أحمد خليل
لطالما اعتمدت وسائل الإعلام التابعة للحكومة السورية والمعارضة خصوصاً المحسوبة على تركيا، على التحريض الطائفي والقومي من أجل خلق المزيد من العداوة بين الشعب السوري منذ بداية الأزمة عام 2011، والآن تتشارك وسائل الإعلام التابعة للطرفين معاً للهجوم على قوات سوريا الديمقراطية، وتحريض العرب ضد الكورد لإعادة ما حصل عام 2004، عندما قتلت قوات الحكومة الكورد واتهمت أهالي دير الزور بالوقوف خلفها.
فمنذ أن انطلقت الأزمة في سوريا، استخدمت وسائل الإعلام التابعة للحكومة السورية وكذلك المحسوبة على المعارضة السورية وخصوصاً تلك المعارضة المرتبطة بتركيا والمقصود هنا هو الائتلاف السوري والجيش الوطني المحسوب عليها نظرياً والتابع للاستخبارات التركية عملياً، خطاب الكراهية من أجل تحريض السوريين ضد بعضهم البعض.
فالإعلام التابع للحكومة السورية، اعتبر كل من لا يقف مع الحكومة، إرهابياً وجب قتله وتصفيته، وبالاعتماد على ما نشرته تلك الوسائل، استخدمت الحكومة السورية ترسانتها العسكرية وخصوصاً البراميل المتفجرة في قصف المدنيين من السماء وخصوصاً في المناطق السنّية.
وبذلك أفرغت قوات الحكومة السورية المناطق السورية من المسلمين السنّة وجعلتهم نازحين إما في بلادهم، أو لاجئين في دول الجوار أو مهاجرين إلى الدول الغربية ووقعوا في مصيدة تجار البشر وقتلوا في الغابات أو غرقوا في مياه البحار والمحيطات.
أما إعلام المعارضة فقد استخدم هو الآخر أيضاً خطاب الكراهية من خلال وصف العلويين بأن نصيريين ويجب قتلهم والتخلص منهم، وهذا التحريض دفع مسلحي المعارضة إلى قطع أجساد عناصر قوات الحكومة السورية القتلى وانتزاع قلوبهم وأكلها وهي نية.
كما ارتكب كلا الطرفان العديد من جرائم القتل والاغتصاب وعمليات النهب والسلب بحق الآخر، واستقدموا المستوطنين ووطنوهم في منازل المهجرين من الطرف الآخر، وبذلك جعلوا السوريين أعداء لبعضهم البعض. هذا العداوة التي ستستمر إلى سنوات وسنوات حتى بعد حل الأزمة السورية، لأنها خلقت ذهنية معادية للآخر لا تتقبله وهي مستعدة لفعل كل شيء للتخلص منه.
ولكن الملفت للانتباه، أن كلا الطرفان كانا يهاجمان الشعب الكوردي معاً، فالحكومة السورية كانت تعوّل على وقوف الكورد معها في القتال ضد المعارضة، وكذلك كانت تعوّل المعارضة على الكورد للوقوف معها ضد الحكومة السورية. فالمعروف عن الكورد في سوريا بأنهم أشداء في القتال ويستطيعون تحقيق الانتصارات، وكان كل طرف منهما يريد كسب الكورد إلى جانبه، ولكن لم ينجر الكورد إلى خطاب الكراهية والقتال ضد أي طرف واكتفوا بحماية مناطقهم من أي هجمات ومن قبل أي طرف كان.
ولذلك استخدم كلا الطرفان خطاب الكراهية ضد الكورد وتحريض العرب ضدهم، فالمعارضة كانت تقول بأن الكورد عملاء لدى الحكومة السورية ويعملون لأجلها وتارة كانت تتهمهم بالانفصاليين والسعي لإنشاء دولة كوردية، في ازدواجية واضحة، فمن يكون عميلاً لطرف كيف له أن يكون انفصالياً، فهي كانت تردد ما تقوله وتمليه عليها الاستخبارات التركية.
أما الحكومة السورية فكانت تصفهم بالخونة والانفصاليين، وتارة تقول أن الكورد وطنيون ولكن هناك فصيل منهم عميل.
كما اعتمدت وسائل إعلام الطرفين على العشائر للتحريض ضد الكورد، فكلاهما كان يأتي بأفراد من العشائر العربية ويجعلونها ممثلين عن العشائر العربية رغم أنه لم يكن لهم أي دور وما زال حتى الآن ضمن عشائرهم، وكان هؤلاء يحرضون ضد الكورد وقوات سوريا الديمقراطية باستمرار، عبر الادعاء بأن قسد قد هجرت العرب من أراضيه واستولت على منازلهم وممتلكاتهم.
ولكن الحقائق على أرض الواقع سرعان ما أظهرت زيف ادعاءات هؤلاء، ففي كل يوم من القتال ضد داعش كان يتم تشييع جثامين مقاتلين عرب وكورد وسريان ومن مختلف مناطق شمال وشرق سوريا معاً، وبذلك ذهب تحريضهم أدراج الرياح.
