تركيا الأردوغانية اللاهثة وراء حلم سلطنة بائدة في وقت ولّى فيه زمن السلطنات والامبراطوريات، تحيك الخطط الواحدة تلو الأخرى في سوريا، في مسعى منها لاقتطاع الأراضي السورية التي تراها جزءا من ما تسميه الميثاق الملي، وفي هذا السياق، بدأت بمخططين جديدين يسيران بالتوازي معاً بعد فتور علاقات التطبيع مع الحكومة السورية.
عندما بدأت الثورة في سوريا، كانت المنطقة العربية في محيط تركيا والتي كانت يوماً ما خاضعة لاحتلال السلطنة العثمانية تغلي وتنتقل الثورة من بلد لآخر، حينها ظن رجب طيب أردوغان الذي كان رئيساً للحكومة التركية، أن بإمكانه إعادة احتلال هذه الدول وتنصيب نفسه سلطاناً وخليفة على المسلمين وهو ذي الخلفية الإسلامية المتشددة.
فبدأ بتشييد القصور كالسلاطين، واستخدم الدين الإسلامي مطية لخداع العرب المسلمين، مستغلاً جماعات الإسلامي السياسي المختلفة مثل الإخوان المسلمين والقاعدة والنصرة وتنظيم الدولة الإسلامية وقدم لهم دعماً سخياً بالتعاون مع حليفه أمير قطر، وذلك في مسعى للسيطرة على مجمل الدول العربية وتنصيب رؤساء موالين له. تحقق له ما أراد في البداية في مصر بتولي الإخوان المسلمين السلطة وفي وصول حركة النهضة الإخوانية للحكم في تونس وكذلك تقدم المسلحين المدعومين من قبلها في مختلف المناطق السورية، وسيطرة الجماعات الإخوانية في ليبيا على مساحات كبيرة من البلاد.
وفي الوقت الذي كان يحلم أردوغان بأن حلمه على وشك التحقق لينصب نفسه خليفة على المسلمين، جرت الرياح بما لا تشتهي سفنه، إذ استولى الجيش في مصر بقيادة السيسي على الحكم، وتدخلت روسيا وإيران إلى جانب الحكومة السورية، وبدأت المعارضة في تونس تضيّق الخناق على الموالين لتركيا، وبدأ الجيش الوطني الليبي بدعم مصري وإماراتي بتضييق الخناق على المجموعات الموالية لتركيا.
رويداً رويداً بدأ نفوذ المدعومين من أنقرة في البلدان العربية يتهاوى، وبالمقابل بدأت الخزينة التركية تنضب من الأموال إلى درجة بدأت البلاد تنزلق إلى أزمة اقتصادية في ظل صرف النظام التركي أموال الضرائب على تمويل العديد من الجماعات في مختلف البلدان العربية.
وما أن بدأ العقد الجديد، حتى كانت تركيا ترزح تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة، بدأت فيها الأصوات تتعالى ضد أردوغان، فوجد أردوغان أن أحلامه في السلطنة بعيدة المنال وأنه في سعيه لأحلامه قد يفقد كرسي الحكم، لذلك بدأ بتغيير مخططه خصوصاً أن البلدان العربية باتت صعبة المنال من قبل، ولذلك بدأ يصب جل تركيزه على سوريا والعراق، انطلاقاً من قاعدة: إن لم تستطع الحصول على الكثير فاغتنم القليل، وبذلك حول مخططه من السلطنة العثمانية إلى حدود الميثاق الملي الذي يرى في محافظات حلب والرقة ودير الزور والحسكة السورية والموصل وكركوك وزاخو وأربيل والسليمانية العراقية، جزءاً من تركيا ويجب السيطرة عليها مجدداً.
أردوغان الذي منح الجنسية التركية لمئات الآلاف من اللاجئين السوريين الذين قصدوا تركيا هرباً من المعارك، أراد تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية، في تطبيق ناعم لمخطط تغيير ديموغرافية الشمال السوري بعد أن سيطر على مساحة 10 % من الأراضي السورية، إذ أراد عبر التطبيع مع دمشق منح الشرعية لعملية التغيير الديموغرافي وعمليات التوطين التي يجريها في الشمال السوري، تمهيداً لإجراء استفتاء في تلك المناطق من أجل فصلها. ولكن هذا المخطط لم يسر كما يريده.
