منذ سيطرة تركيا على مناطق الشمال السوري التي بدأت في الـ 24 من آب عام 2016، لم تدخر تركيا جهداً لتكريس الأمر الواقع من خلال تبني سياسات تتريك ممنهجة، بعد سيطرتها في البداية على جرابلس في آب 2016 ولاحقاً إعزاز والباب وعفرين في آذار 2018 ورأس العين وتل أبيض في تشرين الأول عام 2019.
وفي إطار سياسة التتريك، عمدت تركيا إلى تغيير السجل المدني للسكان الأصليين في هذه المناطق، وسحبت البطاقة الشخصية والعائلية السورية من السوريين واستبدلتها بأخرى تركية.
كما تم تغيير أسماء غالبية الشوارع والأحياء في تلك المناطق، إلى أخرى تركية، وفرضت تركيا على السوريين في الشمال السوري التعامل باللغة والليرة التركيتين.
كما بدأت بتعيين أتراك لإدارة مؤسسات الصحة والتعليم والبريد والصرافة والكهرباء والمياه والهاتف، وغيرها من المؤسسات التي يفترض أن تدار من قبل السوريين أنفسهم.
كما استبدلت تركيا مناهج الدراسة بمناهج تركية في المدارس وافتتحت فروعاً لبعض الجامعات التركية، مثل جامعة «حران» في شانلي أورفا، شمال سوريا، وتم فرض اللغة التركية في مناطق سيطرة القوات التركية والفصائل لخلق جيل منتمٍ للثقافة التركية.
واتخذت سياسة التتريك طابعاً أكثر ضراوة في المناطق ذات الأغلبية الكوردية في سوريا، مثل عفرين ورأس العين وتل أبيض، وتمت إزالة المعالم الكوردية وتغيير الأسماء الكوردية للشوارع والمراكز والأحياء بأخرى تركية، ورُفع العلم التركي وصور إردوغان فوق المدارس والمستشفيات، وجميع المراكز والمؤسسات والساحات، بهدف إحداث تغييرات ديموغرافية جذرية وطمس الهوية الكوردية لتلك المناطق، واستبدال نازحين سوريين بسكانها الكورد الأصليين، وبخاصة من التركمان القادمين من المناطق السورية الأخرى، أو باللاجئين المرحلين قسراً من تركيا.
وفي إطار استكمال عملية تتريك مناطق الشمال السوري، بدأت تركيا مؤخراً بوضع لوحات تعريفية باللغة التركية للقرى والبلدات في ريفي الباب وجرابلس، من أجل إضفاء الطابع التركي عليها، وطمس هويتها الحقيقية.
ومن بين تلك القرى “شاوى ـ زلف ـ باب الحجرـ الزيارة ـ تليلة ـ المغيرة ـ خالصة ـ حج كوسا ـ الزهرة ـ أم الثدايا ـ المسنة”.
والملفت للانتباه أن تغيير أسماء القرى إلى التركية يتزامن مع حديث الإعلام التركي عن تنصيب والي تركي على عموم مناطق الشمال السوري الخاضعة للسيطرة التركية، بعد أن كانت تلك المناطق تدار من قبل مسؤولين أتراك في ولايات شانلي أوروفا وهاتاي وغازي عنتاب.
هذا وتسعى تركيا مع انتهاء مئوية اتفاقية لوزان، إلى الوصول إلى حدود الميثاق الملي الذي يرى في حلب والحسكة والرقة ودير الزور السورية وكركوك والموصل ومدن إقليم كوردستان العراق، جزءاً من الأراضي التركية وتسعى عبر عشرات القواعد العسكرية التي أنشأتها في سوريا والعراق لتكريس سيطرتها واقتطاع تلك الأراضي وضمها إلى أراضيها بعد تتريكها وتغيير ديموغرافيتها.