اكتسـ ـحت صفحات التواصل الاجتماعيّ خلال الأيام الأخيرة، صور نائب رئيس الائتلاف السوري الذي يتخذ من تركيا مقراً له، عبد الحكيم بشار الذي يشغل في ذات الوقت منصب عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطيّ الكوردستاني – سوريا العمود الفقري للمجلس الوطنيّ الكردي في سوريا، وهو يتواجد في مدينة عفرين.
الصورة تارة تضمنت جلوس عبد الحكيم بشار مع رئيس الائتلاف سالم المسلط، في وليمة طعام كبيرة في وقت يعاني فيه السوريون من عدم قدرتهم على توفير رغيف الخبز. وتارة أخرى وهو في مقر جمعية البرزاني الخيرية التي افتتحت فرعاً لها في مدينة عفرين بعد زلزال 6 شباط من العام الجاري.
وتناول رواد مواقع التواصل الاجتماع زيارة عبد الحكيم بشار إلى عفرين والتي هي الأولى بعد 6 سنوات من سيطرة تركيا وفصائل الجيش الوطني التابعة للائتلاف السوري الذي يعتبر عبد الحكيم بشار نائب لرئيسها.
بعضهم تناول الزيارة بشكل إيجابي وباركوها وقالوا إنها خطوة مباركة وميدانيّة تبعث على الأمل، فيما كانت الانتقادات أكثر. إذ اعتبر البعض أن بشار لم يزر عفرين كسياسي كوردي بل كنائب لرئيس الائتلاف وبرفقته، في حين اعتبر الغالبية العظمى هذه الزيارة ترويجاً للسيطرة التركية وشرعنة للجرائم التي ترتكبها فصائل الجيش الوطني بحق الكورد وشرعنة لبناء المستوطنات وتهجير الكورد وتوطين آخرين في منازلهم والسيطرة على أملاكهم ونهبها.
ولفت النقاد أن عبد الحكيم بشار هو نائب رئيس الائتلاف الذي يعتبر المظلة السياسية لكل فصائل الجيش الوطني التي ترتكب الانتهاكات وأعمال القتل والسرقات والنهب والاختطاف وتفرض الإتاوات في عفرين، والائتلاف شريك مباشر في كلّ الانتهاكات في عفرين، وبالتالي فأن عبد الحكيم بشار هو شريك في كل ما يرتكب بحق عفرين.
ويعتبر عبد الحكيم بشار من أكثر المدافعين عن فصائل الجيش الوطني وممارساتهم في عفرين، إذ يعتبرها ممارسات فردية، رغم أن الكثير من تقارير منظمات حقوق الإنسان في المنطقة والتقارير الدولية والتي كان آخرها فرض وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على فرقتي الحمزات والعمشات بقيادة كل من سيف بولاد وأبو عمشة على التوالي، لارتكابهما جرائم بحق أهالي عفرين واغتصاب النساء ووقوفها خلف عمليات القتل.
الملفت للانتباه أن زيارة عبد الحكيم بشار عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا، جاءت بعد أيام فقط من إعلان السكرتير الجديد للحزب محمد إسماعيل الذي انتخب رئيساً في المؤتمر الثاني عشر للحزب المنعقد في 15 حزيران، على قناة رووداو يوم 12 آب الجاري، أنهم اتخذوا القرار بافتتاح مكتب للمجلس الوطني الكوردي في عفرين.
محمد إسماعيل لفت أنهم عملوا على إيجاد الأرضية لافتتاح المكتب، وأضاف: “بعد زلزال (6 شباط الماضي)، وصلت جمعية البرزاني الخيرية إلى عفرين، وكان هناك انتعاش للأمل بين أهلنا هناك، وقلنا لنفتح مكتبنا هناك”.
