تعمل تركيا على مخطط جديد في مناطق شمال سوريا الخاضـ ـعة لسيـ ـطرتها عبر تعيين والي واحد يتولى الإشراف على تلك المنطقة في خطوة يمكن اعتبارها سعياً لفـ ـصل تلك المناطق وضمها بشكل فعلي لتركيا بحجة تنسيق إدارة تلك المناطق التي يفترض أن يديرها السوريون أنفسهم إذا كانت أنقرة صادقة بأنه ليست لها أطـ ـماع في دول الجوار.
ومنذ أن سيطرت تركيا على مناطق عدة في شمال وشرق سوريا، اتبعت تلك المناطق لـ 7 ولاة مرتبطين بالولايات التركية التي تقابلها، ولكنها الآن تعمل على مخطط جديد في تلك المناطق.
إذ كشفت مصادر مطلعة على الخطة، عن أنه يجري العمل حالياً على وضع نظام جديد لـ 13 منطقة مختلفة تسيطر عليها تركيا وفي مقدمتها أعزاز وجرابلس والباب وعفرين وتل أبيض ورأس العين.
وحسب صحيفة «تركيا» القريبة من الحكومة، التي نقلت عن تلك المصادر (الثلاثاء)، سيتم تعيين حاكم واحد (والي) للمناطق التي تسيطر عليها القوات التركية وفصائل الجيش الوطني التابعة لها.
ويقول ناشطون ومراصد تعمل على الأرض في شمال سوريا، إن تركيا لم تدّخر جهداً لتكريس الأمر الواقع من خلال تبني سياسات «تتريك» ممنهجة، بعد سيطرتها على عدة مناطق سورية منذ عام 2016، حيث عمدت إلى تغيير السجل المدني للسكان الأصليين في المناطق، وسحبت البطاقة الشخصية والعائلية السورية من القاطنين في تلك المناطق واستبدلت بها أخرى تركية.
كما تم تغيير أسماء غالبية الشوارع والأحياء في تلك المناطق، إلى أخرى تركية، وفرض التعامل باللغة والليرة التركيتين، بشكل خاص في مدن الباب وعفرين وجرابلس وإعزاز وأخترين ومارع ورأس العين وتل أبيض.
وأصبحت خدمات الصحة والتعليم والبريد والصرافة والكهرباء والمياه والهاتف، وغيرها من مستلزمات الحياة اليومية تدار بواسطة أتراك، واستبدلت بالليرة السورية الليرة التركية، كما تم استبدال مناهج الدراسة بمناهج تركية في المدارس في تلك المناطق. كما افتتحت فروعاً لبعض الجامعات التركية، مثل جامعة «حران» في شانلي أورفا، شمال سوريا، وتم فرض اللغة التركية في مناطق سيطرة القوات التركية والفصائل لخلق جيل منتمٍ للثقافة التركية.
وأكدت مراصد حقوقية أن سياسات التتريك أخذت طابعاً أكثر ضراوة في المناطق ذات الأغلبية الكوردية في سوريا، مثل عفرين ورأس العين وتل أبيض، ما دفع بمئات الآلاف من الكورد إلى هجرتها. كما تمت إزالة المعالم الكوردية وتغيير الأسماء الكوردية للشوارع والمراكز والأحياء واستبدالها بأخرى تركية، ورُفع العلم التركي وصور إردوغان فوق المدارس والمستشفيات، وجميع المراكز والمؤسسات والساحات، بهدف إحداث تغييرات ديموغرافية جذرية وطمس الهوية الكوردية لتلك المناطق، واستبدال نازحين سوريين بسكانها الكورد الأصليين، وبخاصة من التركمان القادمين من المناطق السورية الأخرى، أو باللاجئين المرحلين قسراً من تركيا.
وتخضع المجالس المحلية التي تدير المناطق الواقعة بين جرابلس والباب وعفرين، التي تتبع الحكومة السورية المؤقتة، التي تتخذ من تركيا مقراً لها، للسيطرة المباشرة من تركيا، ويتسلم موظفوها رواتبهم منها مباشرة.
وذكر مسؤول من الجماعات التابعة لتركيا في (آذار) 2019 أن مجلس عفرين يتبع إدارياً لولاية هطاي التركية.
وكشف تقرير لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، في (حزيران) 2018، عن أن والي هطاي عيّن اثنين من المسؤولين الأتراك للإشراف على الحكم في منطقة عفرين.
وتحدثت منظمات حقوقية عالمية عن تردي الحالة الاقتصادية والأمنية والإنسانية في تلك المناطق، وتم الإبلاغ عن انتهاكات لحقوق الإنسان. وقالت لجنة حقوق الإنسان المستقلة التابعة للأمم المتحدة -في تقرير أصدرته في 31 يناير (كانون الثاني) 2019- إن هناك أكثر من 50 جماعة مسلحة منتشرة في شمال سوريا، ويعاني سكان تلك المناطق، وبخاصة عفرين، التي كانت ذات غالبية كوردية قبل سيطرة تركيا عليها، أعمال النهب المستمرة ممّن يُفترض بهم أن يكونوا في خدمة وحماية المواطنين.
وذكر التقرير أن غياب القانون والانضباط وتكرار حالات الاختطاف والتعذيب وانتشار العصابات، حوّل حياة الناس إلى جحيم لا يطاق.
ويقول المواطنون إنهم اشتكوا كثيراً عند الشرطة المحلية والسلطات التركية، لكن دون جدوى. وتلقت اللجنة تقارير عن المضايقات التي يتعرض لها المدنيون من الجماعات المسلحة ومطالبتهم بالرشى لتسيير أبسط أمورهم اليومية وبخاصة عند نقاط التفتيش التي تسيطر عليها الفصائل.
ومؤخراً فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على فصيلي العمشات والحمزات ومتزعمها أبو عمشة وسيف بولاد على خلفية الجرائم التي ارتكبوها، بعد أن كانت قد فرضت عام 2019 عقوبات على أحرار الشرقية ومتزعمها أبو حاتم شقرا على خلفية اغتيال السياسية الكوردية هفرين خلف الأمين العام لحزب سوريا المستقبل في تشرين الأول عام 2019 على الطريق الدولي الواصل بين عين عيسى وتل تمر في شمال وشرق سوريا.