عندما أطلقت قوات سوريا الديمقراطية، عملية “تعزيز الأمـ ـن” في ريف دير الزور، وعـ ـزلت قائد مجلس دير الزور العسـ ـكري، أحمد الخبيل عن مهامه، سارت العمـ ـلية بكل سلاسة، وعبر أهالي دير الزور عن فرحتهم بعـ ـزل الخبيل لدوره في عمـ ـليات التهـ ـريب، ووزعوا الحلوى في الشحيل، لكن سرعات ما تغيرت الأوضاع عندما تدخـ ـلت أطراف خارجية وأرسلت مسـ ـلحيها إلى المنطقة.
رافق عبور المسلحين لنهر الفرات، من الضفة الغربية، تجييش إعلامي، عملت فيه وسائل الإعلام التابعة للحكومة السورية وإيران وتركيا معاً وبشكل منسق حملة تشويه ضد قوات سوريا الديمقراطية، وروجت لخلق فتنة عربية كوردية، وبذلك انكشفت خيوط اللعبة، لأن وسائل الإعلام التابعة للحكومة السورية أو تلك المحسوبة على تركيا وتصف نفسها بالمعارضة، لا تتفق معاً أبداً.
العديد من الساسة ومتابعي الأوضاع في شمال وشرق سوريا، وكذلك الأحزاب السياسية أكدوا أن ما يجري قد تم التخطيط له في اجتماع أستانا الأخير والذي تشارك فيه أنقرة وطهران ودمشق إلى جانب موسكو.
فالحكومة السورية أرسلت مسلحيها عبر نهر الفرات، في حين أرسلت تركيا فصائلها وبدأت بشن قصف بري وشن هجمات برية مكثفة على كل من أبو راسين وتل تمر وعين عيسى ومنبج، بالتزامن مع استمرار العملية. هذه التحركات المتسقة بين دمشق وأنقرة أكدت ودون لبس أن ما يجري له مخطط بين الطرفين خصوصاً أن الاجتماعات الأمنية وعلى مستوى الاستخبارات لم تتوقف للحظة رغم عداء الطرفين.
وما يؤكد ضلوع تركيا فيما جرى بدير الزور، التصريحات التي أصدرتها الخارجية التركية التي يقودها حالياً رجل الاستخبارات الأول في تركيا هاكان فيدان.
إذ حاولت الخارجية التركية إظهار ما يجري بأنه قمع من قبل قوات سوريا الديمقراطية ضد العشائر العربية، وذلك من أجل خلق تصور بأن العرب مظلومون من أجل كسب عطف العرب في سوريا.
وعندما لم يحقق هذا البيان ما تريده وترغب به تركيا، خرج يوم أمس وزير الخارجية التركي هاكان بنفسه وقال في مؤتمر صحفي مع مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون الجوار والتوسع، إن ما يجري في شرق سوريا هي البداية فقط.
إن هاكان فيدان الذي تولى إدارة الاستخبارات التركية على مدار أكثر من عشر سنوات، هو من أشرف على توقيع الاتفاقات ووضع المخططات بشكل مشترك مع الحكومة السورية ضد الكورد، ولذلك فهو متأكد من أن هذه الفتنة التي جرت في دير الزور هي البداية، لأنه يعرف تماماً المخططات التي وضعوها ضد المنطقة، وهناك احتمالية لفتن أخرى ستستهدف مناطق أخرى من شمال وشرق سوريا شبيهة بالتي حصلت في دير الزور.
فتركيا التي أمرت وسائل الإعلام السورية التابعة لها بشن الهجوم تلو الآخر على الكورد وقوات سوريا الديمقراطية، أرسلت مئات المسلحين من مختلف مناطق الشمال السوري الخاضع لسيطرتها إلى حدود مدينة منبج تحت اسم العشائر، رغم أن الوجود العشائري ضعيف جداً في مناطق سيطرة تركيا، خصوصاً أن تركيا وفصائلها اعتدوا كثيراً على العشائر العربية واختطفوا شيوخها وانتهكوا حرمات منازلهم.
تريد تركيا استخدام ما جرى حجة لشن الهجمات على شمال وشرق سوريا، في ظل رفض روسيا وأمريكا تغيير التوازنات على الأرض.
وهي من جهة تشن الهجمات باسم أنصار التوحيد وهيئة تحرير الشام على قوات الحكومة السورية، ومن جهة أخرى تتفق مع الحكومة السورية وإيران لاستهداف قوات سوريا الديمقراطية، فهي تسعى لإضعاف قسد والحكومة السورية على حد سواء، من أجل أن تنفرد بالمنتصر منهما لاحقاً وتحقق أطماعها بالوصول إلى حدود ما تسميه الميثاق الملي والذي بات معروفاً للعرب أجمع.
تركيا وإن كانت تهتم بالعرب لما سمحت بتعرضهم للقتل والضرب والانتهاكات على يد الأتراك الشوفينيين، ولما كانت قد هجرتهم قسراً من أراضيها إلى الشمال السوري.
من يحب العرب لا يزيل اللافتات المكتوبة باللغة العربية على أراضيه، ولا يفرض لغته عليهم مثلما يجري الآن في الشمال السوري من خلال فرض اللغة التركية وصهر الأطفال العرب عبر تعليمهم اللغة التركية على حساب العربية.
ما يجري في الشمال السوري الخاضع لسيطرة تركيا من سياسة تتريك ممنهجة وجعل العرب عبيداً مأجورين لدى قادات الفصائل من التركمان الذين يمكن عدهم على أصابع اليد، يؤكد زيف ادعاءات التركية حول العرب.
تركيا جعلت من العرب مرتزقة يحاربون من أجلها في ليبيا وأذربيجان وأرسلهم إلى اليمن والآن يرسلهم إلى إفريقيا.
كل الحقائق على الأرض تقول إن تركيا كانت ولا تزال تتعالى على العرب وترى فيهم أتابعاً لها. هذه الذهنية العثمانية ما تزال مستمرة حتى يومنا هذا.