في الـ 27 من آب الفائت عندما أطلقت قوات سوريا الديمقراطية عملية “تعزيز الأمن” في ريف دير الزور لملاحقة خلايا داعش والمجرمين والمهربين وتجار المخدرات، رأت وسائل الإعلام التابعة للحكومة السورية والمعارضة على حد سواء لهذه العملية فرصة سانحة لها للهجوم على قوات سوريا الديمقراطية بعد أن اتحد شعب شمال وشرق سوريا خلفها، وبدأت تلك الوسائل للترويج للفتنة والسعي لخلق اقتتال عربي كوردي من أجل أن تحقق مصالحها وتسيطر على المنطقة وتطبيق مخططاتها.
وبات كل إعلام تابع للطرفين يروج لهذه الفتنة وينشر مقاطع مصورة مفبركة وقديمة وينشأ الصفحات على مواقع الفيسبوك من أجل مهاجمة قوات سوريا الديمقراطية، والادعاء بأنها تقتل العرب وتهجرهم من أجل التحريض على الكراهية وجعل أهالي دير الزور يحاربون قوات سوريا الديمقراطية.
ونقلت الحكومة السورية وإيران عناصر الدفاع الوطني والمسلحين والبعثيين من مناطقها عبر نهر الفرات إلى شرق الفرات وزودتهم بأسلحة وصواريخ محمولة على الكتف من أجل قتال قوات سوريا الديمقراطية والادعاء بأن هؤلاء هم مسلحو العشائر متناسين بأن الصواريخ المحمولة على الكتف لا تتواجد إلا مع الدول مثل تركيا وإيران والحكومة السورية وليس بإمكان العشائر الحصول عليها.
أما تركيا، فأرسلت عناصر الجيش الوطني لشن الهجمات على منبج وعين عيسى وتل تمر وأبو راسين، وجعلتهم ينشرون مقاطع فيديو مصورة بأنهم قادمون لنجدة العشائر العربية، ولكن هؤلاء هم أنفسهم الذين ظلوا صامتين عندما اعتدى عناصر الدفاع الوطني على أحد شيوخ قبيلة الجبور العربية في المربع الأمني بمدينة الحسكة، ولم يتطرقوا إلى موضوع إهانة شيخ قبيلة، وهم أنفسهم من اعتقلوا شيخ عشيرة عربية في ريف الباب وهددوه بالقتل.
هدفهم الوحيد هو تحريض العشائر العربية ودفعهم لحمل السلاح ضد قوات سوريا الديمقراطية، متناسين بأن شيوخ العشائر مضطهدون ولا قيمة لهم في المناطق التي تسيطر عليها تركيا والجيش الوطني.
ولكن جرت الرياح بما لا تشتهي سفن الحكومة السورية وإيران وتركيا وفصال الجيش الوطني التابعة لها، فالعشائر العربية أعلنت أنها تقف خلف قوات سوريا الديمقراطية وأن العملية بدأت بناء على طلبهم ومن أجل فرض الاستقرار والأمن في المنطقة.
كما عمل أهالي دير الزور أنفسهم على نشر مقاطع للمسلحين الموالين للحكومة السورية وإيران، وهم يعبرون نهر الفرات ويشاركون في القتال ضد قوات سوريا الديمقراطية، وأعلنوا أنهم يرفضون أن يتم استخدام اسم العشائر العربية في القتال ضد قوات سوريا الديمقراطية لأنهم مؤمنون بهذه القوات وأبنائهم منخرطون في صفوفها، فأكثر من 70 % من مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية هم من العشائر العربية.
من يقاتل قوات سوريا الديمقراطية اليوم هم عناصر خلايا تنظيم الدولة الإسلامية والبعثيين وعناصر الدفاع الوطني التابعون للحكومة السورية، وهم ليسوا من أبناء عشائر شرقي الفرات، بل هم قادمون من غرب الفرات لتطبيق المخطط الذي اتفقت عليه الحكومة السورية وإيران وتركيا في اتفاق استانا الأخير.
من يقاتل الآن في بلدة الذيبان هم هؤلاء وليس أبناء العشائر العربية الأصيلة التي أعلنت موقفها منذ اليوم الأول للعملية بأنها تقف خلف قسد.
عشائر دير الزور استفادت من دروس عام 2004، عندما قتلت قوات الحكومة السورية 38 كوردياً في مدينة القامشلي وحلب وعفرين وكوباني، واتهمت أهالي دير الزور بالوقوف خلف المجزرة من أجل خلق الفجوة بين الكورد والعرب وجعلهم أعداءاً لبعضهم البعض على مبدأ فرق تسد. شيوخ العشائر العربية في شمال وشرق سوريا وخصوصاً في دير الزور، شاهدوا الجيش الحر الذي تأسس منه الجيش الوطني وقبله شاهدوا الحكومة السورية وكذلك شاهدوا داعش وأفعالها وجرائمهم، كما شاهدوا قوات سوريا الديمقراطية، وهم لن ينجروا أبداً إلى مخططات الفتنة.
ليس بالضرورة أن تعبر المقالة عن رأي الموقع