فحوى رسالة بوتين إلى أردوغان هي “أريد منك أن تكافئني وأن تراقب خطواتك”.
الرئيس الروسي وكامل الديبلوماسية الروسية استاءا كثيراً من صفقة الطائرات المسيّرة التي أبرمتها الحكومة التركية مع أوكرانيا، وبالذات عبر شركة صهر الرئيس التركي. ثم أنّ رصّ موقع تركيا في صفوف حلف شمال الأطلسي لم يعجب أبداً بوتين أو الديبلوماسية الروسية.
لقاء بوتين- أردوغان عكَسَ هذه الأجواء في ملفات حيوية عدّة لتركيا، من ضمنها مشاريع أنابيب النفط التي كان يُفترض لها أن تحلّ نوعاً ما مكان “نورد ستريم2” الألمانية، ومشروع المفاعل النووي الذي كان يُفترض أن تموّله روسيا في تركيا، وملف سوريا.
لم ينجح أردوغان في إقناع الرئيس بوتين بإحراز اختراق في أي من هذه المواضيع، وأبرزها سوريا.
وأوضحت أن روسيا منزعجة جداً من مواقف تركيا إزاء أوكرانيا ودعمها العام لها، وهي غاضبة من عدم اعتراف تركيا بالقرم التي ضمّتها روسيا إليها رسمياً. لذلك سحبت من الرئيس التركي ورقة الوسيط، وأحبطت مساعيه لتمديد صفقة الحبوب، بالرغم من أنّ إلغاء صفقة الحبوب إجراء مُكلف لروسيا. فالعنفوان أهم للرئيس الروسي في هذا المنعطف من علاقاته بالرئيس التركي، وهذه كانت رسالته الأساسية في القمّة بينهما، مقترنة بإبلاغ جديّة الغضب الروسي من تركيا في الساحة السورية.
وأضافت: “فحوى رسالة بوتين إلى أردوغان هي أنّ عليه الاعتراف بالرئيس السوري بشار الأسد، وأن يُبرم صفقة معه مباشرة لحل مشاكله ذات العلاقة باللاجئين السوريين أو غيرها. لم يعرض بوتين على أردوغان أن تقوم روسيا بدور الوسيط مع الأسد- وهذا شكّل إفشالاً للتطلّعات التركية وامتعاضاً للرئيس التركي”.
ما نقلته المصادر المطلعة على اللقاء، هو أنّ الرئيس الروسي ذكّر الرئيس التركي أنّ “تركيا هي التي خلقت مشكلة اللاجئين، وأنّ عليها سحب قواتها من شمال سوريا… وعندئذٍ تتغيّر الأمور”. لم تأتِ هذه الكلمات من فراغ، وإنما من تغيير مهمّ في السياسة الروسية نحو تركيا، بالرغم من أنّ روسيا تساهم في شدّ الحبال حول عنقها، لأنّ تركيا ممر حيوي للاقتصاد الروسي. إلاّ أنّ الديبلوماسية الروسية اليوم ارتأت أنّه لا يهمّها “قطع الأنف انتقاماً من الوجه”، كما يقول المثل، وإنما الأهم هو إبلاغ رئيس تركيا أنّه ليس في وسعه أن يلعب على الحبلين ويستفيد من ضعف روسيا.
وأكدت أن الرئيس التركي لم يعد مرتاحاً كما كان عند إعادة انتخابه رئيساً قبل أشهر قليلة. فقيمة الليرة التركية تؤرقه، وكذلك أزمة اللاجئين السوريين الذين يبلغ عددهم حوالي 4 ملايين شخص. ثم هناك الآن خسارته للورقة الروسية وغيظ الرئيس الروسي منه. وهذا أيضاً يؤرقه كثيراً بسبب تداعيات الغضب في الساحة السورية.