تستنجد السيدة سولاف بالمنظمات الحقوقية اليوم لمساعدتها على استعادة استقرار أسرتها، فبين ليلة وضحاها تشتت شملها دون سابق إنذار أو أي سبب واضح. وقالت: “تم ترحيل زوجي منذ أيام، لم يتلق أي إشعار بالترحيل، ولم يتم منحه مهلة أسبوع كما ينص على ذلك القانون التركي”.
“ترحيل فجائي!”
كل شيء مر بسرعة البرق بالنسبة للزوجة التي بقيت في إسطنبول رفقة رضيعها الذي لا يتجاوز 10 أشهر من عمره، دون معيل أسرتها وسندها في غربة اضطرارية، سببها اللجوء بسبب الحرب التي لم تختفي نتائجها إلى اليوم في سوريا.
تقول أنها وزوجها مقيمان بشكل قانوني في البلد منذ 2018، ويتوفران على كل الوثائق الرسمية من الولاية التي يقيمون بها منذ وصولهما إلى البلد، بعد تمكنهما من الفرار من دمشق بعدما صارت حياتهما هناك لا تطاق.
تعود المشكلة التي تم ترحيل زوجها على إثرها لنهاية الأسبوع الثاني من الشهر المنصرم، حينما تم الاتصال به ليلا للقدوم على وجه السرعة للمحل التجاري الذي يملكه، بعد هجوم بعض الشباب على المحل وتكسيره.
تحكي الزوجة في حوارها مع مهاجر نيوز “حينما وصل وجد أن الشرطة قد سيطرت على الوضع وتم اعتقال المخربين، لكن بعد برهة من الزمن، عادت الشرطة مرة أخرى واعتقلت 8 شبان من ضمنهم زوجي وعمال المحل بدون ذكر السبب، وكل هذا موثق في فيديوهات كاميرات المراقبة الخاصة بالمحل”، تقول المتحدثة.
في الوقت القصير الذي قضاه داخل مركز الشرطة الذي تم احتجازه فيه، تحكي سولاف أنه لم يتم إخبار زوجها أنه سيوقع على الموافقة على قرار ترحيله، بل أخبروه بأنه أمر إخلاء سبيل فقط. والمفاجئ في كل القصة بالنسبة للزوجة، أنه بين القبض على الزوج وترحيله لم يمر سوى أربعة أيام، وقد تم تنفيذ حكم الترحيل يوم الأحد، الذي يعتبر يوم عطلة رسمية في تركيا. “لم نتمكن حتى من توكيل محام لأجل تقديم اعتراض على قرار الترحيل الفجائي”، تحكي المتحدثة.
أضرار نفسية ومادية!
وصفت سولاف ما عاشته منذ معرفتها بخبر اعتقال زوجها بأنها كانت “في حالة رعب نفسي كبير، عايشته رفقة طفلي دون تلقي أي خبر عن زوجي، وقد زاد الخوف عندما وصلني خبر ترحيله وأدركت أني بقيت أنا وطفلي الرضيع بدون معيل أو سند في بلد أجنبي”.
أما عن الأضرار المادية، فتجملها المتحدثة في إغلاق المحل الذي يعتبر مصدر دخل العائلة، بسبب عدم وجود أي من العمال الذين كانوا يعملون به، إذ تم ترحيلهم جميعا في نفس اللحظة ودون سبب”. مضيفة أن “حتى السلع التي كانت في المحل فسدت بسبب إغلاقه منذ يوم الحادثة. كانت الأضرار المادية بليغة فعلا”.
معاناة وخسائر هذه الأسرة السورية الصغيرة لا تتوقف هنا، بل تمتد لموضوع آخر فيه من الخسائر ما هو أهم بالنسبة لكل أفرادها. تحكي سولاف “قمنا بعمليات أطفال الأنابيب هنا في تركيا، جمدنا أجنة في المششفى منذ عامين، بمبالغ باهظة جدا، صرفنا إلى حدود الساعة ما يقارب 7000 دولار، لم نتمكن بتأمين هذا المبلغ إلا بعد ثلاث سنوات من العمل، وفي حال لم يعد زوجي ستكون الأضرار كبيرة جدا”.
خوف على سلامة المرحلين!
تحكي أن وضع زوجها صعب جدا، إذ “فقد كل شي بلمح البصر، لم تكن أمامه مهلة لبيع ما يملك على الأقل”. ومن جهة أخرى، تعيش الأسرة رعبا حقيقيا بسبب خطورة الحياة في الشمال السوري حيث تم ترحيل زوجها، فهذه المناطق مازلت تتعرض للقصف إلى غاية هذا الوقت حسب قولها.
تقول سولاف “زوجي لا يستطيع العودة إلى مسقط رأسه دمشق، خوفا من النظام الذي مازال يعتقل الآلاف من الشباب. لحد الساعة لم يتعرض لأي تهديد، إلا أننا لا نضمن ما تخفيه الأيام المقبلة”. وعند سؤالها عما إذا كانت الأسرة تفكر في حل للاجتماع مرة أخرى، ردت قائلة “طبعا يفكر زوجي بالعودة لأنه لا حل آخر أمامنا، لا نستطيع العودة إلى سوريا بسبب انعدام الأمان هناك. أتمنى لو كنا نستطيع أن نهاجر خارج تركيا لأنها رفضتنا دون سبب، لكن هذا أيضا صعب التحقق”.
إن المشكلات الاقتصادية التي تعيشها تركيا، أدت بوضوح إلى زيادة مشاعر العداء للمهاجرين، وقد وصل أثرها إلى الانتخابات الرئاسية والتشريعية في مايو/أيار الماضي، إذ أدى ضغط المعارضة على أردوغان إلى التعهّد بإعادة مليون سوري إلى بلادهم، كما أن منافسه الأساسي في الانتخابات الماضية، بنى حملته بالأساس على شعار إعادة اللاجئين المتواجدين بالبلد إلى ديارهم.
هذا التحول المناهض للمهاجرين في السياسة التركية، أدى إلى إثارة حالة من الخوف لدى السوريين بشأن مستقبلهم. ومما زاد من تخوفاتهم، أن أردوغان صار حريصا أكثر على حل الخلافات مع الأسد، مما يزيد من احتمال حدوث تقارب قد يؤدي إلى اتفاقيات إعادة المواطنين السوريين إلى بلدهم.
ومن آخر مظاهر العداء السياسي للمهاجرين واللاجئين خاصة منهم السوريون التي ظهرت في البلد، إقدام بعض البلديات، ومنها بلدية “إسينيورت” في مدينة إسطنبول، على إزالة لافتات المحلات التجارية العربية، تطبيقا لقانون كان طي النسيان لسنوات طوال.
ويمنع قانون البلديات التركي المذكور استعمال لافتات مكتوبة بغير التركية بنسبة تصل إلى 75 بالمئة، وهذا يشمل الإنجليزية والعربية وغيرها من اللغات، إلا أنه من المعروف أن تطبيق هذا القانون يتوقف على مزاجية رؤساء البلديات، حسب تقرير لقناة سكاي نيوز عربية حول الموضوع”.
ولم تكن بلدية “إسينيورت” الوحيدة التي قررت إزالة اللافتات العربية، حيث سبق لبلدية “هاتاي” جنوبي البلاد أن أصدرت أمرا بإزالة لافتات المحلات المكتوبة بالعربية في أواخر مايو/أيار الماضي، كما فعلت بلدتيا مرسين وأضنة.