الآن دخلت علاقات التطبيع بين أنقرة ودمشق مرحلة الفتور، بسبب إصرار دمشق على انسحاب الجيش التركي من الأراضي السورية كشرط أساسي لاستكمال التطبيع حتى وإن كان على مراحل، وضرورة فتح طريق حلب اللاذقية وتسليم المعابر الحدودية إلى قوات الحكومة أو أقلها إلى رورسيا. شروط دمشق هذه تنسف المخطط التركي بالسيطرة على حلب واقتطاع الأراضي السورية، لذلك فضلت أنقرة التوقف عن الالحاح لتطبيع العلاقات مع دمشق.
ولكن تركيا التي دأبت على حبك المخططات، لا ترغب بقبول أن زمن احتلال أراضي الغير واقتطاعها قد ولى، لذلك بدأت بوضع مخططين آخرين يستهدفان وحدة الأراضي السورية.
وفي السياق، كشفت مصادر مطلعة من الشمال السوري، أن تركيا بدأت مخططاً جديداً عبر تجهيز مجموعة من المتشددين والمتطرفين خصوصاً الذين سبق لهم أن كانوا منتمين لصفوف تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة واتخذوا من الشمال السوري منطقة آمنة لتسيير نشاطاتهم، من أجل زجهم ضمن صفوف الجيش الوطني وتسليمهم مناصب قيادية فيه.
وأكدت المصادر أن الاستخبارات التركية تريد استغلال قوة البلاغة والخطابة لدى هؤلاء في الترويج بين السوريين بمشروع ضم أراضي الشمال السوري إلى تركيا، واستغلال خوف الأهالي من التطبيع المحتمل بين أنقرة ودمشق وخشية هؤلاء المواطنين العودة إلى حضن الحكومة السورية حيث الاعتقال والتعذيب والاختفاء القسري بانتظارهم.
وأشارت المصادر أن تركيا تريد استغلال هاجس الخوف لدى الأهالي من التطبيع بين أنقرة ودمشق لصالحها، عبر الترويج بأن ضم تلك الأراضي السورية إلى تركيا سيجنب هؤلاء المواطنين الوقوع في قبضة القوى الأمنية لدى الحكومة السورية.
ولفتت المصادر أن هنا مخططاً آخر مكملاً لهذا المخطط، ويتضمن تجهيز المئات من الضباط السوريين المنشقين الموالين لها عبر إخضاعهم لدورة تدريبية.
وأوضحت أن الاستخبارات التركية تعمل الآن على إخضاع 400 ضابط سوري منشق لدورة تدريبية قرب قرية حوار كلس التابعة لمنطقة الراعي بريف حلب الشمالي الخاضع لسيطرة تركيا.
وأكدت المصادر أن الاستخبارات التركية ستعمل على نشر هؤلاء الضباط المنشقين الذين خصصت لهم راتباً شهرياً مقداره 300 دولار، على طول الحدود السورية التركية الخاضعة لسيطرة الأخيرة، وستسلمهم المعابر الحدودية مثل باب الهوى وباب السلامة، وكذلك المعابر غير الرسمية، من أجل الاحتكاك المباشر مع المواطنين، للترويج بضرورة فصل هذه الأراضي عن سوريا وضمها إلى تركيا.
وبينت المصادر أن تركيا ستسعى الوصول إلى أكبر عدد ممكن من السوريين والترويج لمخططها هذا مستغلة عمليات الترحيل القسري التي تجريها للسوريين على أراضيها، خصوصاً أنه يجري فصل العوائل عن بعضها البعض من خلال ترحيل رب الأسرة إلى الشمال السوري والإبقاء على عوائلهم في داخل تركيا، ودفع المرحلين قسراً إلى قبول هذا المخطط من أجل أن يلتم شملهم بعوائلهم مجدداً ودون معوقات في حال أصبحت هذه الأراضي السورية جزءاً من تركيا.