أحمد خليل
أن القبضة الأمنية المتشددة والفساد الذي نخر مؤسسات الحكومة السورية، وتردي الأوضاع المعيشية وانعدام حقوق المواطنين، وتحكم الأفرع الأمنية بجميع مفاصل الحياة في البلاد، دفع السوريين للانتفاض ضد الحكومة في الـ 15 من آذار عام 2011. ولكنها سرعان ما تحولت إلى العسكرة وحرب بين الحكومة ومعارضين تلقوا الدعم من أطراف خارجية، من أجل البقاء في السلطة أو الوصول إلى السلطة بالنسبة لكلا الطرفين، فدعا كل منهما أطرافاً خارجية للقتال إلى جانبه، ودفع السوريون ضريبة ذلك دماً ودماراً، حتى باتت الحرب في سوريا كاختزال لحرب عالمية ثالثة تدار رحاها منذ ذلك الوقت على الأراضي السورية مع تدخل روسيا وتركيا وإيران ودول حلف الناتو وإسرائيل فيها، وسط غياب أفق الحل مع سعي كل طرف لتحقيق مصالحه.
السوريون الذين خرجوا إلى الشوارع، افتقروا إلى القيادة الكفؤة القادرة على توجيه عملية التغيير والتحول الديمقراطي، وذلك انفتحت البلاد أمام تدخلات لا حصر لها، وتوفّرت الأرضية الخصبة لظهور ونمو التيارات الأصولية الراديكالية المتطرفة التي سيطرت فيما بعد على قوى المعارضة السورية الهشّة وغير المنظمة كفاية، بدءاً من القاعدة وجبهة النصرة ووصولا الى داعش.
ومع استمرار تعقيدات الأزمة ووصولها إلى مرحلة وضعت السوريين على شفا كارثة إنسانية مع ارتفاع مستويات الفقر حيث يعيش 90 % من السوريين الآن تحت خطر الفقر بحسب الأمم المتحدة، ظهرت الحاجة إلى تجميع قوى المعارضة المؤمنة بالتحول الديمقراطي، وفي هذا السياق، حمل مجلس سوريا الديمقراطية على عاتقه مسؤولية تجميع قوى المعارضة معاً.
وتأسس مجلس سوريا الديمقراطية، في الـ 9 من كانون الأول عام 2015، كإطار وطني ديمقراطي سوري يتكون من القوى المجتمعية والسياسية والشخصيات المستقلة التي تصادق على وثائقه.
وهو منفتح على جميع التنظيمات والشخصيات السياسية من أجل تحمل مسؤولياتهم في إنقاذ سوريا وتحقيق تطلعات الشعب السوري في التغيير الديمقراطي الشامل والمساواة بين الجنسين والعدالة وبناء النظام الذي يعبر عن المشروع الوطني.
كما أن مجلس سوريا الديمقراطية هو المرجعية والمظلة السياسية للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وقوات سوريا الديمقراطية، وهو المخولّ في اجراء أية عملية تفاوضية معتبراً خيار الحل السياسي عبر المفاوضات هو السبيل الوحيد لإنقاذ البلاد.
ويرى المجلس أن وقف نزيف الدم السوري وإنهاء حالة التشرذم والتبعثر التي تعاني منها سوريا وقواها السياسية والتي تسببت في هدر طاقات المجتمع السوري والتخلص من الإرهاب، يحتاج إلى حوار سوري – سوري لإعادة بناء سوريا حرة ديمقراطية على أسس احترام التنوع المجتمعي للنسيج السوري والعدالة والمساواة بين الجنسين واعتبار حرية المرأة هي أساس كافة الحريات.
ولذلك بدأ مجلس سوريا الديمقراطية، اعتباراً من عام 2019، بعقد المؤتمرات الواحد تلو الآخر ودعت الشخصيات السورية المعارضة إليها بدءاً من مؤتمرات عين عيسى الأول والثاني، ومن ثم في الرقة والجزيرة، وأيضاً مؤتمر فيينا للمعارضة المؤمنة بالتحول الديمقراطي في المهجر.
ولم يكتفي المجلس بعقد المؤتمرات، بل عقد لقاءات متواصلة مع الأطراف المعارضة سواء الداخلية أو الخارجية من أجل التوصل إلى صيغة للتفاهم يمكن من خلالها تجميع المعارضة السورية المؤمنة بالحل السياسي والبعيدة عن الأجندات الخارجية التي ترى في سوريا كعكة يجب اقتسامها.
وفي هذا السياق، وقع المجلس وثيقة تفاهم مع حزب الإرادة الشعبية المنضوية في منصة موسكو، ومؤخراً مع هيئة التنسيق الوطنية، حيث ما تزال اللقاءات متواصلة بين الطرفين لاستكمال التوصل إلى رؤية شاملة فيما يخص النقاط الخلافية.
وبالتزامن مع ذلك، يواصل المجلس اللقاء بالشخصيات المعارضة المستقلة في الداخل السوري، بهدف عقد مؤتمر وطني لقوى المعارضة السورية من أجل توحيد طاقاتهم ودفع الحكومة السورية إلى قبول التفاوض معهم من أجل إنهاء الأزمة السورية التي باتت تهدد من بقي من السوريين بالموت جوعاً. ويجري الحديث عن عقد المؤتمر في الخريف القادم.
مجلس سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية وقوات سوريا تعرضت للاتهامات من قبل مختلف الأطراف في الأزمة السورية، فالائتلاف الوطني السوري كان يصف هذه الأطراف بالعميلة والتابعة للحكومة السورية مرة والساعية للانفصال عن سوريا تارة أخرى في تناقض واضح، فكيف للعميل للحكومة أن يكون انفصالياً. أراد الائتلاف بهذه التوصيفات إبعاد الشعب السوري عن مسد وقسد والإدارة الذاتية، ليتبين لاحقاً أن هذا الائتلاف هو العميل لتركيا والانفصالي الساعي لسلخ الأراضي السورية وضمها إلى تركيا كونه يتحرك وفق أوامر الاستخبارات التركية ووفق المخططات التي يضعها، وأكبر دليل على ذلك صمت الائتلاف كل جرائم القتل التي ارتكبتها تركيا بحق السوريين وترحيلها للاجئين السوريين قسراً.
أما الحكومة السورية فهي تارة تصفهم بالانفصاليين وتارة بالتبعية لأمريكا وتارة أخرى تقول بأن هناك فصيلاً ضمنهم يتبع لأمريكا.
لم يعد السوريون يعرفون من سيصدقون الحكومة السورية أم الائتلاف، في حين أن المجريات على أرض الواقع تختلف تماماً عما يقوله هؤلاء عن مسد وقسد والإدارة الذاتية.
فعندما تعرضت السويداء لهجمات داعش في صيف عام 2018، أكدت قوات سوريا الديمقراطية استعدادها لإرسال قوات من أجل الدفاع عن المنطقة في وقت تركتهم قوات الحكومة السورية لوحدهم في حين بقي الائتلاف صامتاً.
كما تأثرت القوى الموجودة في السويداء بتجربة الإدارة الذاتية المطبقة في شمال وشرق سوريا، وتحاول الآن تطبيق هذه التجربة في الجنوب السوري، فلو كانت الإدارة الذاتية انفصالية لما كان أهالي السويداء سعوا لتطبيق هذا النموذج في الجنوب السوري أيضاً.
ليس بالضرورة أن تعبر المقالة عن رأي الموقع