وتابع “جرت الاتصالات مع الائتلاف وهو يقبل بذلك، إلا أن الائتلاف لا صلاحية لديه لإلزام الفصائل المسلحة، كما أن للدولة التركيّة دورٌ في ذلك. وحتى الآن يجري رفاقنا مباحثاتنا في هذا الصدد، وسنرسل رفاقنا لاستكشاف الوضع هناك، ونبحث عن فرصة لافتتاح مكتب، وحتى الآن لم يتم افتتاح مكتب لحزبنا (الحزب الديمقراطي الكوردستاني ــ سوريا)، ولا للمجلس الوطنيّ الكورديّ في عفرين”.
ولذلك يرى المتابعون للوضع بأن زيارة عبد الحكيم بشار المعروف بتلقيه الدعم من الجانب التركي وتبريره للسياسات التركية في عفرين، هو لاستقصاء الوضع واستجداء فصائل الجيش الوطني لقبول افتتاح مكتب للحزب والمجلس الوطني الكوردي هناك.
مؤكدين أن تركيا ترى أنه من الممكن استخدام افتتاح مكتب للحزب والمجلس الوطني الكوردي، لإظهار نفسه إعلامياً بأنه لا يعادي الكورد في عفرين خصوصاً بعد المظاهرات الاحتجاجيّة التي دعت إلى خروج فصائل الجيش من المدن على خلفية مجزرة نوروز 2023 واستشهاد أربعة مواطنين كورد من عائلة بيشمرك الكوردية. وإصرار العائلة على متابعة إجراءات المحاكمة وعدم الرضوخ للتهديدات أو القبول بتسوية. أي أنّ أنقرة تحتاج صوتاً كوردياً لصالحها.
مشيرين أن سعي الحزب الديمقراطي الكوردستاني- سوريا والمجلس الوطني الكوردي لافتتاح مكتب في عفرين يتزامن مع تسريع تركيا لبناء المستوطنات وتوطين الغرباء في عفرين الكوردية بعد تهجير سكانها الأصليين، وبالتالي استخدام الحزب والمجلس لتبرير عمليات الاستيطان خصوصاً أن زيارة عبد الحكيم بشار تزامنت مع فرض العقوبات على الحمزات والعمشات وإصدار بيان باسم الكورد هناك بأن هذين الفصيلين هم أكثر من يدعم الكورد رغم أن هذان الفصيلان يشكلان رأس الحربة في السياسات التركية لتهجير الكورد والاستيلاء على ممتلكاتهم وقتلهم وخطفهم وسبي نسائهم.
كما خرج عدد من أعضاء المجلس الوطني الكوردي في مظاهرة بمدينة عفرين تنديداً بالعقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأمريكية على قائد فرقة الحمزة سيف أبو بكر وقائد فرقة سليمان شاه “العمشات” محمد الجاسم أبو عمشة ووليد حسين الجاسم “الأخ الأصغر لأبو عمشة” والذي يشغل أيضا دورا قيادياً في لواء سليمان شاه.
ما يسعى إليه المجلس الوطني الكوردي هو تبرير الاحتلال التركي وسياساته في عفرين الكوردية التي تم تهجير أكثر من 400 ألف نسمة من سكانها الكورد، حيث كانت نسبة الكورد في عفرين قبل سيطرة تركيا عليها تزيد عن 95 % أما اليوم فهي أقل من 20 %، في حين تم توطين نحو مليون مستوطن من الغوطة وحمص وبقية المناطق السورية في هذه المدينة للقضاء على كورديتها.
ويشار أن السلطات التركية بنت منذ سيطرتها على عفرين أكثر من 25 مستوطنة بدعم قطري وجمعيات خيرية إخوانية مصرية وفلسطينية وكويتية، وتم توطين الغرباء عن عفرين فيها، من أجل تغيير ديموغرافيتها كما بنت تركيا عشرات المخيمات على أنقاض القرى التي دمرتها خلال هجماتها على عفرين في كانون الثاني عام 2018.
والآن تعمل تركيا على توطين اللاجئين السوريين في تركيا والمرحلين قسراً منها في تلك المناطق من أجل استكمال عملية تغيير ديموغرافيتها، ورغم كل هذا يدعي أعضاء المجلس الوطني الكوردي أن ما يجري في عفرين هي عبارة عن ممارسات فردية وليست حالة عامة.